يعدّ «تلك الكلمة المقدّسة» الصادر حديثاً عن «منشورات مرفأ للثقافة والنشر» (بيروت) تجميعاً حديثاً فريداً من نوعه في توثيق أصوات نساءِ القصيدة الفلسطينية المعاصرة عبر أجيالٍ وجغرافيات الشاعرات الفلسطينيات المعاصرات، اختارتها وبوّبتها الشاعرة والإعلامية والمترجمة الفلسطينية نداء يونس في أربعة أقسام: شاعرات المهجر والمنافي، شاعرات من فلسطين المحتلة عام 1948، شاعرات من الضفة الغربيّة والقدس المحتلة، شاعرات من غزة. تقول يونس: «مع كلِّ اختلافاتِها الأسلوبيَّة والموضوعاتية، ثمَّة خيط ناظم يجمع بين هذه النُّصوص: فرغم اتساع هذه الجغرافيا الاستثنائية وتشتُّتِها في آن بين المَهَاجِرِ العربية والغربية والإقامة في الوطنِ بين أراضيه المحتلَّة أو المحاصَرة بالاحتلال، فإنَّ هذه الأصوات، حتَّى في قمة وجدانيّتها وغنائيَّتها، تحكي نفسَ الحكاية، حكاية أرض مغتصَبة، متجذّرة في صلب الكلام الشعري، مثلما هي متجذِّرة في أرض فلسطين التاريخيَّة. يتماهى، رمزيّاً، الجسد الأنثوي مع جسد فلسطين، في قصيدة تمنح هذه الجغرافيا تفرُّداً قلَّما تحقَّق في أصقاع ثقافيَّة أخرى. لذلكَ، يندُرُ أن تستند الشاعرات الفلسطينيات إلى لغة مغرِقة في التجريد، بل تقومُ قصيدتهن على لغة ماديَّة تنطلق من تقديم تجربة جسدية وحسية في العلاقة مع الوطن عبر تنشيط الذاكرة أو مع الاحتلال عبر تجربة الواقع المعاش واليومي أو مع حميميَّة الذات عبر تجارب شخصية. بذلك، تراوحت القصائد بين الوطني، التسجيلي والغنائي». «كلمات» تنشر مقتطفات من هذه الأنطولوجيا
«لا زلت حيّاً» لميسرة بارود


1- نعومي شهاب ناي: قمر فوق غزة
وحيدة أنا
من أجل أصدقائي.
لقد أحبوني،
ووثقوا بمجيئي.
أعتقد أنهم نظروا إليّ
أكثر ممّا يفعل الآخرون.

أنا الذي ظل يحدّق للأسفل وقتاً طويلاً
لا أرى سبباً للأحزان التي يصنعها البشر.

أكره الشجار، والغبار الذي تخلفه القنابل التي تنفجر
كثيراً؛ إنه يحجب قدرتي على الرؤية.
إن الأرض التي يغمرها الأسى والشعور بالحزن
ستبدو مختلفة بعد ذلك.
لمعان مختلف من صحراء بسيطة،
هؤلاء الأطفال الذين يقولون اسمي
مثل صلاة.

أحياناً أكون أكبر
من طبق ذهبي،
ومن عملة عملاقة،
الجميع يشهق.

ربما من الخطأ
أن أكون هادئة لهذه الدرجة.

* شاعرة وكاتبة فلسطينية (1952)، ولدت في سانت لويس، ميزوري لأب فلسطيني وأم أميركية. أصدرت 12 كتاباً شعريّاً. ألفت كتباً شعرية وروائية للأطفال.

2- رفيف زيادة: نحن الفلسطينيون نعلّمكم الحياة
اليوم كان جسدي مجزرة علنية على التلفاز
اليوم كان جسدي مجزرة علنية على التلفاز
لكنه كان يجب أن يناسب تقطيعات الصوت ومحدودية كلمات التقرير

اليوم كان جسدي مجزرة علنية على التلفاز
لكنه كان يجب أن يناسب تقطيعات الصوت ومحدودية كلمات التقرير
وكان ينبغي أن يحشى بشكل كافٍ بالإحصاءات للردّ على الردود المعدّة سابقاً
فحسّنت لغتي الإنكليزية
وتعلمت قرارات الأمم المتحدة ولكنه سألني رغم ذلك أسئلة أخرى
ألا تعتقدون أنّ كل شيء سيُحلّ إذا توقّفتم
عن تعليم الكراهية لأطفالكم

