«أغرب ما فعلتُه اليوم هو أنني تبادلت أولادي مع أخي... أخذت منه اثنين من أولاده وأعطيته اثنين من أبنائي، حتى لو تعرضت لقصف الاحتلال يبقى من نسلي أحد، ولو قُصف هو يبقى أحد من ذريته»... هو الموت يتقاسمه أهل غزة فلسطين مثل الخبز كما تصفه هذه الكلمات العارية من أحد سكان القطاع بدون مواربة أو مجاز: نكون أو لا نكون في وجه الحمم النازلة من الجو، وطعنات سمك القرش القادمة من البحر، وذئاب المستوطنين مثل يعقوب في الفيديو: «إن لم أسرق بيتك سيسرقه شخص آخر». وأنت أيها الغرب: كفى، في دوائر القرار والنخب التي تُعتبر امتداداً لتلك التي استثمرت في إسرائيل كثكنة عسكرية غربية في خاصرة أي مشروع عربي ومشرقي قادم، كفى دعماً وسكوتاً وخنوعاً أمام آخر احتلال كولونيالي في الزمن الحديث: اسمها فلسطين، رغم المطبّعين والبائعين والمشترين والناكثين والخونة والسفلة إلى آخر أسمائهم القبيحة... في الجليل اسمها فلسطين، وفي اللد وحيفا ويافا وغزة وبئر السبع، وكوفيتها طريق القوافل وشجر الزيتون وشباك الصيادين، وعلمها أبيض اليمام وأخضر النخيل وأحمر الدم السائل فوق ترابها، والأسود ليل أمهاتها الطويل: هاجر المتعبة وسيدة البدايات يأتي إليها كل من أحبّ أن يواسيها على صفحته الإلكترونية الخاصة بباقة ورد، من شعراء وأدباء وروائيين، فقد ظلّ اسمها في قلوبهم ومخيلتهم مقترناً بالبحر والعنب والتين والزيتون... جلنا في «كلمات» على صفحاتهم واخترنا بعض ما كتبوه حول «أرض البرتقال الحزين»، الذي سيزهر لا محالة، فعلى هذه الأرض كما يقول محمود درويش: «تردد إبريل، رائحة الخبزِ في الفجر، تعويذة امرأة للرجال، كتابات أسخيليوس، أول الحب، عشب على حجرٍ، أمهاتٌ يقفن على خيط ناي، وخوف الغزاة من الذكرياتْ».
(رواد الأمين ـــ لبنان)

أحلام بشارات (شاعرة فلسطينية)
رأيت طريقاً ميتاً على الطريق
وتركته على الطريق
لم يعلمني أحد
كيف أرفع طريقاً ميتاً
عن الأرض
ولا كيف أحتضن
عمارة مكوّنة من أربعة عشر طابقاً
ترتجف

أخاف أن أتصل بأصدقائي الخائفين
لأنّي لا أعرف
ما الكلمة الأخيرة
التي عليَّ أن أقولها لهم
إنها، على كل حال، لن تكون:
اطمئنوا.

أكتب عن السمكة التي نجت من الحرب
ذلك سهل، أن أكتب:
لقد نجت السمكة من الحرب.

أشارك صورة القط المذعور
الذي بلا اسم
ذلك جيد:
أن تكون بلا اسم
فلا يعرف الموت أن يناديك

يحدثني الأصدقاء عن قطة اسمها بقرة
أجل، كنت بحاجة لسماع كلمة بقرة
وسط هذه الحرب:
فقد جفّ الحليب من قلبي
مع كل هذا الرعب

شاهدت فيديو لطفل غزّي
يحمل قطة لها اسمان
باتمان
وباندا:
أن يكون لك اسمان
ذلك جيد جداً
عندما يناديك الموت، يا صديقي،
بأحد الاسمين
اُهرب باسمك الثاني

