يشتغل بيار بايار (1954) في منطقة نقدية استثنائية. لا يتردّد في اقتحام حقول الألغام، ووضعنا في مهبّ أسئلة جديدة تصب في مديح الاختلاق واعتباره امتيازاً لا عيباً. بعد كتابَيه «كيف نتحدّث عن كتب لم نقرأها» (2007)، و«كيف نتكلم عن أمكنة لم نزرها؟» (2012 ــ دار مينوي- باريس)، يجازف مرّة أخرى في الدفاع عن الأكاذيب التي يبثها كتّاب السيرة الذاتية والروايات الوثائقية وخرافات الحياة اليومية، معتبراً أن تزييف الحقائق ضرورة أدبية. في كتابه «كيف نتحدّث عن وقائع لم تحدث؟»، يتساءل عن جدوى عالم موثوق وموضوعي بدون أكاذيب: «ألن يكون في النهاية عالمٌ بلا أدب، من دون فلسفة، وبلا خيال؟». هكذا يتعقّب نصوصاً كانت إلى وقتٍ قريب- بالنسبة إلى القراء- وثائق دامغة، أو وقائع حدثت فعلاً، خصوصاً أن أصحابها يتمتعون بمصداقية عالية. عملية فضح الأكاذيب هذه لا تأتي من موقع الضد، إنما لتأكيد ضرورة التوابل التي يضيفها الكتّاب إلى سردياتهم، وأهمية وجود مثل هذا الفلفل الحار في متنها. العملية هنا مزدوجة، فهو من جهة يقتفي أثر النص الأصلي بقصد تمجيده، والدفاع عن خيارات كتّابه في مواجهة أولئك «المشاغبين» الذين يفتشون عن الحقائق الصرفة، والإطاحة بكل ما هو متخيّل، ليس في النصوص وحدها، وإنما في «أكاذيب الحياة اليومية» أيضاً. ينافح أستاذ الأدب في «جامعة باريس الثامنة»، والمحلّل النفسي عن وقائع تبيّنَ لاحقاً بأنها لم تحدث بالطريقة نفسها التي رواها أصحابها، تحت بند «الحاجة الملحّة إلى تصنيع الخيال». ثم لماذا نخسر ثمار الخيال طالما أنها تضيف السعادة إلى البشر، فالكائن، حسبما يقول، ليس لغة فقط، بل هو كائن سردي يحتاج إلى كتابة وتلقّي القصص، وتالياً حق المرء في الحديث عن وقائع لم تحدث بعد والتعبير عن رأيه فيها، وتبرئة الحكّائين من تهمة تزوير الحقائق، والدفاع عن حقهم في سرد الحكايات بصرف النظر عن النهج الذي يسلكونه في الحكي. يستهجن بيار بايار الضجة التي أثيرت حول السيرة الذاتية التي كتبتها ميشا ديفونسيكا بعنوان «البقاء على قيد الحياة مع الذئاب»، ومواجهتها في حجم التلفيق الذي مارسته الكاتبة في رواية سيرتها. حتى إنّها لن تتردد ــ خلال رحلة هروب طفلة يهودية من بروكسل إلى أوروبا الشرقية مشياً على الأقدام، بحثاً عن والديها اللذين انتهيا في أحد المعتقلات النازية ــ بالعيش في غابة بصحبة ذئبة: «لجأتْ إلى الغابة، فرأت كلباً كبيراً تبعها فترة وجيزة، ثم تبيّن بعد ذلك أنه ذئب، أو على وجه الدقة، ذئبة. أطلقت الفتاة الصغيرة على الذئبة اسم ريتا، تيمناً باسم أحد كلاب جدها. قامت الذئبة برعايتها وصارت تذهب للصيد وتحمل إليها بعضاً مما تصطاد، وعملت على حمايتها في الليل وهي نائمة ملتصقة بها، وعلَّمتها بأناة ما يحكم مجتمع الذئاب من قواعد وأعراف». لاقى الكتاب إقبالاً من ملايين القرّاء، واستهجاناً لدى المتخصّصين في المحرقة لجهة الخطأ في التواريخ، والأمر ذاته بالنسبة إلى المتخصّصين في شؤون الذئاب، ثم اتسعت دائرة الفضيحة عندما كشف التحقيق أن ميشا ديفونسيكا ليست يهودية في الأصل، وقد سطت على سيرة ليست لها ونشرتها باسم مستعار. يفرّق بيار بايار هنا بين «الحقيقة الذاتية»، و«الحقيقة الواقعية»، وينتصر للأولى، معتبراً إياها انتصاراً للمخيّلة، و«للجنون التأويلي» في المقام الأول قائلاً: «لنعتبرْها واحدة من قصص الجنيات، ونكتفِ ببهجة السرد، بعيداً عن أروقة المحاكم». سيقع جون شتاينبك تحت وطأة اختلاق آخر. في مطلع ستينيات القرن المنصرم، اكتشف صاحب «عناقيد الغضب» بأنه لا يعرف أميركا جيّداً، فقرّر أن يقوم برحلة بين المدن الأميركية بشاحنة