توقفت
نظرت إلى داخلي لأستمد القوة
والصبر
غير أنّ الصبر ليس على طرف لساني
كما هي القنابل فوق غزة
هرب الصبر مني
توقفت
ضحكت
نحن نعلم الحياة سيدي
رفيف، تذكري أن تضحكي
توقفت
نحن نعلّم الحياة سيدي
نحن الفلسطينيون نعلم الحياة بعدما احتلّوا آخر سماء
نحن الفلسطينيون نعلّم الحياة بعدما بنوا مستوطناتهم وجدارهم الفاصل بعد آخر السماوات
نحن الفلسطينيون نعلّم الحياة
غير أنّ جسدي يُعرض اليوم كمجزرة علنية على التلفاز
لكنه كان يجب أن يناسب تقطيعات الصوت ومحدودية كلمات التقرير
أعطونا قصة فقط
قصة إنسانية
لا سياسية
نحن نريد أن نخبر الناس عنكم وعن شعبكم
لهذا، أعطونا قصة إنسانية
لا تذكروا كلمات مثل فصل عنصري
احتلال... هذه ليست قصة سياسية
ساعدوني كصحافي لأساعدكم كي تحكوا
قصتكم التي ليست قصة سياسية
اليوم تمّ عرض جسدي يُعرض كمجزرة علنية على التلفاز
ما رأيك أن تعطينا قصة امرأة في غزة تحتاج إلى الدواء
ما رأيكم أنتم، هل لديكم عدد كاف من الأطراف المكسورة والمبتورة
لتسدّ عين الشمس
أعطوني موتاكم وأعطوني قائمة
أسماء لا تتجاوز 1200 كلمة
اليوم تم عرض جسدي يُعرض كمجزرة علنية على التلفاز
لكنه كان يجب أن يناسب تقطيعات الصوت ومحدودية كلمات التقرير
واحذفوا من لا يتعاطف مع الدم الإرهابي
غير أنهم شعروا بالأسف
شعروا بالأسف للهجوم على غزة
ومن أجل ذلك أعطيتهم قرارات الأمم المتحدة والإحصاءات
وقمنا بالإدانة والشجب ورفضنا
وهذا ليس طرفين متساويين... هناك محتَل ومن يحتل
مئة قتيل.. مئتا قتيل... وألف قتيل
وبين جريمة الحرب والمجزرة
تنفست الكلمات وابتسمت
ابتسامتي ليست غريبة... ليست إرهابية
أعدت العدّ
اعدت العد
مئة قتيل.. مئتا قتيل... وألف قتيل
هل هناك أحد... هل سيستمع أي أحد

تمنيت أن أنتحب فوق جثثهم
تمنيت أن أركض حافية في كل المخيمات
وأمنع أن يصل صوت القاتل إلى آذان الصغار
كي لا يسمعوا صوت القصف حتى نهاية حياتهم
كما أفعل

اليوم تم عرض جسدي يُعرض كمجزرة علنية على التلفاز
اسمحوا لي أن أقول لكم
أن الأمم المتحدة وقراراتها لم تصنع شيئاً

ليس هناك من مقاطع صوتية
على الإطلاق
يمكنني أن أقولها
مهما كانت جودة لغتي الإنكليزية
ليس هناك من مقاطع صوتية
على الإطلاق
على الإطلاق
على الإطلاق
يمكن أن تعيدهم إلى الحياة

ليس هناك من مقاطع صوتية
على الإطلاق
على الإطلاق
على الإطلاق
يمكنه أن يصلح هذا
نحن نعلّم الحياة سيدي
نحن نعلّم الحياة سيدي
نحن الفلسطينيون
نستيقظ كل يوم صباحاً
لنعلّم الفلسطينيين الحياة
سيدي.