عندما يناديك الموت أيتها القطة قائلاً:
يا باتمان،

اهربي بسرعة،
فأنت باندا
اسمك باندا
ولن يستطيع الاحتلال
أن يقتل القطة باندا

نصر جميل شعث (شاعر فلسطيني)
فوق الطاولة رؤوس،
تحت الطاولة أقدام.
أنا لا أسمّي الأفكار والأسس،
أنا مرعوب
من هذا التباعد بين الأشلاء.
الجنودُ الجادّون في الحرب
قَصفوا كلّ شيء على الأرض.
وفي نهاية الطلعة
قصفوا السماء
من باب المزاح.

سمر دياب (شاعرة لبنانية)
العنب أجمل المفردات. هات لنسمّيَ الخذلان عنباً، والطائرات والشوكة والموت، ولنسمّيَ أطفالنا جميعاً عنباً... جاع العنب، نام العنب، خرج العنب في تظاهرة.
هكذا، إن أصابت رصاصة هدفها أو أخطأته، تناثرت البذور في كل مكان.

وديع سعادة (شاعر لبناني)
لا يمكن للمثقف إلا أن يكون مع المظلومين والمسلوبة حقوقهم أينما كان في العالم.

زينب عساف (شاعرة لبنانية)
الوسط الأكاديمي والثقافي العالمي مختلف اليوم عمّا قبل؛ ثمة صعود هائل للأخلاقوية وفكرة المساواة. هناك استعداد أكبر لتقبّل مرويّات مختلفة (النسوية، الأقليات...) على الصعيد الأميركي من الضروري ربط القضية الفلسطينية بحركة الحقوق المدنية للملوّنين الصاعدة بقوة وذات التاريخ النضالي الطويل في المجتمع والابتعاد عن خطاب معاداة السامية. الصهاينة يحاولون بكل قواهم اختراق هذا الخطاب. روت لي صديقة أفريقية أميركية شابّة في ديترويت عن رحلتها إلى «إسرائيل» وكيف تحوّلت من مناصرة إلى مناهضة بعدما رأت على الأرض معاناة الفلسطينيين التي تُشبه برأيها ما كان يجري في جنوب أفريقيا من تمييز عنصري. لم تكن تعرف أي عربي ولم يخبرها أحد إلا حساسيتها لموضوع كهذا. الرجاء من الجالية العربية التنبّه لهذه النقطة، لسنا معادين لليهود ونكنّ احتراماً كبيراً لشخصيات كنعوم تشومسكي وغيره كثر غير معروفين في العالم العربي، ولا تخلو مدينة عربية قديمة من حيّ لليهود. ليست المسألة معاداة للسامية. هي مسألة تهجير شعب بغضّ النظر عن المسميات. معركتنا أخلاقية بالدرجة الأولى. وسلامٌ على الفلسطيني الجميل إدوارد سعيد الذي مهّد الطريق لرواية مختلفة كأحد أبرز وجوه مدرسة ما بعد الكولونيالية. وعينا ضروري جداً في هذه المرحلة.

إسكندر حبش (شاعر لبناني)
ليس المطلوب إنقاذ حيّ الشيخ جراح وحده، بل فلسطين بأسرها... وليس المطلوب إنقاذ القدس وحدها، بل أيضاً فلسطين بأسرها... لننتبه إلى هذه اللغة التي نستعملها. ويا عزيزي.... تريد أن تصلي في القدس أو في بيت لحم، هذه رغبتك أنت. ثمة من يرغب في السير على طول الأراضي الفلسطينية وبالتأكيد سيغفر لهذا الأخير عدم صلاته.

عماد فؤاد (شاعر مصري)
حملوا جثّته ساخنةً
إلى حِجرها الدافئ
لم تقُل شيئاً
فردتْ طرحتها السوداء على وجهه
وردَّت القادمين عن بابها
قالت لهم:
دمه حرام
حتى تأتوني بثأر.