تحمل بيتاً متواضعاً وخدمات بسيطة، أطلق عليها اسم «روسينانتا» كتحية لسرفانتس. وكي يسلّي وحدته اصطحب كلبه معه. هذا ما سنجده في كتابه «رحلاتي في أميركا». بعد نصف قرن، قرّر الصحافي الأميركي بيل ستايغروولد اقتفاء أثر شتاينبك والأماكن التي عبرها، وفقاً لخط الرحلة الأسطورية، فكانت المحصّلة حفنة من الحقائق المزيّفة، أولاها أنه كان برفقة زوجته، وأن كلبه «تشارلي» صاحب دور ثانوي في الرحلة. كما أنه كان أثناء استراحاته يذهب إلى فنادق مريحة، وليس إلى الشاحنة كي ينام، كما كتب، بالإضافة إلى اختلاقات أخرى تتعلّق بأماكن لم يزرها، وببشرٍ لم يقابلهم. يجيب صاحب «تحقيق حول هاملت» مفنداً أسباب شتاينبك في تزييف وقائع رحلته بأن ما حدث هو خيار أدبي هدفه وصف أميركا على نحوٍ آخر أكثر تأثيراً وغرابة.من جهته، سيدوّن شاتوبريان وقائع رحلته إلى أميركا، وفقاً لأهواء المخيّلة: كان يحمل رسالة توصية من الماركيز لارويري إلى الرئيس الأميركي جورج واشنطن، لكنه في الواقع لم يتمكن من مقابلته بسبب مرضه، فسلّم الرسالة إلى الخادمة، إلا أنه حين كتب مذكراته عن هذه الرحلة، ادعى أنه قابل الرئيس وتحاور معه طويلاً حول «الأمة الأميركية»، و«الثورة الفرنسية»، ثم دعاه في اليوم التالي لتناول العشاء معه. في ملف تلك الفترة، لم يجد ريمون لوبينغ خلال مراجعته وثائق تلك الفترة أي أثر للمقابلة المزعومة، لأن شاتوبريان بعد تسليمه الرسالة إلى الخادمة، سافر في صبيحة اليوم التالي إلى مدينة أخرى. والواقعة الحقيقية الوحيدة أن شاتوبريان تمكّن من رؤية الرئيس عن بعد، أثناء مروره في عربة تجرها أربعة جياد، وسيخترع حكايات غرامية لم تحدث، ربما لتعويض خسائره الحقيقية بما يخصّ العاطفة، بالإضافة إلى تحسين سيرته الذاتية مسوّدة وراء أخرى. مرّة ثالثة، يبرّر المحلّل النفسي الفرنسي الأسباب التي دعت هؤلاء إلى صوغ وقائع لم تحدث، لمصلحة «الحقيقة الأدبية» التي تحتاج دوماً إلى اشتعال المخيّلة بما يغري المتلقي بمتابعة القراءة: «ما يهمنا في نظرية شاتوبريان هو الأثر الذي يشعر به القارئ، مثلما كانت النتيجة المرئية وحدها هي التي تهمُّ المهندسين المعماريين الإغريق» يقول. الكارثة الكبرى في التزييف سنجدها في «الأعمال الكاملة للشاعر سان جون بيرس». في عام 1972، ارتأت دار «لابلياد» الباريسية، طبع الأعمال الكاملة للشاعر بإشرافه شخصياً، فوجدها فرصة استثنائية لتنظيف سيرته من الأعشاب الضارة بشطب كل ما لا يليق بسيرة شاعر ودبلوماسي، بتطعيمها وقائع لم تحدث. وإذا به يتحوّل إلى شاعر رؤيوي ببصيرة حادّة، إلى درجة التنبؤ بثورة أكتوبر 1917 حتى قبل أن يعرف أحد من هو لينين الذي كان يقيم في سويسرا حينذاك، وليس في موسكو، كما بدا في رسالةٍ أخرى، كأنه خصم لدود لهتلر. أكثر من ذلك كتابة رسائل جديدة بتواريخ قديمة (!). هنا لن يجد بيار بايار دفاعاً قوياً عن سلوكيات الشاعر، مكتفياً بالقول: «لا شك في أن مسألة صورة الذات هذه هي الأكثر أهمية لكاتب مشهور مثل سان جون بيرس، الذي من الواضح أنه مهتمٌّ بالتحكُّم بتصورات حياته المزدوجة، الأدبية والسياسية، فيزيل منها التناقضات، ويحتفظ بما يسمح له من إعلاء شأنه في نظر الأجيال اللاحقة». تبريرات أخرى سيلجأ إليها في قراءة سيرة ليوناردو دافنشي وفقاً لتصورات فرويد عنه، وكذلك مذكرات أناييس نن. يختتم بيار بايار مرافعته عن أصحاب المخيّلات المشتعلة بضرورة إعلاء شأن الخيال كفعل ديمقراطي، وقيمة أساسية، وإحباط أي محاولات رقابية لإجهاض عمل الحكّائين، صنّاع الدهشة، أولئك الذين يروون تاريخاً مضاداً قابلاً لأن يحدث بمجرد تدوينه أو النطق به.