* شاعرة فلسطينية (1979) ولدت في بيروت لأبوين لاجئين. شاعرة وناشطة حقوقية فلسطينية-كندية، عاشت في تونس وتُقيم اليوم في لندن. عضو مؤسس في الائتلاف المناهض للتمييز العنصري الإسرائيلي (CAIA)، إضافة إلى كونها من المنظّمين لأسبوع الأبارتايد الإسرائيلي العالمي في جامعة تورونتو.

3- سهير حماد: كما أشاء
أنا لن أرقص على طبول حربك
لن أحني ظهري أو روحي لطبول حربك
لن أرقص على إيقاعك لأنني أعلم هذا الإيقاع الميت
أشعر بتلك الجلود التي تقصفها
قد كانت حية، أُغنيات وسُرِقَت
أنا لن أغني... ولن أتمايل لأجلك
ولا سأكره لأجلك أو حتى أكرهك
أنا لن أقتل لأجلك والأهم لن أموت لأجلك
أنا لن أندب الضحايا
أو أرقص على إيقاع القنابل كما الجميع
فالجميع قد يكونون مُخطئين
الحياة موقف وحق، وليست محض صدفة
أنا لن أنسى أصولي
وسأصنع طبلتي الخاصة وأضمُ أحبابي
ترنيمنا سـيُصبح رقصة، همسنا سيُصبح إيقاعاً
لن أسمح لك بالتلاعب بي ولن أعطيك اسمي أو تساهلي مع قصفك
سأرقص وأناضل
وأرقص وأثابر
دقات قلبي أكثر صخباً من الموت
وطبول حربك لن تدوّي فوق صوت أنفاسي
(ترجمة آدم فتحي)

* شاعرة وكاتبة وناشطة سياسية أميركية فلسطينية (1973)، وُلدت في عمان في الأردن، وهاجرت عائلتها إلى الولايات المتحدة واستقرت في بروكلين وهي في الخامسة من عمرها. نشرت سبع مجموعات شعرية.

4- نتالي حنظل: مدينة غزة
أجلس في حجرةٍ رماديّة فوق سرير بغطاءٍ رماديّ
وأنتظر المؤذّن ليقف،
التراتيل تدخل نافذتي وأروح أفكّرُ في كلّ
أولئك الرجال والنساء الذين ينحنون في صلاتهم، ويفرُّ الخوف
منهم عند كل ضربة، ويدلف حزنٌ جديد
إلى أرواحهم بينما يصطف أطفالهم في الشوارع
كالمساجين في معسكرات الموت
أمشي نحو النافذة المكسورة
ورأسي تميل قليلاً، أحاول أن ألقي نظرةً خاطفة
على مدينةِ الأشباح – أولئك القتلى
الذين يمرون عبر الفتحات الضيقة لقبورهم.
يداي وجانب وجهي الأيمن
قبالة الجدار، وأنا أختبئ مثل عاهرة، يتملّكني إحساس بالعار.
أشدّ ياقةَ ردائي الأزرق الخفيف بقوة
فيتمزّق، ويتدلّى أحد جانبيه كما تتدلّى حياةُ كل فردٍ هنا.
تنغرز أظافري عميقاً في لحمي
أجرح نفسي، ثلاثةُ خطوط تثلم صدري،
ثلاث ديانات تقرع في رأسي وأتساءل
في ما إذا كان الإله قد دُفن تحت الأنقاض. كل بيتٍ هو سجن
كل غرفةٍ هي قفصُ كلب. الدبكةُ لم تعد جزءاً من الحياة،
الجنازات فقط. غزة حُبلى
بالناس ولا أحد يساعد كي تلد.
لا شوارع، لا مستشفيات، لا مدارس،
لا مطار، لا هواء للتنفس.
وأنا هنا في غرفةٍ وراء نافذة،
عاجزةٌ عديمةُ الفائدة.
في أميركا، عادةً ما أكون أشاهد التلفاز
أسمع CNN تقول إنّ الإسرائيليين يطالبون
بضرورة وقف الإرهاب. هنا كل ما أرى إرهاب منتشر،
أطفالٌ ما عادوا يعرفون أنهم أطفال
ميلوسوفيتش يخضع للمحاكمة، فماذا عن شارون؟
أخيراً أرتدي ملابسي، أقف أمام النافذة مباشرة
وأختنق ببصاقي حين ينطلق الرصاص،
وتمر طائرات ف 16 النفّاثة المقاتلة في طلعاتها الروتينية اليومية.
* شاعرة أميركية فرنسية من أصل فلسطيني (1969) من مدينة بيت لحم. صدر لها باللغة الإنكليزية خمسة دواوين شعريّة.