ظبية خميس (شاعرة إماراتية)
الدرس الحقيقي لكيان الاحتلال الإسرائيلي هو أن العالم لا يحبّكم ويرفضكم بسبب ممارساتكم العنصرية واستبدادكم وليس للدين الذي جعلتموه دولةً تجمع شتات الأرض على جثث شعب فلسطين. والدرس الذي تلقنه فلسطين أن لا أحد في عالم ظالم يحررك غيرك، وبذلك تحرر العالم من أوهام الاستبداد والاستقواء.

عباس بيضون (شاعر لبناني)
فلسطينيو ٤٨ وفلسطينيو ٦٧ معاً في الانتفاضة. الدعوى الفلسطينية هي حق الفلسطيني في منزله. إنها دعوى ملموسة وعينية لا يستطيع أحد أن ينكرها. العالم كله لا ينكرها. القضية في أيدي الفلسطينيين كلهم بقدر ما هي قابلة لأن تكون عالمية. لا ننسَ أن الفلسطينيين اليوم هم نصف السكان، والدولة لا تفعل سوى محاولة طردهم خارج أراضيهم ومنازلهم. الدعوى الإسرائيلية متخلّفة اليوم عن زمانها. الفلسطينيون هم اليوم معاصرون ومستقبليون ووعيهم لذلك أساسي.

رائد وحش (شاعر فلسطيني)
حسن... ذلك الشاب النبيل الذي قاسَمَني وقاسَمْتُهُ عُمرَ الطفولة وشراعَ السنديان. ذلك الطفل عرف كيف يحلّ لغز الأرض وطلاسم الماء. كنتُ أتعلم لغة الكتابة وقواعد النحو، حينما كان يتعلم لغة النهر والصخر والسنبلة. كنت أمتطي المعجم حين كان يمتطي الريح والعواصف. كنت أكتشف الأسئلة حين كان يعيش الأجوبة. كان يظن أنّي الجزء الذي لم يكنه، والآن أعرف أنه الجزء الذي لم أكنه.
هناك... في مكانٍ ما أجهله وتعرفه النجوم، يرقد أخي حسن، يلبس جلد الأرض التي أَحبها، ويستعير منها نبضه الجديد. أنا هنا أبحث عن الوطن الضائع في موّالِ شعريّ، وهو هناك يكتشف الأرض فيه. على عينيه ينمو عشبها وزعترها... ومن جرحه تتفتّح شقائق النُّعمان وعروق الشومر البري. هناك هو تكتبه الأرض، وتعيد كتابته في كل فصلٍ من فصولها. وأنا، أنا الذي سرقت منه الكتاب والمدرسة والمحبرة، أنا هنا أبحث عن الكلمة التي تصفه، أستعير جلده لأكتب عليه شعري فيه، ولأشعر ببعض الرضى، لعلّي أتابع حياتي من جديد.
حسن... أيها الشاب النبيل الذي ظلمناه، وأنصفته الأرض!

محمد العباس (كاتب وناقد سعودي)
من نواقض الوعي ومفسدات المزاج مجادلة من يعتقد أن بمقدوره إعطاء الدروس للفلسطينيين... قبل أن تتورط في محاورته اسأله: هل توضأت بماء الكرامة؟

منصورة عز الدين (روائية مصرية)
معظم ما نعلنه من دعم وتأييد للفلسطينيين تنويعات على العجز وقلة الحيلة، لكنه ضروري لإبلاغهم بأننا معهم بقلوبنا على الأقل، ومع هذا نجد بيننا من يستكثر عليهم هذا الدعم الخجول، ويصر على اختراع تناقض وهمي بين دعم القضية الفلسطينية ودعم غيرها من القضايا.

