من خبايا الكلام المتناثر على ألسنة الناس وأمثالهم وحكاياتهم وعاداتهم المأثورة، استمدّ «شيخ الأدب الشعبي» سلام الراسي حكاياته التي رواها، مُعيداً تشكيل الشخصية الشعبية القروية اللبنانية وتجذيرها في ذاكرة ضاعَ كثيرُها بين حرب وإهمال وحداثةٍ تنكّرت وأبعدتْ.
و«لئلّا تضيع» حكايات الراسي، وبذلك تكون الخسارة مزدوجة، تعمدت «دار هاشيت أنطوان ــ نوفل»، التي تعنى بإصدارات أعلام الأدب اللبناني كجبران وإملي نصر الله وخليل تقي الدين، وضمن إطار الدورة 58 لـ «معرض بيروت العربي الدولي للكتاب»، إعادة إصدار طبعة لأعمال سلام الراسي في السلسلة المسمّاة «الأدب الشعبي». علماً بأن ستة أجزاء منها صدرت حتى الآن تضمّ مؤلّفاته الأولى بتراتبية زمنية؛ أولها «لئلا تضيع» (1971) وعنوانه يدلّ على محور العمل الضخم الذي قام به الراسي محافظاً على تراث كبير من الاختفاء.
صدرت ستة أجزاء منها
حتى الآن تضمّ مؤلّفاته الأولى بتراتبية زمنية

تراث حافظ عليه أيضاً في «في الزوايا خبايا» (1974) و«حكي قرايا وحكي قرايا» (1976) و«شيح بريح» (1978) و«الناس بالناس» (1980) و«حيص بيص» (1983)، على أن تتمَّ الدار نشر أعماله الكاملة التي وصلت الستة عشر مؤلفاً في وقت قريب.
حكائيات الراسي اصطُلح على تسميتها «الأدب الشعبي»، إلا أن مجهوده فيها تجاوز هذه التسمية إلى تجربة متشعّبة في تحقيق وتوثيق الأمثال والمفردات الشعبية، إضافةً إلى الزجليّات والحِكم والخرافات والأساطير التي حُفظت في الألسُن ونُقلت في الموروث. لقد حافظ بعمل فردي معجمي ــ إن صحَّ التعبير ــ على ما عجز عنه جيل كامل. ابن إبل السقي الجنوبية تنقّل بين التعليم في البدايات وكتابة الشعر والزجل، إلى أن استقرّ به الأمر إلى جمْع المرويّات وصياغتها في مجموعات قصصية، حملت عناوينُها بصمتَها الشعبية المتميزة. من «أقعد أعوج وإحكي جالس» و«الحبل على الجرار» وغيرها من المسمّيات التي تُنبئ عن مضمونها وشخصياتها المتنوّعة، من الفلّاح والعامل والإسكافي إلى المختار والسياسي ونساء القرية وغيرهم. حكايا قصصية ترتقي بصاحبها إلى مرتبة المؤرخ التراثي الذي سعى إلى صون ما عايشه في قريته واستمع إليه من أجداده.
لغة الراسي اندمجت بهذا التراث بطبيعة الحال، وأنتجت إبداعاً بمزيجٍ خلطَ العامية بالفصيحة، مرتكزاً إلى المثَلِ في مدِّ قصصه بمنطلقها والبناء عليه. وقد استخدم الفكاهة والحبكة البسيطة مؤكداً بذلك عفويةَ النصِّ وشفهيّته، وتعبيره الصادق المرادف لصور الحياة وأشكالها في البيئة التي أنتجته في الأصل.