من الذي يستطيع جمع كل هذه الوجوه والأجيال الفنية التي جلست مساء أمس على خشبة «مسرح المدينة»، غير نضال الأشقر؟ تلك التجارب المختلفة التي لا تزال تخرج من باطن المدينة وضواحيها وشوارعها، ويحلو لبعضهم أن يطلق عليها من باب الإعجاب، والتذمّر أحياناً حركة فنية وثقافية «فردية» في بيروت، صارت أمس حركة جماعية تحت لواء «مسرح المدينة». كان لقاءً مؤثراً في هذا المكان، احتفالاً بمرور عشرين سنة على افتتاح هذا الصرح الثقافي العريق في قلب بيروت. وجوه أليفة لم تعد تلتقي في المدينة إلا بشكل عابر، لأنها لم تعد تملك حيزاً مدنياً في الفضاء العام، جاءت لتستعيد الزمن السعيد، أيام كانت الثقافة جزءاً أساسياً من الحياة الوطنية.
الافتتاح مع «الملك يموت» لفؤاد نعيم عن نصّ يوجين يونسكو
جلس على جانبي مؤسسة المسرح والممثلة والمخرجة نضال الأشقر(الصورة)، صف طويل من الفنانين والموسيقيين والمسرحيين من الشباب والرواد، بينما كانت تحدّثنا عن العيد المرتقب. نضال الأشقر حاضرة بكامل حماستها، وهي تخبرنا، بحنين نضر عن أبرز محطات السنوات العشرين الماضية، وعن الرواد الذين صنعوا ألق المسرح... يوسف شاهين ونور الشريف وطلال حيدر وأنسي الحاج، وأسامة العارف وحسن الحفار والفاضل الجعايبي وبرج فازيليان وروجيه عساف وليلى علوي وسعد الله ونوس. كان ذلك قبل عشرين عاماً. «عشرين سنة» تقول، وهي تشدد على دور الفن والثقافة في إحياء بيروت، وعلى استمرارية المسرح، في وجه كل الأحداث السياسية والاقتصادية في المنطقة، وبيروت تحديداً. كان ذلك قبل أن نشاهد فيلماً تسجيلياً يوثق لأبرز إنجازات هذا الصرح البيروتي. إجازات لم تتوقف عند حدود المسرح، بل جعلته محطة للغناء، والرقص (بايبود) والفنون الأخرى كاستضافته الدورات الأولى من «أشغال داخلية»، وفنوناً عالمية ومحلية. ثم شاهدنا مقتطفات من عرض راقص للمصمم اللبناني بيار جعجع سيقدّمه مجدداً خلال الاحتفالية. أمس لم يكن مجرد مؤتمر صحافي، بل كان أشبه بلقاء كتّاب وفناني بيروت من الغائبين والفاعلين، يعيد الإيمان مجدداً بدور الفن بعدما ضاعفت بيروت خيباتنا. احتفالية العيد العشرين للمسرح التي تنطلق في 14 تشرين الأول (أكتوبر) المقبل وتستمر حتى 26 منه في «مسرح المدينة»، ستقدم لنا عرضين كل ليلة بين موسيقى ومسرح وعروض دمى، ورقص وأفلام تجمع بين رواد المسرح من روجيه عساف وفؤاد نعيم ونضال الأشقر، وصولاً إلى أحدث التجارب وأكثرها تجريباً كفرقة «زقاق» المسرحية. قام «مسرح المدينة»، للمفاجأة السارة، بإنتاج الأعمال الـ 25 المشركة. في ليلة الافتتاح سنشاهد «الملك يموت» (14/10) لفؤاد نعيم بعد ترجمتها واقتباسها عن نصّ يوجين يونسكو الشهير، تليه حفلة غنائية للفنانة اللبنانية ريما خشيش. في «مأساتي» (15/10)، سنتابع الهواجس الفردية والعامة لدمية عصام أبو خالد، ثم