ربيع شلهوب (شاعر لبناني)
سواء انزلقَت هذه المواجهة وتوقفت مؤقتاً بفعل تهدئة لا شيء يشي بحدوثها حتى اللحظة... في الحالتين نحن أمام مرحلة جديدة تماماً. في أيار ٢٠٢١ أثبت أبطال فلسطين أنهم باتوا قادرين أن يكونوا رأس الحربة في معركة تحريرها.

فتحي عبد السميع (شاعر مصري)
الحمقى وأعوان الضلال يقيِّمون انتصار الفلسطيني على العدو بعدد المصابين أو القتلى أو الشوارع التي تم استردادها أو ضياعها.
جرعةُ ماءٍ تسري في العروق أكبرُ وأعظم من نهر يجري فوق الحصى والحجارة دون أن يلمس الشفاه.
في صراع النبلة والدبابة تسقط كل الأعداد والمقارنات، وجود الصراع في حد ذاته معجزة، بقاء الفلسطيني الحر معجزة، لأنه وحيد ومعزول عن أشقائه في الإنسانية، ولأن العالم بأسره يغمض عينيه عن دمائه، ويعطي ظهره للقتلة.
أكبر المعجزات تتحقق في أبسط الأمور، الشهيق أعظم المعجزات، والفلسطيني الحرُّ يصنع معجزة لأنه بأبسط الأشياء يُنعش الأحرار في كل مكان، ويحرج الرقاب التي تتدلى من مشانق الاستسلام أو تحْجل في قيود التطبيع الظالم دون أن تشعر باختناق أو خجل.
صراع النبلة والدبابة رمزي، وفي عالم الرموز تسقط الحسابات المنطقية، وتفقد الخسائر والمكاسب المادية قيمتها المعتادة، أصغرُ طفل فلسطيني ينتصر بكلمة أو إشارة، لأنه يثبت أننا على قيد الحياة وإن تدلَّتْ رقابنا من مشانق التطبيع والاستسلام، وما دمنا على قيد الحياة فكل خسارة صغيرة، وكلُّ معجزة يمكن أن تتحقق، حتى معجزة استرداد الفلسطيني لترابه المسلوب.

زياد خداش (شاعر وقاصّ فلسطيني)
بالصدفة أمام بحر يافا، جلستُ قربه على صخرة، كان طلابه أمامه يصنعون من الرمل مدينةً وكان طلابي أمامي يصنعون من الموج مدينة. كانت مدينة طلابي تندفع نحو مدينة طلابه وتمحوها، فيعاود طلابه بناء مدينتهم، ويعاود طلابي تدميرها.
وهكذا أمضى طلابي وطلابه النهار كاملاً يبنون ويدمّرون.
قال: «قبل أربعة آلاف سنة عاش أجدادي اليهود هنا، فأنا من هنا، هذا كله يقوله التاريخ وليس أنا. بالمناسبة أنا مدرّس تاريخ»
قلت: «قبل التاريخ عاش أجدادي الفلسطينيون هنا، فأنا من هنا، هذا كله يقوله البحر وأنا، بالمناسبة، أنا مدرس حب».
في الطريق إلى رام الله، كنت أؤكد لطلابي أن الرمل يكذب،
وأن الموج صادق حدّ العاصفة.
وكانوا يهزون رؤوسهم مصدّقين وهم يتحسسون أمواجاً خبّؤوها في جيوبهم.

