تنتمي بثينة بن حسين (1960) إلى المدرسة التونسية في استقراء تاريخ الإسلام بمنهجية علمية حديثة تضمّ أسماء مرموقة من أجيال عديدة مثل محمد الطالبي، وهشام جعيط، وعبد الحميد الفهري، والراضي دغفوس، ومحمد حسن، وحياة قطاط، وحياة عمامو، ولطيفة البكّاي، وسلوى بالحاج صالح وغيرهم. كوكبة تستكمل في جهدها المعرفي ما قام به المؤرّخون العراقيون منذ الخمسينيات إلى الثمانينيات من القرن الماضي في الحفر في التاريخ الإسلامي (ولا سيما العباسي)، وتنعتق من ربقة المنهجية الاستشراقية التي طبعت مطالع القرن العشرين. كتابها الجديد «ثورة التوّابين» (منشورات الجمل) يرصد حركة التوابين، وهي حركة استشهادية بالكامل نشأت في الكوفة بعد مقتل الحسين بن علي للقصاص من قتلته والتطهر من ذنب خذلانه وعدم نصرته في كربلاء. هنا مراجعة للكتاب مع مقابلة مع صاحبة «الفتنة الثانية في عهد الخليفة يزيد بن معاوية»
تستكمل الكاتبة والباحثة التونسية بثينة بن حسين حفرياتها المعرفية في التراث العربي والإسلامي في كتابها الجديد «ثورة التوّابين» الصادر أخيراً عن «منشورات الجمل». الأستاذة المحاضرة في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في سوسة والعضو في مخبر «إشغال الأرض والتعمير وأنماط العيش في المغرب العربي والوسيط» بدأ شغفها بالتاريخ الإسلامي، ولا سيما الأمويّ منذ مناقشتها لأطروحة الدكتوراه في التاريخ الشرقي الوسيط عام 1997 تحت إشراف المفكر الراحل هشام جعيط تحت عنوان «الدولة الأموية ومقوماتها من عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان إلى آخر عهد الخليفة هشام بن عبد الملك 41-125 ه/ 660 ـ 743 م».

ستستمرّ بن حسين في التركيز على الجانب المدني في الحكم الأموي الذي يشاطرها الإعجاب به المفكر العراقي الراحل هادي العلوي

شغف شرحت دوافعه في مقدمة الكتاب: «وقد استهواني هذا المبحث لتأثير المذهب الشيعي في تاريخ بلادنا تونس حيث تأسست أول دولة شيعية في تاريخ الإسلام بمساهمة فعّالة من البربر (قبيلة كتامة). كما أن الصراع الشيعي-السنّي الحالي وخصوصاً في الشرق الأوسط يجعل موضوع البدايات وتأسيس الحركة الشيعية ضرورياً لنفهم واقعنا بعيداً من كل الخطابات الأيديولوجية».
اللبنَة الثانية في البناء المعرفي عند بن حسين تمثّلت في كتابها الثاني المرجعي «الفتنة الثانية في عهد الخليفة يزيد بن معاوية» (منشورات الجمل ــ 2013) الذي تناول بالبحث فترة الخليفة الأموي «المغضوب عليه» يزيد بن معاوية، فوجّهت بن حسين جهودها إلى بداية البيعة لهذا الخليفة المرتبطة بشكل مباشر بشرعية هذه الخلافة التي حوّلها أبوه معاوية من نمط الخلافة الراشدة إلى حكم «دنيوي» أورثه إيّاه بعد مماته، فقامت ثورة الحسين بن علي وجرى ما جرى في كربلاء من مصائب وأهوال على البيت النبوي ومن بعد موته ثورة عبد الله بن الزبير التي قمعت هي الأخرى بالحديد والنار، وبينهما ثورة الحرّة في المدينة التي ضربها القائد الأموي الحصين بن النمير بالمنجنيق وأباحها لجيشه بعد محق ثورتها، في مقاربة منهجية تعتمد على تحليل وتوثيق تلك الأحداث من مصادرها القديمة من أمثال تاريخ الطبري، وأنساب الأشراف للبلاذري، والطبقات الكبرى لابن سعد و«معجم البلدان» لياقوت الحموي وغيرها.
تنتمي بن حسين إلى المدرسة التونسية في استقراء تاريخ الإسلام بمنهجية علمية حديثة، مدرسة تضم بين ظهرانيها أسماء مرموقة من أجيال عديدة مثل محمد الطالبي، وهشام جعيط، وعبد الحميد الفهري، والراضي دغفوس، ومحمد حسن، وحياة قطاط، وحياة عمامو، ولطيفة البكّاي، وسلوى بالحاج صالح وغيرهم. كوكبة تستكمل في جهدها المعرفي ما قام به المؤرّخون العراقيون منذ الخمسينيات إلى الثمانينيات من القرن الماضي في الحفر في التاريخ الإسلامي (ولا سيما العباسي)، وتنعتق من ربقة المنهجية الاستشراقية التي طبعت مطالع القرن العشرين، إذ كما يقول جعيط: «كان علم التاريخ في خصوص المجال الإسلامي إلى زمن قريب حكراً على المستشرقين، لسبب بسيط هو أنّ العلم بصفته الأعمّ فتح من فتوحات العالم الغربي ابتداءً من القرن السابع عشر، العلم بمعنييه: استكشاف الطبيعة واستكشاف التاريخ الإنساني». أحد وجوه الجهد المميز لبن حسين هو دراستها المعمّقة للدولة الأموية كمؤسسات أيديولوجية واجتماعية وديناميتها الخاصة المتعلّقة بآليات الدولة وردود فعلها تجاه الحركات المناهضة لسلطتها ودولتها، وهي دراسة لا تخلو من الحذر: «إن دراسة الفتنة الثانية أساسية لنحسّن فهمنا لهذه الفترة. فكيف يمكن للمؤرخ فينا أن يقوم بعمله بكل موضوعية علمية من دون تحمّس أو تعصّب أو انغلاق»، لتضع بين أيدينا أول المفاتيح لهذه الدراسة: تفكيك شيفرة الخطاب والممارسات الترميزية في قلب هذا التاريخ: «نحن نبحث في جو مفعم بالرمزية التي طبعت المخيال الإسلامي لقرون عدّة. فكيف يمكن تفكيك تلك الرمزية واستنطاقها لتدلي لنا بما وراءها وما يحرّكها؟ ففهم هذه الرمزية يمكّننا من فهم ذاتنا وهويّتنا».