هنا مقطع من كتابه «كيف نتحدّث عن وقائع لم تحدث» (2020) الذي يصدر قريباً بالعربية (ترجمة قاسم المقداد) عن «دار نينوى»

هذيان أناييس: مذكّرات مزدوجة
يستحيل تقديم لوحة شاملة عن الحياة العاطفية لكاتبةِ مذكراتٍ شخصيةٍ مثل أناييس نن بسبب ما يكتنفها من تعقيد؛ لكن قراءة مذكراتها، والسيرة التي خُصَّت بها، من دون مجاملة، ديردر بير، تتيح لنا تكوين فكرة عنها. تقدم لنا فترة ما بين الحربين مثالاً نوعياً على هذا التعقيد. كانت أناييس متزوجة من المصرفي هوغ غويلر، ثم التقت هنري ميللر وارتبطت معه بعلاقة غرامية مُحتدمة لسنوات نجمت عنها مراسلات شهيرة. لكن خلال السنوات نفسها، تعلّقت بفنان لاجئ إلى فرنسا من بيرو مع زوجته غونزولا موريه التي ارتبطت معها أيضاً بعلاقة عاطفية طويلة. في الفترة نفسها، خضعت لتحليل نفسي لدى رونيه الليندي- مؤسس «جمعية باريس للتحليل النفسي»- عاقدة النية على إغرائه، فأصبحت عشيقته. كان الليندي يُذكّرها بوالدها يواكيم نن الذي هجر عائلته وهي في عزّ شبابها، لكن الأب عاد للظهور فجأة، فكان لظهوره هذا وقع الصاعقة عليهما، فأصبحا عاشقين. أهملت أناييس الليندي، وتعلّقت بمحلل نفسي آخر هو أوتو رانك فعلّمها التحليل النفسي وساعدها على افتتاح عيادة خاصة في نيويورك لفترة من الزمن.
هذه الخريطة المختصرة لحياة نن العاطفية خلال فترة ما بين الحربين، لا تهتم بالغراميات العابرة ولا بالعلاقات المثلية ـــ ولا سيما مع صاحبات عشاقها ــ التي بقيت حذرة في التصريح بها. هذه الطوبوغرافيا الغرامية لا تهدف إلى الكمال، بل تسعى فقط إلى وضع الديكور وتوضيح الصعوبات التي واجهت نن طيلة حياتها، سواء من أجل تنظيم حياتها العاطفية، أو القيام بعملها ككاتبة على نحو أفضل في الوقت نفسه. هذه الحياة العاطفية المركبة اضطرت نن، بحكم الظروف، إلى الاستمرار في اختلاق حكايات خرافية موجهة إلى أصحابها: «أستيقظُ صباحاً وأنا أغنّي لأني أعرف بأنهم ناموا بعمق، تهدهدهم أكاذيبي، أكاذيبي الدائمة الجميلة؛ أكاذيب ضرورية، مُختلقة، أو أشبه بحكايات الجنيّات». إن حياة عاطفية مشوّشة كهذه تتطلب وضع لوجستيات متطورة، ولا سيما في مجال الكتابة. بعدما اكتشف زوجها مذكراتها الخاصة التي تبوح فيها بخياناتها، قالت له نن من دون أن يعتريها الاضطراب إنها مذكرات مُتخيّلة: «ما قرأته ليس سوى مذكراتي المتخيَّلة. كل ما فيه اختلاق، لكي أشكل كل ما لا أعيشه – صدقني، أنا وحش، لكن في الخيال فقط. يمكنك قراءة المذكرات الحقيقية حينما تريد». هكذا وجدت نن نفسها مضطرةً، كي لا تكشف نفسها، إلى كتابة مذكرات ثانية موازية بعدما حذفت منها قبل ذلك، جميع المقاطع التي تدينها. مذكرات تمنحها إمكانية الكذب كما يحلو لها، وأيضاً لتكشف في ذهنها عن تنوعها لغويلر بعد موتها، من خلال عرض عدة أشكال عن نفسها عليه. «الشخص الوحيد الذي لا أكذب عليه هو مذكراتي. وقد أكذب من خلال الحذف، من باب العطف. ويبقى الكثير مما سأحذفه. الحقيقة موجودة في المذكرات. وكل ما يوجد خارجها عبارة عن