سنستمع إلى أمسية «أسطوانات من غير خشخشة» الطربية لعبد الكريم الشعار. موعد خاص مع روجيه عساف في «بيروت غيابياً» التي يستعيد فيها العاصمة اللبنانية من خلال ذاكرتي أنسي الحاج ونزيه خاطر برفقة صوت دالين جبور، يليها العرض الراقص «الحب لذة» (16/10) لندى كنعو. هناك محطة سينمائية مع «ما تبقى لنا» (17/10) لجاد أبي خليل. أما المخرج ناجي صوراتي، فيأخذنا في رحلة عبر الخرائط الجغرافية والتاريخية والجسدية في geographia: The Synapse (18/10)، قبل أن نستكشف مع لينا خوري لحظات انتظار العرض المسرحي وانتظار مشاهدة التلفاز في «بانتظار العرض». على البرنامج أيضاً أمسية موسيقية مختلفة لـ «فرقة الرحالة» وسامي حواط (19/10) الذي يدمج الساكسوفون والعود ضمن أجواء صوفية، لنعود إلى المسرح مع «اخت الرجال» لجاك مارون التي اقتبسها غابريال يمين عن نص للكاتبة الأميركية ايلاين ماي. حياة ليلى الممزقة هي محور عرض «كيفك يا ليلى» المونودرامي (20/10) لميشال جبر، بينما تدور «الصوت البشري» للينا أبيض حول الخسارة والفقدان بالاستناد إلى نص للشاعر الفرنسي جان كوكتو. سنشاهد أيضاً مسرحية «حوار الكلاب» (21/10) لسحر عساف، ونستمع إلى «صوفيات» جاهدة وهبة. موعد مع الرقص مجدداً مع «بين السلاسل» لبيار جعجع (22/10)، ثم «لا خبر» الموسيقي والغنائي للمخرج ربيع مروة مع فاطمة بزي، تليه طاولة مستديرة يديرها الزميل بيار أبي صعب. مسرح الدمى يحضر مع «يا قمر ضوي عالناس» (23/10) لكريم دكروب، تليه أمسية «أغاني للحب» لسمية بعلبكي. «مجموعة كهربا» تقدم «أصل الحكاية» (24/10) حول الأساطير، وتأخذنا زينة دكاش إلى سجن رومية مع «جوهر في مهب الريح» المصوّر عن مسرحية بالعنوان نفسه قدّمها السجناء المحكومون بالإعدام والمؤبد والسجناء من المرضى النفسيين هذه السنة. مصر السيد درويش حاضرة في مسرحية «عين الشيطان» (25/10) الغنائية لهشام جابر، التي يحاول أن ينقب فيها عن وجه آخر لأغنيات السيد درويش مختلف عن الوجه الذي تبناه اليسار المصري في أغنياته. في الليلة نفسها تواصل «فرقة زقاق» تجريبها، فيقوم ثلاثة ممثلين من الفرقة بإدارة بعضهم بالاستناد إلى نصوص شكسبير حول السلطة. أما الختام، فسيكون مع «على العهد لمئة جديدة» لـ «فرقة زكي ناصيف» في «الجامعة الأميركية في بيروت» التي ستقدم أغنيات للموسيقي اللبناني الراحل، ومع مسرحية «مش من زمان» لخالد العبدالله ونضال الأشقر التي وعدتنا بتقديم مسرحية مختلفة عن كل أعمالنا، قبل أن تؤكد «أنني سأكون معكم في احتفالية المسرح الثانية بعد عشرين عاماً». إذاً، الحصيلة هي ٢٥ عملاً تجمع الأجيال والأنواع الإبداعية... علّها تكون مناسبة لإحياء نهضة بيروت المشتهاة.

* «احتفالية 20 سنة لمسرح المدينة»: من 14 حتى 26 تشرين الأول (أكتوبر) ــ «مسرح المدينة» (الحمرا ــ بيروت)