5- سمر عبد الجابر: رسائل
يدسّ الموتى
رسائلَ صغيرةً
في جيوب أرواحنا
بعد رحيلهم
يتركون لنا إشاراتٍ
كأنّهم يقولون
إنّهم ما زالوا هنا

فتصير عيوننا
أكثر تحديقاً
وآذاننا أكثر إصغاءً
وأبواب أرواحنا مشرعةً
لاستقبال أصغر الذبذبات
* شاعرة فلسطينيّة (1985). ولدت لعائلة مهجّرة من حيفا، تعيش الآن في دبي، وُلِدَت في الكويت. صدر لها أربعة دواوين.

6- كوليت أبو حسين: مقابر جماعية
قلبي مقبرة جماعية أيها الأحبة
وعلاقاتي بكم محض جرائم...
أراقب المطر من شبّاك صغير يطلّ على اللاشيء، واللاأحد.
المطر شياطين صغيرة،
المطر شياطين صغيرة تنكش أمراضي العصية على حبوب البروزاك والزانكس...
أعيد ترتيب عُقدي السوداء.
أفكّر كيف سيكون العالم مريحاً لي لو ماتت كل الأمّهات، أمهات الآخرين، لنصبح جميعنا أيتاماً ومكلومين
كيف سيبدو العالم ساحة بيضاء ونظيفة لو أني خطفت كل الأطفال حديثي الولادة، وحبستهم في غابة،
يصير الجميع عاقراً وبلا أولاد...
سيكون المنظر جميلاً وأنا أضع كل الأصدقاء في قفص حديدي، وأرقبهم بفرح وهم يأكلون بعضهم
ثم أدفن الأحبة في مقابر جماعية
وأنام...
أتلحّف عُقدي والأسود وأنام مثل ساحرة عجوز
وأنا لم أحسم بعد؛ إن كنت سأحزّ ساعدي أو أن أنتحر بجرعة زائدة من أي حبوب مهدّئة منتهية
الصلاحية لم آخذها منذ سنة.
* شاعرة فلسطينية (1980- 2018)، ولدت في الكويت لأبوين فلسطينيين، وانتقلت الأسرة إلى الأردن، حيث نشأت بين مدينتَي الزرقاء وعمّان. لم تنشر أي مجموعة شعرية لها واكتفت بالنشر في مواقع إلكترونية وصحف.

7- جمانة مصطفى: اسمي الثلاثي
اسمي الثلاثي وُلد في الحقل
في بلادي القديمة
جدّي وُلد في حقل التّبغ
كانت النساءُ بأذرع سوداء
وأكتاف بيضاء كاللّفت
هكذا تقول جدّتي
هكذا تُقال الحكاية
الشّمس التهمت جلودنا يا جدّتي
والتهم الرجال شبابنا
ثم جاؤوا لنا بأولاد نَهمين
لا يفطمهم إلا تدلّي النّهد وجفاف القلب
كنا نلدُ في الحقول
كنا نخصّب التراب بدم النّفاس
كنا ندفن الحبل السرّيّ
فيربطهم بها
صرنا نلد في المشافي
وظلّت الأرض تطلب دماً
أكلت آباءنا
وأزواجنا
وأبناءنا
ولم تشبع
نحن من دلّ الأرض على طعم الدم يا جدّتي
نحن المذنبات
قُطع الحبل الذي دفنّاه
والدم صار ماءً
هكذا تقول جدّتي
هكذا تُقال الحكاية
كان ابناً صموتاً، تقول
كان أبي صموتاً، صحيح
كان بكريّ
لكنه كان صغيراً
ارتدى قميصه الأزرق
قبّل يديّ ويد جدّه المشلولة
وخرج من الباب إلى الكويت
في موسم الحرث
جاءت رسالته الأولى
خبّأتُ العشرين ديناراً
وبكيت فوق الطلاسم
في موسم الرّي جاءت الثانية
في موسم القطف جاءت الثالثة
كنا نلدهم ونبعدهم صغاراً
قبل أن تشتيهم الأرض
استبدلنا صغارنا بعشرينات
واستبدلنا أحفادنا بصورٍ ملوّنة
كان زمناً قاسياً
هكذا تقال الحكاية
مات جدي حيث وُلد
ومات أبي حيث ولدنا
صار اسمي حيّاً يجرّ أمواتاً
وظلّت جدّتي تقول
نحن من دلّ الأرض على طعم الدم
نحن المذنبات
ولدناهم في حقلٍ صغير
وماتوا في البلاد كلّها.
* شاعرة فلسطينية (1977)، ولدت في الكويت لفلسطينيين مهاجرين، تقطن في عمّان، أصدرت خمس مجموعات شعرية.