وبذلك يبدو الكتاب الجديد «ثورة التوّابين» كأنه الجزء الثاني والضروري لفهم تبعات الفتنة الثانية بعد موت الخليفة يزيد بن معاوية وتولّي مروان بن الحكم الخلافة أي انتقال السلطة من الفرع السفياني إلى الفرع المرواني. فترة تطوّرت فيها أيضاً حركة عبد الله بن الزبير الذي بسط نفوذه على العراق وكامل المجال الشامي، ما عدا الأردن. تشرح بن حسين تعدد الشرعيات السياسية-الدينية في تلك الفترة المضطربة، وخطاب كل شرعية ومسوّغاتها المقنّعة بالفقه أو الأيديولوجيا أو الولاءات القبلية العصبية (القيسية واليمنية) أو السابقة للإسلام وصلات القرابة والنسب مع الصحابة وأهل البيت النبوي. إلا أنّ جهود بن حسين تنصبّ على حركة التوابين، وهي حركة استشهادية بالكامل نشأت في الكوفة بعد مقتل الحسين بن علي للقصاص من قتلته والتطهّر من الذنب العظيم في خذلانه وعدم نصرته في كربلاء. الحركة التي أبادها الأمويّون في معركة عين الوردة (رأس العين اليوم، 65 ه) كانت أولى الهزات الارتدادية لواقعة الطفّ وستستتبع هي الأخرى بثورات ستضرب بقوة مداميك الدولة الأموية مثل ثورة المختار بن عبيد الثقفي (66-67 ه) وثورة زيد بن علي (122 ه) وثورة عبد الله بن معاوية (127 ه)، كما تنبع أهمّيتها من قلب ذلك النظام الرمزي للجماعة وقدرتها على اختراع الرموز الهوياتية التي تميزها عن الجماعات الأخرى.
نساء همدان حفظن ذاكرة الحسين بن عليّ وجيّشن العاطفة الشّيعيّة والقصاص للحسين بن عليّ (بثينة بن حسين)

