1- مدينة الأسف الكبيرفي أسفي رأيتُ البَحر محطماً كأحلام العشاق
رأيتُ الرمل منهوباً
في شاحناتٍ تقتل النسوةَ العائداتِ
فجراً من معامل تصبير السردين
رأيت طفلةً تحلم بالأوكسجين
بحصتها في الحياة التي يكنسها مصنع الكبريت
في أسفي رأيت السفن في الميناء تبكي
والصيادين يموتون يلفُّهُم كفنٌ من ضباب
رأيت قصر البحر صار قصراً للخراب
كنا ندخله كالملوك ونحارب البرتغال بقطعة
خبز ونسبح من حجر إلى حجر
صار قصراً للخراب
أسفي مدينة لا تصلح إلا لشيء واحد
الأسف.. الأسف.. الأسف

غيغي ميلز ـ «سماء ليلية، إبحار ليلي» (زيت على ورق، كولاج وقلم رصاص على ورق ــ 149.9 × 991.1 × 5.1 سنتم ــ 2023)


2- سيرة الغياب
هو ذا الغياب
هي ذي يقظة الظلال كلها
في عتمة الباطن يمتد كجذر أركانة
ليثقب الأرض
وفي لحظة سامية كالفجر
يرخي أغصانه
لتشتعل الأشجار
وتضاء الغابة

3- ولادة
كل صباح يكتب قصيدة
يطوي الورقة التي تحمل قلبه
يضعها في زجاجة نبيذ ويلقي بها
في البحر
سنون طويلة مرت وهو يسكب الشعر والنبيذ
حتى توقف النبض
في ذلك اليوم المعطر بالمناداة
اِحمر وجه البحر
أمطرت غيمة
سمع لحن طائر غريب
تفتقت وردة في حقل نور
أعلن سراً تحت سماء أخرى
بأن شاعراً ما قد ولد

4- تعريفات غير ملزمة
الأطفال كتب مقدسة
الكبار ترجمات ضعيفة
الحزن شريك في جريمة كاملة
الفرح شاهد زور
العنف ضريبة قديمة نسددها بالأقساط
الحرب جدولة دين في كناش محاسب متدرب
الحب مدخن يحلم بسيجارة لا تنفد
الجنس دخان يفي بالغرض ولو في زنزانة
الله حقيقة كم آلمت عقول الفلاسفة
الرسل مكلفون بتخفيف الألم
وبتأكيد الحقيقة بأصوات مبحوحة

5- الأطفال
ستأتي القيامة
قد تكون أتت ونحن نيام
آه كم حاول الأطفال إيقاظنا
وحدهم أدركوا بالفطرة
أن الأرض تفور
وأن الموج يعلو
وأن السماء تنتحب
وأن الوقت قد نفد
لكن
متى أنصتنا لتلك المناداة؟

6- السؤال
اللون لا يعود
اسألوا الرسام
الكلمة لا تعود
اسألوا الشاعر

الفكرة لا تعود
اسألوا الفيلسوف

الموجة لا تعود
اسألوا البحار

اللحن لا يعود
اسألوا العازف

الحب لا يعود
اسألوا العاشق

الوطن لا يعود
اسألوا اللاجئ

العرش لا يعود
اسألوا الملك

اللحظة لا تعود
اسألوا الشيخ

الحياة لا تعود
اسألوا الميت

الأهم هو أن لا تكفوا عن السؤال
السؤال هو سبب وجودنا ومنتهاه

7- صمت
هذا مريض يتعافى
وهذا صوت ارتطام المطر بالزجاج
لأجلهما معاً أرفع قبعتي
وألوذ بالصمت

8- تعب
تعبت الكلمات التي كانت تصنع الجمل
تعبت الجمل التي كانت تصنع الكلمات
في الحلق بقايا حروف تتهجى صمتها
في الطريق إلى المعنى الذي ما عاد يصلح طريقاً
رجل مقعد ينتظر الفجر
في فمه أغنية
عاهرة تنتظر زبائنها المتعبين
في الجهة الأخرى من الغواية

واللحظة التي ترمم بنظرتها عبور طائر إلى عشه
هي نفسها النظرة التي تنتظر نازحين جدداً
من ضفاف قديمة
في الحلق مياه وفية للحلق تطلب ظلها
ولا تترجى غير ذلك

9- فقط لتحيا أنت
نسيت أن أخبرك أيها الشعر
جوربي مثقوب
جيبي فارغ
طفلتي الصغيرة تعاني الربو
يداي مشققتان ولا تصلحان للكتابة
طحن الشعير هو أرقى عمل صادفته في حياتي
حياتي التي لا تعنيك أيها الحقير
أيها المفلس الذي يرتاد المواخير ويتغذى على الآهات
اسمعني أيها المرعب ولو مرة واحدة
لقد نزعت مني أجمل لحظات العمر
ورميتني في أقرب حاوية لإعادة تدوير الورق
رميتني فقط لتحيا أنت

* مقتطفات من ديوان صدر حديثاً بالعنوان نفسه عن «دار النهضة العربية»/ بيروت.

** آسفي/ المغرب