1- قطار باريس الريح نائمةٌ
خرجتُ وكان جرحٌ في الحقيبة يستفيقُ

بيتي ويعرفني
لذاكَ أذِنت لغيمةٍ أنْ تحفظَ الأسرارَ عني
واحتياطاً كنت أحصيتُ العصافيرَ التي في رأسهِ
كي أستدلَّ عليهِ...
علّمْت المكان بقبلةٍ فوق الترابِ
وقلتُ حتى البيتُ ينسانا ويخطئنا الطريقُ



وقطعتُ نصف العمر نحوي وانتبهت!
نسيت أمنيتي هناك،
أدرتُ ظهري كي أعودَ،
وكان يصحبني انتمائي للمكان
فقال لا تعجلْ سأجلس في القصيدة بانتظارك...
عدتُ أوغل في الطريق وكان يوغل في دمي جرحُ السماوات العميقُ

مَن كنتُ؟ لا وجه يشابه غربتي لا صوتَ ينبتُ في فمي لا ريقُ...
يا ربّاه إنَّ تشابُهَ الأبواب أقسى من يدِ السيّاف كانَ،
وقبلتي فوق الترابِ غدتْ سنونوةً وغابتْ
كانَ أكثر من غناء الطير إيلاماً
على جسدي التساوي في عديد الطير والسطحُ العتيقُ...
البيت كان هناك يبتلع السنين وكفُّ أمنيتي تجعّد في الخزانة..
قلت لا ضيرَ
الرحيلُ أَمارةُ الناجين من كتب الإقامة،
وارتحلت مجدّداً جهةَ اليقين.
وجدْتُ حبر دمي على جلدِ الرسالة
كان وقّعها غداةَ رحيله في غيبتي الوطنُ الصديقُ...

2- باريس
-1-
الذين يولدون لمرّةٍ واحدةٍ، يموتون كثيراً
إلّا مَنْ رحمتْ باريس...
هذا النهارُ ضفيرةُ امرأةٍ متبرّجةٍ وشارعٌ في الجانبِ الغربيِّ من باريس يصحبني إلى حبٍّ جديدٍ
غير أنّ مظلّتي كانتْ معطّلةً
وثمّةَ من ثبّتوا الغيم بالمسامير..
الأماكنُ أَمّارةُ بالحنين،
وهذه السماءُ أكثر براءةً من أنْ تعجَّ بالآلهة..
سأمشي كإسفنجٍ في بحر..
وأغني لكِ بصوتي السيّئ:
«ماذا كنت تفعلُ هنا يا ألبير كامو؟. الآن أفهمُ ما الذي شغلك عن حكم الإعدام المُبرم»
سأصفكِ كما يفعل الشعراء:
أميرةٌ تحفرُ التراب بالحليّ
نامت على المرج الأخضر
سقطت كفّها عن جسدها إلى باطن الأرض
فبنى الجرذان سكك الحديد على خطوط يديها..
من يعمل في باريس لا يراها..
من يتأمّل فيها يعتملْ

وراء حائط اللوفر، كانَ التاريخ يتبوّلُ
وهو يقول:
أرضيتَ يا سارتر؟، خذْ حتّى ترضى...

-2-
عندما تنظرين إلى الشرق يخضرّ قلبي قليلاً…
وتنساب أغنيةٌ في عروق الضجرْ…

سيستغرق الجرح وقتاً ليكتشف الليلُ حزنَ القمرْ…

هنا الأرض أضيقُ من رغبتي بالبكاء،
وهذي السماء،
على الرغم من كل بهجتها في المساء…
ورغم اتساع المدى واخضرار الشجرْ…
عروقيَ خيطان طائرةً في بلادي،
وقلبي حجرْ…

دعيني أصدّق عينيك يا حلوتي،
كلّ من كان خان،
دعيني أصدقُ أنّ يديك اهتدائي الأخير إلى لغتي الواعدةْ…
دعيني أفسر جوعَ العصافير وهي تحومُ على سورة المائدةْ!

دعيني أفكر بي، وبنا، وبمن قال إن الهوياتِ نصلٌ بأحلامنا الهامدةْ…
لماذا تظلّ البلادُ التي عذبتنا طويلاً ندوباً بأرواحنا الباردةْ؟
وهل نحن نرحلُ ما دام تبقى البيوتُ ثقوباً بأجسادنا الشاردةْ!؟
لقد قطّعتنا البلاد إلى حطبٍ في الرحيل،
وقد أحرقتنا اشتياقاً،
فكيف تحنّ الغصون إلى الريح والشجرة الجاحدة؟

ولماذا على غرقٍ أبيض حين أكتب
أسكب كل القصائد في دمعة واحدةْ؟

-3-
ومثلكَ يخطف زهو الزحامْ
هو الماء في البيت شيخٌ رضيعُ..
متى تستحمين يغسل جسمُك ماء تكلّس وهو يصلي لأجلك في خاطر البيت..
يسمرّ وهو يمرّ على كتفيك،
ويحمرّ حين على حبّتين من البنّ يغفو الرضيعُ

وينساب صوب الحقول.. ويهمي إلى شغفٍ مضمرٍ
حيث تولد فينا الظنون ويولد منك الربيعُ...
لذا تشبهين تراب البلاد..
ويشبه لون صباك الجميعُ..

رزقنا بوجهك حتى انتشينا / وسرعان ما انتابنا الخوف أن ترحلي أو تكوني سراباً…
فصرنا نشد بشعر الصباح، ونقرص شمس النهار بأثدائها كي نصدق أعيننا...
نحن لم نتعود على الفرح السهل!
جداتُنا علموا أهلنا أن يخافوا إذا سار شيء على ما يرام..
وقالوا لنا: حين نفرح يوماً سنحزن يومين…
نحتاج أن نحتفي بيديك طويلاً… ولا نستطيع…
ونحتاج أن نتبارك بالماء يهطل منك علينا، ولا نستطيعُ...
وأن نكتب الشعر عن شامة في مكان خفيّ ولا نستطيعُ…
فقد يتأتى من الفرح المحض حزنٌ رفيعُ…

ولِدنا ببيت يخاف الفكاهة والحب والشعر، يستحضر الله إن ضحك الناس جداً،
فإن جاءنا خبر جيّد نتعوّذ بالسر…
نستغفر الله من قسمات النساء
النساءُ الجميلاتُ منهن يعني ابتلاء شديداً…
ونمشي على هدي آبائنا من عشرين عاماً، ولا نقرب الحب!
ما بين أن يبتلينا به الله، أو يحتوينا به الله خيطٌ رفيعُ…

ولكنّ ماءً تسلل منك إلى بُرك المؤمنين،
وجرحِ الينابيع في باطن الأرض...
ما زال يحمل ملح يديك إلى صلوات الذكور وليل البيوت القديمة...
كي لا تضيع الأنوثة وهو يعلّمنا...
أن شعباً بلا امرأة حرةٍ،
ذات ليلٍ سيفهم كيف الخرافات تبقى... وكيف البلاد تضيعُ...

* لبنان