رمزية تساعدنا بن حسين في تفكيكها: «كان قُوّاد هذه الحركة الشيعية في حاجة إلى التعهّد فوق قبر الحسين بمضيّهم قُدماً نحو ساحة القتال، وقد تكاثرت بذلك الأشكال الرمزية المرتبطة بالحسين بن علي ومقتله ظلماً. وكان التوّابون من السبّاقين إلى خلق رمزية شيعية جديدة، هي رمزية المكان أو المشهد. فقبر الحسين اكتسب بفضلهم أهمية رمزية لدى الشيعة حيث أصبح مزاراً لهم منذ ذلك التاريخ. إضافة إلى الصلاة والدعاء، كان يسود هذا المزار البكاء كعنصر تعبيري أساسي سيرتبط بكربلاء، ويصبح في ما بعد من الطقوس الأساسية للشيعة وهو يعبّر عن توبتهم وإقرارهم بذنبهم تجاه الحسين. كما أنّ القبر/ المزار أصبحت لديه قدسية جديدة مرتبطة بالشيعة مثلما ارتبط الحجر الأسود بطقوس الحج إلى البيت. الحركة التي بدت في مصيرها الجماعي الحزين أشبه بتراجيديا إغريقية (ولو أنها كانت حركة جماعية) وتبدّت دينية طهرانية بحتة تميّزت بطابعين اثنين في غاية الأهمية: أولهما أنها في جوهرها حركة عربية قح، والثاني أنها صارت قوة دافعة للمذهب الشيعي كمذهب مستقل لديه توجّه مستقل عن بقية المذاهب: «وضع التوّابون حجر الأساس للطقوس المرتبطة بمقتل الحسين بن علي، وهي رمزية مكان الاستشهاد (كربلاء) وزمانه (عاشوراء)، إضافة إلى تقاليد اللطم والبكاء والموكب الحسيني التي نشأت في القرن العاشر في الفترة البويهية. نتبيّن أهمية مرحلة كربلاء في مسار التوابين، فقد كان التوقف بها عبارة عن ولادة تاريخ جديد للشيعة. فقد نشأت كربلاء على يد التوابين كمحطّة للذاكرة الشيعية، ستتطور عبر التاريخ. في مشاريعها القادمة، ستواصل بن حسين التركيز على الجانب المدني في الحكم الأموي وجهوده في بناء الدولة، وهو جانب يشاطرها الإعجاب به كثيرون، ولا سيما المفكر العراقي الراحل هادي العلوي، إذ تقول بن حسين في مقال سابق (ملحق «كلمات»، 24/2/2024): «أدخل الخليفة نفسه الحكم الأسروي متأثّراً بالتقاليد السياسيّة البيزنطيّة، فحافظ الخلفاء المروانيّون على هذه التقاليد الأسرويّة وحصر الخليفة عبد الملك بن مروان الحكم بأبنائه. وكان الهدف الأساسي للخلفاء الأمويين هو تطوير مؤسّسات الدولة التي أصبحت دولة إمبراطوريّة. فقام الخلفاء الأمويّون وولاتهم، خاصّة ولاة العراق، بمجهود ضخم في بناء الدولة كإنشاء الدواوين كديوان البريد والرّسائل والطّراز وضرب العملة وتعريبها وتركيز التّنظيمات الإداريّة والعسكريّة وخصوصاً في الأمصار في العراق وخراسان».



الباحثة التونسية تواصل الحفر في الذاكرة الأمويّة والفتنة الثانية

كيف راودتك فكرة إنجاز هذا الكتاب، وأين يقع هذا المؤلّف في مشروعك لنقد وتشريح آليات السياسات والسلطة، ولا سيما في الحقبة الأموية؟
ــــ كان هذا الكتاب مرحلة أساسيّة بعد الفتنة الثانية. فقد قتل الحسين بن عليّ من قبل الأموييّن لأنّه خُذل من أصحاب أبيه عليّ بن أبي طالب أي فئة التوّابين من أمثال سليمان بن صرد. لكن بعد مقتل الحسين والفراغ السياسي الذي انجرّ عن الفتنة بعد موت الخليفة يزيد بن معاوية، انهار النظام السياسي والاجتماعي الأموي في الكوفة (معقل شيعة عليّ ثمّ شيعة الحسين). يتمثّل هذا النظام في سيطرة الأشراف على عشائرهم وتأطيرها لفائدة الدولة الأمويّة. فكان هذا النظام.