أحمد عبد الحسين (شاعر عراقي)
ما رأيت فلسطينياً إلا ومعه مفتاح.
في دمشق التي عشت فيها مديداً، رأيت فلسطينيين كثراً، صادقتهم وأحببتهم، وحبّ الغريب للغريب لا يعرفه إلا من اغترب. كلّ منهم كان لديه مفتاح ورثه عن أبيه عن جدّه يعلّقه في رقبته مثل تميمة، هو مفتاح باب البيت الذي خرج منه جدّه عنوةً ليسلّمه في غربته إلى ابنه الذي سيودعه في رقبة ابنه أمانة تتنقّل في رقاب الورثة.
لم يكن للأب بيتٌ فيورثه لأبنائه، أعطاهم بدلاً من البيت مفتاح باب البيت.
صرت حين أرى فلسطينياً لأول مرة أسأله: أين مفتاحك؟ فيكشف لي عن تميمته المعلقة في رقبته.
أحبّ هذا لأني أحبّ المتحالفين مع المستحيل.
يعرفون أن المفتاح لم يعد يصلح لباب، بابُ هذا المفتاح اندثر لأن البيت ذاته اندثر، صار بيتاً لمستوطنٍ بباب ومفاتيح جديدة. لكنْ إذا كان نوح بنى سفينته في صحراء قاحلة وانتظر المعجزة ألف عامٍ ثمّ جاء الماءُ كلّه إليه، فلمَ أستكثر على الفلسطينيّ أن يبقي مفتاحه في رقبته انتظاراً لأن يأتيه البيتُ والبابُ؟
كم أعشقُ البهاليل الذين يَسِمُون أرواحهم بميسم المُحال فيغدون مادة لسخرية الساخرين، مغلوبين ومغمورين بوهمهم الشخصيّ المقدّس الذي يستغرق كلّ حيواتهم بانتظار معجزة يرونها قريبة ويراها الآخرون قبض ريح.
الدهور الدهور قضاها نوحٌ بحّاراً مضحوكاً عليه في صحراء تسخر منه ومن عقله ووهمه حتى فار التنور. والدهورَ سيقضيها الفلسطينيّ يتوارث مفتاحه من رقبة إلى رقبة إلى أن يأتي برقُ معجزةٍ ما، معجزة يجهلها الناس كلّهم إلا أولئك الذين تحالفوا مع المستحيل.
ويا ربّ..
إذا أرجعتَ الفلسطينيّ إلى أرضه بمعجزة منك فاجعلها معجزتين، بل ثلاثاً يا ربّ، بل أربعاً: أرجعْ له بيته ومعه الباب وقفل الباب حتى إذا أخرج مفتاحه من رقبته وفتح الباب انفتح له.
لأنّ هذا الانتظار الممضّ، يا ربّ، هذا المستحيل العظيم يستحقّ أن تكافئه بأصناف المعجزات.

عيسى مخلوف (شاعر لبناني)
ظنّت الدول العظمى ومُلحقاتها الصغيرة في العالم العربي أنّ طيَّ صفحة القضيّة الفلسطينيّة أمرٌ ممكن من دون التوصُّل إلى حلّ سياسي، وأنّ الصمت المتواطئ حيال سياسة الاحتلال والاستيطان هو الحلّ.
ما يجري اليوم يؤكّد عكس ذلك، كما يؤكّد، مرّةً أخرى، أنّ المقتول الذي أرادوا محوَ أثره من الوجود ما زال موجوداً، وأنّ محاولة دفنه منذ أكثر من سبعين عاماً باءت بالفشل.
مَن يريد فعلاً محاربة الإرهاب عليه أن يبدأ في إيجاد حلول عادلة لواحدة من أكثر القضايا تَفَجُّراً في العالم.