8- أسماء عزايزة: أخبار عاجلة
ماتت شاشة التلفزيون يا أصدقائي
الأخبار العاجلة التي تركتموها وراءكم
كانت عاجلةً لدرجة أنها دخلت غرفتي دون أن تطرق الباب
وأنا، بطبعي، لا أحبّ هذا النوع من الضيوف

أصبحت، منذها، مصّاصة دماءٍ، أسحب الدم من وريدها، أكفّنها بلفافة تبغ عند الغداء قبل أن تتعشّى على لحم فكرتي الساذجة عن البشر

حين كان جلادو الكوليسيوم مجرّد فكرة سينمائية
مشعلو أفران النازيّة مجرّد سطر محشوّ في فصل تاريخ سأمتحن فيه
ضحايا الهراكيري مجرّد فانتازيا في مخيّلة روائيي اليابان المعاصرين
في الفواصل الإعلانيّة، كنت أفلق حنجرة المذيع قبل أن يفلق ضحكتي إلى نصفين. أنصاف الضحكات تشبه البكاء. وأنا قررت ألا أبكي بعدما فلق الحبّ قلبي ولعنت الأخبار ديني.

الأخبار العاجلة لا دين لها
وأنا أتبع دين الموسيقى
صوت دييجو سيغالا يذكرني بمآتم لم أشارك فيها
الموسيقى الفارسيّة، دون مجازٍ، تعلّمني حرفة التنويح
فيروز تكفّن جثثاً مجهولة وهي تغني «راحوا متل الحلم راحوا»
وأنا، بعدما كسرتْ الأصفار في أعداد القتلى أقفال مخيّلتي بالأزاميل، رحت معهم. أحمّض ملايين الصور في عتمة قلبي المفلوق. تطير فيه فراشات خواصرهم حين يقعون في الحبّ،
يفيض ماؤه المالح حين يشتاقون لأمّهاتهم، يصبح بصلة محروقة حين يشتاقون لموائدهنّ.

هكذا صنعت أخباراً كافية للموت. تحوّلت أحلامي إلى وكالة أنباء وصباحاتي المرفّهة إلى صحافيين مسعورين يشمّون رائحة الجراح من تحت الأبواب ويسمعون الأنين الخافت من مسامات جلودهم.
الأخبار تصير خبراً واحداً
القتل والتعذيب والغرق، كلّهم أطفالٌ من جينٍ لرجلٍ واحد.

يا أصدقائي المنفيين
لم يعلّمني أحد صناعة أخبار الحياة
أخباركم، على مهل تجيء، وتطرق الباب كضيف خفيف الظلّ
فيما أنا، سأخال طرقتكم نقر يمام على الشباك، وأظلّ مرقدةً في سريري، أستمع إلى أغاني سيغالا وفيروز في وقتٍ واحد، أتخيّلهما على مسرح واحد، في كفنٍ واحد.

الذكريات الوهميّة التي ألّفتها عن حياتكم السابقة تشبه كذب القصائد الصادقة. أجيئها مثل ممثل يموت في المسرحيّة فيلحقه الجمهور إلى المقبرة، مثل كاتب سيناريو عجوز ينام في فراش أبطاله ويعدّ لهم الفطور، مثل زهر الأغنية الذي يقصف أجنحته. مثل الأصوات التي غنّت ثم سكتت، مثل قصائدكم المستذئبة.
قصائدكم، تكسر الأبواب كالأخبار العاجلة.
لفظ أسماء العواصم الأوروبيّة تخبئكم في أقبيتها، حيث الصيف القائظ وراءكم، تعاويذ الأمهات من أعين الإنس وأنفس الجن وراءكم، وأمامكم جمهور الكوليسيوم يناديكم.

