تونس | أطلق عدد من المؤرخين والاختصاصيّين في علم الاجتماع من تونس ودول أخرى من بينها إسبانيا وتركيا حملةً لتسجيل «المقدمة» لابن خلدون (1332-1406) ضمن برنامج «ذاكرة العالم» الذي ترعاه اليونسكو، بهدف تخليد أثره ضمن التراث الفكري الإنساني بصفته رائداً لعلم الاجتماع أو ما سُمّي «علم العمران البشري». وابن خلدون، الذي ولد في تونس وتنقّل بين الجزائر والأندلس والشام ومات في مصر، عاش في ظل الدولة الحفصية التي حكمت تونس حوالى أربعة قرون (1228-1574) وكان شاهداً على تحوّلات الحكم وسقوط الممالك وعلى الوباء الجارف الذي هزّ شمال أفريقيا. وقد استخلص من تجربته نظرية صعود الحضارات وأفولها بسبب الفساد وغياب العدل والحكم الرشيد.
ابن خلدون كما تخيّله النحّات التونسي علي البرقاوي

وقال عبد الحميد الأرقش، أحد أعضاء «الهيئة الجامعية الدولية» لـ «الأخبار» بأنّ المبادرة «فكرة قديمة جديدة، نشأت في سنة 2017 عندما كنت أشغل منصب مدير عام التراث في وزارة الثقافة، فسجلّ «ذاكرة العالم» يشمل الأعمال الفكرية التي طبعت التاريخ الإنساني، وابن خلدون، خصوصاً كتابه «المقدّمة»، ذو أبعاد كونية تأسيسيّة لعلم جديد وهو يشكّل جزءاً من تاريخنا ورمزاً من رموز نهضتنا الفكرية والعلمية. لذا تسجيله يصبح مهمة وطنية متميزة». وكشف أنّ «سجلّ «ذاكرة العالم» يشتمل على حوالى 450 بين مدوّنات أرشيفية ومخطوطات ووثائق وخرائط وليس للعالم العربي فيها سوى اثنين في المئة بينما تهيمن أوروبا الغربية على هذا السجلّ بنسبة تبلغ حوالى 45 في المئة. وهذا لا يتناسب مع ما قدّمته الحضارة العربية للفكر الإنساني والغربي. فعلماء العرب والمسلمين مثّلوا تاريخيّاً الجسر الذي انتقلت عبره العلوم اليونانية والفلسفة والعلوم الطبية إلى أوروبا في بدايات عصر النهضة. وهذه الحقائق تدرّس في جامعات العالم الغربي ذاته، ولا ينكرها أحد. هناك أسماء عدة لها مكانها الطبيعي في سجلّ «ذاكرة العالم» من ابن سينا إلى الفارابي وابن رشد وابن خلدون وغيرهم».
في هذا السياق، جُمعت نسخ من مخطوط «المقدمة» في أنحاء العالم. كما أقيم معرض في تونس، على أن يُنظَّم آخر في باريس وندوة فكرية حول الأبعاد الكونية لفكر ابن خلدون. لكن الخطوة الأساسية للوصول إلى تسجيل «المقدمة» ضمن «ذاكرة العالم»، يجب أن تتبنّاها مؤسسات رسمية سواء في تونس أو غيرها من البلدان التي عاش فيها ابن خلدون إلى جانب تونس مثل الجزائر ومصر التي توفي فيها. علماً أنّ النخب التونسية تنبّهت إلى أهمية ابن خلدون منذ القرن التاسع عشر، إذ تأسست جمعية «الخلدونية» التي تلعب دوراً بارزاً في نشر الفكر الإصلاحي والتنويري في تونس.