بثينة العيسى (روائية كويتية)
لو كنتُ الفلسطينيّ في «غزّة» تحت القصف، لو كنت أركضُ بين حارات «الخليل» والبيوت الحجرية لـ «نابلس». لو كنتُ أعبرُ البراحَ بين «كنيسة المهدِ» و«جامع الفاروق» في «بيت لحم»، أو كنتُ في «حيّ الشيخ جراح» أهشُّ على المرتزقة بيدٍ وأصوّرهم باليدِ الأخرى، لو كنت في «اللّد» و«يافا» و«حيفا» والبرتقالُ يورقُ في عروقي. لو كنتُ ذلك الكهل الذي يحرسُ شجرة زيتون في «الولجة»، لو كنتُ الأردنيّ الذي يخبُّ إلى الحدود رغم أنه لن يعبر، لو كنتُ السيناويّ في «العريش» يشرّع بيته على بعدِ أميالٍ من «رفح» ليستضيف فلسطينيًا، وينالَ الشَّرف. لو كنت فصيلاً صغيراً في لبنان وعندي ثلاثة صواريخ لم أدّخر أياً منها...
لكنّ أكثرنا ليس من هؤلاء، وليس هناك. وأفهم العجزَ وقلّة الحيلة، وأفهم هوانَ الدّم العربي على العرب ومستعمريهم معاً. لكنني لن أتمرّغ في جَلد الذات، ولن أستمرئ البكاءَ العلنيّ، ولن أكتب من عجز.
لن أفعل ذلك تحديداً لأن الأمرَ لا يتعلّق بي، بل يتعلّق بما يحتاج الفلسطينيّ سماعه؛ ذاك الذي أمضى الساعات يستخرج الجثث من تحت الأنقاض في «غزة»، أو الذي خرجَ لتوّه من اشتباكٍ في «القدس»، أو تلكَ التي تبتسمُ لحظة اعتقالها وكأن في الأمر نكتة. الفلسطيني الذي يخوضُ الحرب بجسده المحض، ثم يقرر في لحظةٍ ما أن يستخدم هاتفه، باحثًا عنك، تراهُ يريد أن يسمع بكاءك؟
يحتاجُ الفلسطينيّ أن يحسّك واقفاً إلى جانبهِ كتفاً بكتف، حرفياً وحسيّاً ومعنوياً، رغمَ الجدار العازل وأميال الجغرافيا وخيانات الخونة وتواطؤ السُّلطات. يحتاج الفلسطيني أن يرى أنك تقوم بدورك بصفتك «عقبة»، أنك جندي آخر في جيشٍ افتراضيّ مليونيّ يجتاحُ العالم، أنّك جزءٌ من تلك القوة الناعمة التي ترتعدُ منها السُّلطات..
يحتاج الفلسطيني أن يرى بأنّك موجود من أجله، حبًا به، لا للتنصّل من إحساسك بالذنب. أنَّ ما تكتبه هو عنه لا عنك. عن بطولته لا عن قلة حيلتك، عن شجاعته لا عن عجزك.
عزيزي المواطن العربي، قبل أن تكتب شيئًا عن فلسطين فكّر في الفلسطيني الذي سيقرأ؛ تخيّل ما يحتاج سماعه وقُله، الأمرُ فعلًا بهذه البساطة.

فخري رطروط (شاعر فلسطيني)
حين كان طفلي الياس في السابعة من عمره، كان يدرس في مدرسة دولية في ماناغوا، فيها أطفال من كل جنسيات العالم.
في صف الياس طالب اسرائيلي، في حصة الجغرافيا كانت خريطة العالم مفرودة على الحائط، على الجانبين أسماء الطلاب وأعلام بلادهم، كل طالب عليه أن يوصل بخط بين اسمه وعلم بلده ومكان بلده على الخريطة.
الجميع رسم خطاً بين بلده وعلمه واسمه، بما فيهم الطالب الإسرائيلي.
وقف الياس والصف والطلاب والمدرسات ومديرة المدرسة السويدية أمام خريطة العالم، الكل يبحث عن فلسطين، لم يجد إلياس وطنه، بدأ في البكاء، عاد إلى البيت محطماً، ويصرخ: أين وطني؟
في اليوم التالي اتصلت بنا مديرة المدرسة:
مرحباً، أنا مديرة المدرسة، وأنا سويدية، عمري ٧٠ سنة، هزّني ما حصل مع طفلكم، منذ زمن طويل وأنا أسمع عن القضية الفلسطينية، لأول مرة أجد نفسي ملزمة ومهتمة بمعرفة المزيد عن هذه القضية، أريد زيارتكم..
هذا ما حصل، بعد زيارتها، نظمت المدرسة يوما كاملا للتعريف بفلسطين، وبمشاركة السفير الفلسطيني في ذلك الوقت محمد سعادات الذي أغرق المدرسة بالأعلام والقمصان والميداليات والهدايا والطعام الفلسطيني.