من هم التوابون باختصار؟
ــــ هم صحابة عليّ بن أبي طالب منذ بدايات تواجده في الكوفة. ومثّلوا نواة التشيّع له في فترة الخليفة معاوية بن أبي سفيان. وعندما تولّى يزيد بن معاوية الخلافة، بعثوا الرسائل للحسين بن علي طالبين منه أن يلتحق بالكوفة ويتولّى الخلافة. لكنّهم خذلوا ابن عمّه ورسوله لهم مسلم بن عقيل، ثمّ تنكّروا له وتركوه يُقتل في كربلاء على يد الأمويّين. وبعد وفاة الخليفة يزيد بن معاوية، أحسّوا بالذنب الأعظم وهبّوا للقصاص. لكنّهم لم يوجّهوا غضبهم إلى أشراف الكوفة المتورّطين في مقتل الحسين بن عليّ، بل حمّلوا الأموييّن، وخصوصاً عبيد اللّه بن زياد (والي العراق في عهد الخليفة يزيد بن معاوية) مسؤوليّة قتل الحسين بن عليّ.

وهل كانت ثورتهم حركة استشهاديّة خالصة من دون أي أفق سياسي؟
- لم يكن لحركة التوّابين برنامج سياسي واضح واستراتيجيّة حربيّة وقاعدة عريضة من المناصرين، بل كانوا فئة من الشيوخ المتطلّعين للشهادة وتطهير أنفسهم من الإحساس بالذنب تجاه الحسين بن عليّ. وهذا ما حصر حركتهم في جانب استشهادي بحت.

في الكتاب إشارة لطيفة إلى أول حركة نسوية شيعية حول نساء همدان في نواحهن على الحسين وردت في كتب التاريخ كأنهنّ ذاكرة شيعة الكوفة، هل يمكن أن تفصلي في هذا الأمر؟
- وقفت نساء همدان سدّاً منيعاً ضدّ تعيين عمر بن سعد بن أبي وقّاص (قائد الجيش الذي قتل الحسين وأصحابه) والياً من قبل عبد اللّه بن الزّبير. وكانت همدان القلب النّابض للتشيّع في الكوفة. لكنّ المصادر كانت شحيحة في ذكر تفاصيل أخرى عن هذه الحركة. المهمّ أنّ نساء همدان حفظن ذاكرة الحسين بن عليّ وجيّشن العاطفة الشّيعيّة و القصاص للحسين بن عليّ.

وردت في كتب التاريخ إشارة إلى رجال من بني أسد بينهم جابر بن عبد الله الأنصاري أسّسوا لطقوس زيارة كربلاء، بينما يبدو في الكتاب أنّ التوابين لهم السبق في ذلك؟
- كان للتوّابين السّبق في طقوس البكاء على قبر الحسين في كربلاء. وهو تكريس للتّداوي من عقدة الذنب الأعظم.

تنازعت السياسة في تلك الفترة العصيبة من التاريخ الإسلامي كتلاً ثلاثاً. ما هي وما كانت الخطوط العريضة لبرامجها السياسية؟
- كانت الكتلة الأمويّة هي الكتلة السياسيّة بامتياز. وقد استرجع الخليفة عبد الملك بن مروان هذا الإنجاز المهمّ بعد قتل مصعب بن الزّبير مستنداً إلى شرعيّة القصاص للخليفة المظلوم عثمان وإلى مفهوم خلافة اللّه، وشرعيّة الانتماء إلى بيت الشّرف في قريش بني عبد مناف. ولم يكن الشقّ الزّبيري سياسيّاً، بل كانت شرعيّته مستمدّة من أبي بكر الصدّيق والانتماء إلى أبناء الصّحابة (الزّبير بن العوّام). لكنّ عبد اللّه بن الزّبير كان لا يتمتّع بكاريزما، إضافة إلى قسوته وبخله الشديد. وكان التوّابون يحلمون بالقصاص للحسين، واستمدّوا شرعيّتهم من الصّحبة لعليّ بن أبي طالب لكنّهم افتقدوا الحنكة السياسيّة.

هل ترين في حركة التوابين نوعاً من الطوطمية وشعوراً بالذنب تجاه قتل الأب بالمعنى الفرويدي؟
- نعم، يمكن أن يكون ذلك لأنّ علاقة أهل الكوفة بعليّ بن أبي طالب وآله منذ تولّيه الخلافة، كانت علاقة مرضيّة. من ناحية، كانوا يعبّرون عن شغف بأهل البيت. لكنّهم كانوا في كلّ مناسبة يثورون ضدّ عليّ بن أبي طالب (خروج الخوارج من جيشه بعد التحكيم، وقتله من قبلهم). كما أنّهم ثاروا ضدّ الحسن بن عليّ ونهبوا سرادقه، وطعنوه. وهو يعتبر من أسباب تنازله عن السلطة والخلافة لمعاوية بن أبي سفيان.

