1. فكّر في أن تفكّر
فَكّر في ليل كالجرح...
يخدش زرقة السماء...
فَكّر في ليل يحرر اللغة من الظلام...
فَكّر أن ترسم بالأبيض كل هذا السواد
فكّر في أن تفكر
فكّر أن لا يكون الليل ليلاً
وأن لا يسقط على رؤوسنا...
مخضباً بالأخطاء

2. ظلام
كانت الريح عاصفة...
والظلام يسيل من النوافذ
فجأة ظهر أمامي طريق من العدم
بدا كأنه أفعى ملتوية... أو غابة تطفو بين السحب
في كل التماعة خاطفة كنت أشيخ بسرعة
فقدت ملامحي تدريجياً...
في المرة الأولى... سقطت أذناي
وخبّأتها في جيبي...
في المرة الثانية... تدحرجت عيناي مثل حبات العنب
أخيراً اختفى الفم... وصار رأسي كرة مجوفة...
عندما حاولت تذكّر صوتي
باغتني صوت يشبه الصمت

ماري بُونِي: «رقصة على معزوفة موسيقية» (أقلام على ورق، 2018)


3. سنلتقي في الأمس
ثم مضى...
وكانت الريح عاصفة
والظلام يسيل من النوافذ...

4. قرية جبلية
أنا موجود هنا لست لأنني أفكر...
ولا لأنني أرى أو أتكلم
أنا موجود لأنني أنصهر في الأشياء
أي صمت بدائي يستفزّ حواسنا
لتبدو الأرض مكعباً أزرق
في القرية الجبلية...
حيث السحب الهابطة
والصوت النابض في الحجر...
ربما يبكي البعض...
وربما ينتحر البعض
الجمال هنا...
مرعبٌ... وكئيب
هادئ تماماً
مثل شمس عذراء
مثل خنجر في الخاصرة...

5. غروب
المساء... قبة حمراء
أعمى دليله الكمان...
صوتٌ سابحٌ في الأفق
أصمّ دليله الضوء
يرسم عيناً للأفق
عند المغيب...
تأمّل الشعر نفسه
فكانت أذناً ترى...
عيناً تسمع
وغروباً يسيل من صوت الكمان...

6. سيرة في لوحة
الرجل الذي بنى أحلامه من القشّ
وأعواد الخيزران...
ربما كان بحّاراً
أو رساماً
قبل عشرين عاماً
كان ينفث غليونه في المقهى...
ويبتسم بفم أدرد
ينظر إلى الحائط فيصير لهباً
بحثت عنه في أرشيف الموتى
في سجلّات الولادة
في المصحّات والسجون
في قاع البحر... وظلمة الغابات
لم يعرفه أحد... ولم يتذكّره أحد
وحدها الحجارة تتذكّر أرواح ساكنيها
في الغرفة أشعلت سيجارة...
ونظرت إلى الجدار...
فبكى وسال منه ليل محترق
بينما الغريب ظل يبني أحلامه من القشّ
ويبتسم عشرين عاماً في لوحة مهجورة...

* العراق