محمد الأمين الكرخي (شاعر عراقي)
انا عراقي فارسي وانتمي لكل من تم تهجيرهم من ارضهم قسراً.. من هذا المنطلق أنا فلسطيني ليس من باب الموقف انما من باب الانتماء.

طارق الطيب (روائي سوداني-مصري)
الموقف عندي تجاه القضية الفلسطينية منذ الأزل، موقف مؤيد ومؤازر للحق الفلسطيني بعودة أرضه المغتصبة، وموقف مضاد للهيمنة ليست الإسرائيلية فحسب بل السياسية الغربية المتناقضة بشكل عام.
عشت شطراً من طفولتي في العريش حيث كان والدي يعمل في حرس الحدود المصري. جيراننا وأصدقاء أبي من السودانيين والفلسطينيين والمصريين وصديقات أمي على الشاكلة نفسها.
في حرب 67، عاد أبي على قدميه وكان ضمن من أنقذوهم قبل الموت بلحظات بعدما تشتتوا في سيناء قبل أن تهجم عليهم الدبابات من البحر. أبي المحب للسودان بلده الأصلي ولمصر بلد الإقامة والعمل والحياة. أما قضية فلسطين فلم تغب عن الأحاديث أو التأييد ولم تخفت يوماً، وكل هذا الإرث الطبيعي لم يغِب عن وجداننا ولن يغيب.
هذا الثلاثي الدائم مصر والسودان وفلسطين بقي في القاهرة منذ مولدي في أواخر الخمسينيات وحتى اليوم.
مشاركاتي على الصعيد الأكاديمي بصفة خاصة هنا في النمسا لم تتوقف، وهي باللغة بالألمانية التي أراها أكثر اثراً وقيمة من أن أكتب بالعربية للعرب. حديثي مع كثير من أصدقائي وصديقاتي في النمسا -من غير العرب- باللغة الألمانية عن كل قضايانا وهمومنا وأولها قضية فلسطين الأساس. وأظن أن هذا أوقع وأهم بكثير من أن توجه بالعربية.
آخرها هو إدراجي في بداية آذار (مارس) من الفصل الصيفي مجموعة كتابات لم تكن في المنهج لغسان كنفاني تحديداً، وقبل تصاعد الأحداث مؤخراً. حادثت الطالبات والطلاب عنه وعن دوره وعن إدوار سعيد في أوائل شباط (فبراير)، وهذه ليست بطولات أو استعراضات، وإنما أدب حقيقي وفلسفة أكاديمية من الطراز الأول. موعدنا مع غسان كنفاني الشهر القادم، وقد أضفت كتّابا من دول عربية أخرى مثل سوريا والسودان والمغرب والجزائر وغيرها، رغم أن المنهج الأساسي عن الأدب المصري.

فاتنة الغرة (شاعرة فلسطينية)
«ادعيلنا يا عمتو...
من 5 الصبح صاحيين قصف ورا قصف زي المجانين الصوت مش طبيعي ورانا وقدامنا دمروا اشياء كثيره غزة زي شبح صارت»
كلام ابنة اخي الآن لي رداً على سؤالي «كيف أنتم».
أهلنا يا رب...