أعوذ بقصائدكم من شر ما ذرأ في الأرض، ومن شر طوارق الليل والنهار.
لكنّ التعاويذ تحت القصف، والطوارق يفتحون الأقبية ويجرون ذكرياتكم إلى قلب الأرينا.

يا أصدقائي المنفيين
حين تبدأ اللعبة، زودونا بالأخبار العاجلة.
* أسماء عزايزة (1985) شاعرة وكاتبة ومديرة مشاركة لـ «مشروع شحرور لأدب الأطفال». من مواليد قرية دبورية في شمال فلسطين المحتلة عام 1948 تقيم في حيفا. صدرت لها أربع مجموعات شعريّة.

9- نداء يونس: ملجأ
بالأشواك أحمي جسدي،
بالأشواك أُعاقبه.
أنا الكأْسُ الأخيرة في يد الثّمل،
‏الكأسُ ‏التي ‏لا يدفعُ أحدٌ ثمنها.
‏سلحفاة الوقت في هيكلها، ‏‏
لا أسمي لحظتي انتظاراً ‏أو غياباً، ‏
بل ملجأ تحفرُهُ ‏لذاتها؛
‏هذه الرغبة.
‏أُريدُ أن أكون التفاحة والسهمَ،
‏وهذا التداخل يحدُث.
* شاعرة فلسطينية من طولكرم (1977)، صدرت لها سبعة دواوين شعرية.

10- آمنة أبو صفط: لا أريد من سفري أيّ وصول
جرّدني الخواء
من رغبةٍ آسفةٍ بالضحك
من قدرةٍ شرهةٍ على الحبّ
من دافعٍ عَطِشٍ للعطاء.

كلّ شيءٍ حولي يحمل وجهةً واحدة
الأغنيات ترتدّ مخاوفَ
والتحايا أمنيات
الألوان حزمةٌ بيضاء
والمشاعر على كثرتها، حزنٌ ينمو في الأعماق
ألمسه جليّاً في كلّ ما أرى.

أمرّ قرب النبع فأجد بالتدفّق
حاجةً عتيقةً للبكاء
وفي وجوه أطفالٍ يضحكون
لا أرى سوى الدمعة المنسابة
* شاعرة من نابلس

11- جدل القاسم: إشارة
أنا أحبك
وكل ما يحدث في الكون
يشير إلى حبك!
الغابات التي تحترق
القطن الأبيض في دفتر الزرقة
الحيتان التي لا تبتلع إلا الأنبياء
وأسماك القرش
تشير إلى حبكَ
الحروب
القتلى والجرحى
وأصوات الحرية في السجون
الأناشيد الوطنية
هوية الغرباء
السكارى كالقمح المتهادل مع الريح
كروم العنب المختمرة في جرار الزمن
تفاصيل عادية
تفاصيل مرئية
تشير إلى حبك
قصص الأصدقاء
احتفالات الميلاد
النور المتصاعد من شهوات العشاق
الأمل في وجع الخيبة
الندى على أوراق الشجر الوهميّ
بجوار النهر المتخيّل
كل هذه الأحلام التي تمضي بغير رجعة
أصابعي العشرة
ممالك النمل
مخازن العسل
حصة الرياضيات والأعداد
الهندسة
البنات... المراهقات
السنون التي تمضي دون وشم على جدار
الجينات التي ضاعت سدى
الشعر والكلمات
دروس الموسيقى
الطعام اللذيذ
كلها تشير إلى حبك
وأنا وحدي
في هذا الكون
أشير إليك!
أستلذ بك
لكي أحافظ على وجودي
إنك حقي في الحياة!
* باحثة وشاعرة فلسطينيّة سوريّة، وُلدت في العاصمة البلغاريّة صوفيا عام 1983، من أم سورية وأب فلسطيني، وتقيم حالياً في رام الله.