ترد في الكتاب شخصية محورية هي زفر بن الحارث الكلابي، من هي هذه الشخصية؟ وما هو دورها في إطار الصراعات القيسية واليمنية في تلك الفترة؟
- كانت هذه الشخصيّة محوريّة في تغذية العصبيّة القبليّة بين قيس واليمن. فقد كان مناصراً للضحّاك بن قيس الفهري (الزّبيري الهوى) ضدّ مروان بن الحكم، الخليفة الأموي. ونجا من معركة مرج راهط واحتمى بقرقيسياء في الجزيرة الفراتيّة. وعاد للتقليد الماقبل إسلاميّ بقتله لرجال كلب (القبيلة المركزيّة في الدولة الأمويّة). كما أنّه قتل قبيلة تغلب المناصرة للخلافة الأمويّة. وتمكّن الخليفة عبد الملك بن مروان من القضاء على تحرّكاته واستقطابه بمجلسه.

كيف تقيّمين حركة المختار؟ ظهرت شخصية المختار الثقفي كعامل مشوّش على حركة التوّابين، ما أثّر في فعاليتها ونجاحها؟
-كان المختار عاملاً مشوّشاً على التوّابين لاستقطابه للشيعة، كما كان صاحب طموحات سياسيّة كبيرة لكنّه لم يكن له بُعد نظر وبرنامج سياسي واضح.

أوردتِ سبباً لفشل كل الثورات الشيعية بأنّها لم تفهم نظام الأشراف الذي أرساه الأمويون كتثبيت لنظام حكمهم، إضافة إلى قوة المؤسسات الردعية من الجيش، والشرطة، والأيديولوجيا المتمثلة في حرمة الخروج عن الطاعة. هلا شرحت لنا قليلاً في هذا الثالوث؟
ــ بنى الخليفة معاوية بن أبي سفيان سلطته في العراق أي الكوفة والبصرة على نظام الأشراف، أي إنّه عوّل على أشراف القبائل في إطار أيديولوجيا الدولة العربيّة الأرستقراطيّة. فهو قرشيّ يؤمن بقوّة رجال القبائل وقدرتهم على تأطير عشائرهم. فكان يبذل الأموال والهدايا والقطائع لكسب الأشراف. كما أكّد زياد بن أبيه والي العراق من قبله هذه السياسة. وفي ثورة حجر بن عديّ الكندي (وهو من شيعة عليّ بن أبي طالب)، هدّد زياد الأشراف للقضاء على الثورة، فشهدوا ضدّ حجر. وكانت أكبر تهمة موجّهة إليه الخروج عن الطاعة. وهي نفس التهمة الموجّهة ضدّ الحسين بن عليّ. وهدّد عبيد اللّه بن زياد الأشراف في ثورة الحسين بن عليّ بهدم دورهم وقطع نخيلهم إن لم يقتلوا الحسين وآله وأصحابه.

هل توافقين على أنّ الإسلام السياسي الشيعي يظل جذّاباً طالما بقي في الجانب المعارض للسلطة ويمتلك أدبيات الثورة والشهادة؟ وماذا لو امتلك السلطة؟
- بُنيت هالة من القداسة حول الإسلام السياسي الشّيعي لأنّه بقي لمدّة قرون في باب المعارضة السياسيّة للأموييّن والعبّاسييّن. وكانت هذه الهالة أساس الشرعيّة التاريخيّة له أي الإسلام السياسي الشيعي. كما أنّها كانت حافزاً لتأسيس أوّل دولة شيعيّة في المغرب الإسلامي أي الدولة الفاطميّة. حقّقت هذه الأخيرة الحلم الشيعي وبنت مؤسّسات وأيديولوجيا طريفة في المغرب ثمّ في مصر.

هل يمكن الوثوق برواية أبي مخنف لأحداث ثورة التوابين؟ وماذا تقول المصادر الأخرى؟
-يبقى أبو مخنف الرّاوي الأساسي في الكوفة، وهو معروف بنزعته الشيعيّة لكنّنا لا يمكن أن نعوّضه لعدم وجود مصادر أخرى. يجب على الباحث أن ينسب أخبار أبي مخنف إلى تشيّعه وإلى عدم وجود مصادر أخرى.

ما هي مشاريعك القادمة؟
- سأواصل الحفر في الذاكرة الأمويّة وفي تطوّرات الفتنة الثانية.