بعمود أسبوعي يحمل عنوان «موجز القول»، يطلّ الشاعر حسن عبدالله على القرّاء بصوته المتفرّد الذي عرفوه منذ مجموعته الأولى «أذكُر أنني أحببت» الذي ينحت الشعر بلغة حسّية مدهشة منذ مطلع قصيدة «صيدا» الافتتاحية: حفروا في الأرض/ وجدوا امرأةً تزني/ملِكاً ينفُض عن خنجره الدم/ حفروا في الأرض/ وجدوا فخّاراً/ أفكاراً/ لحناً جوفياً منسرباً من أعماق البحر/ حفروا في الأرض/ وجدوا رَجُلاً يحفر في الأرض». كأن لغة حسن عبدالله تفترض أن الشعر أساس الوجود، فالشعر في قلبها يشير إلى طريقة حياة، إلى وعي اللحظة المعاشة في مجانيتها، وفرادتها، وتوهّجها، كتلك اللغة الندّية التي أكثر ما نعثر عليها في رائعته «الدردارة»: «الماء يأتي راكباً تيناً وصفصافاً/ يقيم دقيقتين على سفوح العين/ ثم يعود في سرفيس بيروت-الخيام/ سلّم على… سلّم على… يا أيها الماء التحيّة/ أيها الماء الهدية/ أيها الماء السلام/ سلّم على… سلّم على/ وعلى الذي في القبر/ واسقِ القبرَ/ واطلع وردة بيضاء فوق القبر/ واجعل أيها الماء النهار مساحةً مزروعةً جزَراً/ وطيرٌ راكض تحت الشتاء». إنه معجمٌ يشتقّه الشاعر من التراب الجنوبي، وسمائه المفتوحة على البارود والحرية، ومائها الذي يسيل في البُرك والأودية ليتماهى الشاعر في صُوره مع تلك الأرض «وإنني في الصيف…من عشرين عام/ أفعى على برّ الخيام/ وضفدعٌ في الماء/ والدردارة/ عينٌ رأت حُلُماً وفسّره المزارع لوبياء». الشعر مع حسن عبدالله وبخاصة في قصائده الأولى أشبه بزهرةٍ تتفتّح على الشعر كحالة، كحرّية واقتراب من الأشياء وقولها وإعطاء القدرة على الرؤية على طريقة بول إيلوار، بطريقة يمكنها أن تجعل من كل مفردة في المعجم الحسّي للشاعر كائناً شعرياً.
في «موجز القول» سننصت إلى حسن عبدالله يقول كلاماً في الحب، والمدينة، والشعر والطائرات التي تتحداها الروح الجنوبية بمعجم الشاعر ذاته: الطائرات/ ويثبت الولد اليتيم/ وطابتي في الجوّ/ والرمان في صوَر الغيوم/ وحرارة الفلّاح/ في بندورة الحقل الذي ما زال يرتجل الكرات الزرق» ـــ تقديم محمد ناصر الدين
■ ■ ■
كان في الثانية عشرة من عُمره
عندما انسحب من الملعب
تاركاً رفاقه يلعبون ويتصايحون
تحت سماء الطفولة العميقة الزّرقة
فتَحَ كتاباً أفضى به إلى كتاب آخَر
وهذا الثاني قاده إلى الثالث
وكمن ينحدر في منحدَرٍ حادّ
لم يعُد باستطاعته أن يتوقَّف
ثم لم يلبَثْ هو الآخَر أن بدأَ يؤلِّف كُتُباً
وبدل أن يعيش الحياة ببساطة، كسائر أترابِه
راح يعملُ على قياس طولها وعَرضِها، وعُمقها واتّساعها
متنقّلاً من قلَقٍ إلى قلَق، ومن حيرة إلى حيرة
على طول الطريق الممتدّة
من الطفولة إلى الشيخوخة.