12- رزان بنورة: سيناريو
منذ أن دخل بيتنا سارق
وأنا أستيقظ منتصف كلّ ليلة
أصغي لأصوات الخوف
ولا أبرح مكاني
أحدق في الظلام
وأنسج من الخيال ما يكفي
لكتابة سيناريو مرعب
أكون إحدى بطلاته
وأنتظر أصوات الصباح لتعلو
على أصوات خوفي
ولا أنام
أمس،
دبّت روح الرجال في داخلي،
قمت أتفقّد الأرجاء مسرعة،
بهلعٍ وصراخ
أمسكت به
يعود إلى داخل الصورة
الله والأصوات الوهميّة
سرقوا أبي ثمّ عقلي.
* شاعرة فلسطينيّة من بيت لحم، نشرت عدداً من القصائد والقصص في صحف ومجلّات عربيّة ومحلّيّة. لها مجموعة شعرية واحدة.

13- هلا الشروف: أفكر الآن بالآن
لم أجدهُ بعد
ذلك الحب العظيم الذي من طبيعةٍ خيّرة،
لكنني أرى تجلّيه فيَّ
في الهواء، والأشياء، وصاحبات المكان.
أرى ترجماته الشاعريّة
حينما الليل ماءٌ في هواء يسيل
حينما البريق يسقطُ في بركة الماء مستسلماً للخفوت
وحينما الماء رقراقٌ في المنحدرات إلى مرج ابن عامر
وحينما التينة بيتٌ للحشرات وحارسةٌ للرطوبة.

لم أجده بعد،
ذلك الحب الذي من إقامة
ولكنني أرى رسائلهُ في الطريق إلى أي شيء:
أسراب نملٍ، حواكير متروكة للبديهة،
وأخرى سيشغلها صبّارها عن شعلة الصيف،
بيوت من الضوء الداخلي
وضوء إلى الداخل الجبليّ المُستباحِ من الكائنات
ضوء في الحجارة
ضوء في شجرة المجنونة
وفي الدرج الحجري إلى باطن الهواء،
حدائق لم أزرها
ولكنني أعرف أشجارها جيداً، وترتيبها في الشارع الفرعي إلى بيت أمي
والكثير الكثير من الغيم في الأفق
والقليل القليل من الأسى في الطرق.
* شاعرة فلسطينية (1978) من مواليد ليبيا تنقّلت بين سوريا ولبنان والأردن، وعادت إلى فلسطين عام 1995. صدر لها ديوانان.

14- داليا طه: مَقَاطِعُ
حين ولد ابني
سميته ابن
القارب
كان يشبه البحر
أزرق
ويخرج من فمه
زبد أبيض
حين ألقيناه في
البحر
ظلّ يطفو وراء قاربنا لخمسة
أيام
في الليل كان يبدو
كخوذة جندي
■ ■ ■
منذ نزعوا الشاش
عن وجهي
وأعادوني إلى البيت
كل يوم تأخذني
أمي
إلى المستشفى
وتسألهم
متى
عليها أن تنزع الشاش
الأسود عن
وجهي
■ ■ ■
أخبرتني أمي
بأنها رأتني حين وضعت
حجرين
مكان عيني أخي
أخبرتني بأنها لم تغضب مني
وأن أخي
يتفرج علينا كل يوم
من السماء
بعينين
حجريتين
* شاعرة وكاتبة مسرحية فلسطينية (1986)، ولدت في برلين، ونشأت في رام الله، صدر لها ديوانا شعر وأربع مسرحيات.

15- مايا أبو الحيات: فيما بعد
ماذا نفعل بالأسرار التي لم تنفضح
حين كانت أسراراً
بالجثث المتراكمة في قلوبنا
قبل أن تتعفّن بالكامل
بفيض السعادة في ابتسامات
لم تعكسها مرآة
بحبك الذي يأتي دائماً
بعد أن ينتهي الحب
بالصلح...
بعد موت المتخاصمين
بالإخلاص..
بعد توفر الأسباب
ماذا نفعل بالطرقات
بعد اختفاء الوجهة
بالأيدي
بعد اكتشاف الشفتين
ماذا نفعل... بكل ما يحدث الآن

* روائية، وشاعرة ومترجمة فلسطينية من مواليد بيروت (1980)، وتسكن في القدس. صدر لها ثلاث روايات وثلاث مجموعات شعرية.