فخري صالح (ناقد فلسطيني)
أنا من بلدة فلسطينية اسمها «اليامون»، تقع غرب مدينة جنين، في الطريق الواصل بين جنين وحيفا. أراضي جدي لأبي استولت عليها الدولة المغتصبة المارقة عام 1949، في ما يسمى «تعديل رودس»، وأقامت عليها وعلى الأراضي الأخرى المجاورة كيبوتس، أي مستعمرة تعاونية صهيونية. هكذا استولى هذا الكيان الغاصب على معظم أراضي الفلسطينيين. وهذا ما يفعله الآن في القدس والضفة الغربية، والشيخ جراح. إنهم يغتصبون أرضنا ويدعون أنها لهم. عصابات لصوص تسرق وتقتل وتدمر. أو لا يحق للفلسطينيين أن يقاتلوا ويدافعوا عن أنفسهم وأرضهم بكل أشكال المقاومة؟

خالد جمعة (شاعر فلسطيني)
تخيّل، ليس فقط انهيار بيتك نتيجة القصف، وأن أولادك تحت ركام 4 طوابق، ويقومون بالاتصال بك على هاتفك الخلوي «الحقنا يا بابا»، اعطني عقلك إذا ظل عندك عقل....

تغريد عبد العال (شاعرة فلسطينية)
أحاول أن أدخل إلى الصورة لأكون في مكاني الذي سمعت عنه في الحكايات، لكن الصورة أكبر من حدودها الصغيرة، الصورة هو نحن في أي مكان كنّا، فها هي تتلون وتكبر لتصبح حدود فلسطين كبيرة جداً.

شيخة حسين حليوى (روائية وقاصّة فلسطينية)
الإعلام «الإسرائيليّ» يتحدّث عن فشل الدعاية «الإسرائيليّة» في الخارج رغم الموارد الماليّة والبشريّة الّتي يتمّ الاعتماد عليها. الحديث يتمحور حول الأسلوب وفشلهِ، طبعاً من دون أيّ كلمة عن المضمون لإنّه فارغ.
أن ينشر النتن فيديو دعائيّاً يقول فيهِ: تخيّلوا أنّ هذا يحدث في لندن، أو باريس أو...
فيردّ عليه صحافيّ يهوديّ أميركيّ: باريس ولندن لا تحتلّان شعباً منذ عشرات السنين!

عباد يحيى (روائي فلسطيني)
يعني من أيام ومع وفرة الفيديوهات من القدس وكل فلسطين، أفكر في تبدلات هذا الصراع وصوره.
طالما حاول الصهاينة تصويرنا كفلسطينيين وكأننا نسخ مكررة من متطرفين، رجال جهم بملابس قاتمة متشابهة ووجوه مشعرة، صورة قريبة لتصورات الهمجي في عين الأوروبي الأبيض المتنور. وتصوير المجتمع الصهيوني الاستطاني كمجتمع حديث متنوع يشعّ بياضاً.
مشهد الأيام الماضية هو العكس تماماً، مجتمع فلسطيني غني ومتنوع، بهيئات متباينة تعكس طيف قناعات واسع، فتيات ونساء في الصدارة، شباب غير قابل للتنميط، ومسجد وصلاة فيها أكثر من الدين بكثير، ويجتمع كل هؤلاء على مشترك سياسي واع.
وعلى الجهة الأخرى نسخ مكررة من متطرفين صهاينة مستوطنين، أشكال مكرورة لا تميّز منهم فرداً، اللباس واحد والهيئات واحدة، هيئة اليهودي الصهيوني المتطرف بكل تنميطاته التي لا تجد شخصاً واحداً يشذ عنها، بملابسهم وخيطانهم وسوالفهم ولحاهم يتحركون كأنهم جماعة من عصور غابرة بلا إرادة ولا حق.

مروان علي (شاعر سوري)
لي في فلسطين
ألف صديق
لي هناك
شجرة برتقال كردية
هاجرت من الحبِّ
وشمس صغيرة
تركها صلاح الدين
خلفه
كي نعود إليها.

عبد الرحيم الخصار (شاعر مغربي)
الوضع الطبيعي للكاتب والفنان، المفرد والأعزل، هو أن يكون في الصف الفلسطيني. أي اختيار آخر هو انتماء صريح إلى الخيانة.