هذيان. [...] أتشبث بهذه الحقيقة المكتوبة يوماً بعد يوم. وإلا سأصبح ضائعة، ضائعة، ضائعة». بناءً على ما سبق، فإن التوزيع واضح بين الأكاذيب اليومية الناجمة خلال المحادثات والموجهة للزوجين والعشاق، وأصالة المذكرات المكتوبة، التي حرّرتها لنفسها لتحاشي الضياع في تعددية انعكاساتها الشخصية. ربما تهدف المذكرات، من هذا المنظور، إلى تقليص التعددية النفسية، وتنوّع الأكاذيب عبر خلق مكان مثاليّ يختفي فيه الانشطار، وحيث يمكن أن ينشأ شكلٌ من الحقيقة عن الذات. في الواقع، هذه المذكرات أبعد ما تكون عن وعاء يتضمن حقيقةً كاملة. فضلاً عن هذا، رأينا أن نن تكتب أحياناً عدة مذكرات في الوقت نفسه: «إن متّ يوماً وقُرئت النسختان من المذكرات، من منهما أنا؟». إنه من العسف مقابلة حياة نن الخاصة، بوصفها فضاء للتزييف، بالمذكرات المعروضة باعتبارها مكاناً لقول الحقيقة. لأنها في الواقع، موضوعُ بناءٍ مستمر. وقد بيّنت ديردر بير أن المذكرات لم تكن بمأمن من الاختلاقات اليومية، بل تخضع لتعديلات كانت تجريها عليها نن عبر السنوات وتبعاً لتطوراتها. هذا العمل الذي قامت به لإعادة صياغة مذكراتها قادها إلى إتلاف الكتابات الأصلية، باعتبار أن كل نسخة جديدة ستكون النسخة الأولى. وهكذا، فإن قارئ المذكرات الذي يفترض أن يكون، خلافاً لعشاقها، الوحيد المالك للحقيقة مخدوعاً بعُدة مغرية، بُنيت وفقاً للمبدأ نفسه الذي بنيت عليه الخرافات التي تغذي بها المقربين منها كل يوم. ما تُبيّنهُ مذكرات أناييس نن، التي يفترض أن تكون المكان الطوباوي لإعادة التجميع، يكمن في الصعوبة الكبيرة في تثبيت صورة ذاتها هذه أمام الأجيال القادمة، وهي الصورة التي حاول سان- جون بيرس تثبيتها عن ذاته من خلال اختراع شخصية داخلية. ومحاولة تثبيت هذه الصورة يعني الاضطرار إلى إعادة كتابة لا تنتهي، لأنه لا يمكن لأيٍّ من هذه الحقائق العابرة أن تكون قادرة على منح شعور مُلَطِّف للتعايش مع الذات.
يتعقّب نصوصاً كانت وثائق دامغة، ويفضح «أكاذيبها»، معتبراً إياها التوابل التي يضيفها الكتّاب إلى سردياتهم


هذا العجز في اللغة وما ينجم عنه من ألم يقودان إلى افتراض وجود قوة لا واعية في داخلنا تحرّضنا على العودة الدائمة إلى ماضينا، القريب أو البعيد، في محاولة منا لإضفاء شكلٍ مؤقت من التجانس عليه. وتشبه عشرات آلاف الصفحات التي تتكوّن منها مذكرات نن، صور المراسلات المتخيّلة التي وضعها بيرس لنشاطنا الداخلي اليومي من أجل ترتيب حياتنا الماضية. إنها تبيّن ما يمكن تسميته الغريزة السردية وهي بصدد العمل، والتي تعيننا على تحمل حركيّتنا النفسية عبر حقنها بالتجانس والمعنى، كما يفعل المسرود الواضح للحلم عند الاستيقاظ. هذه الحاجة الملحة إلى القصّ - سواء طُبِّقتْ على النهار الفائت أم على السنوات المنصرمة - تعد دافعاً أساسياً لعمل نفسيتنا، التي يعود إليها الفضل في حمايتنا من التشتّت.
لا شك في أن هذه الغريزة ــ التي تُفضَّلُ إضافتها إلى قائمة الغرائز الفرويدية الأساسية ــ لا تنحو في جوهرها إلى الاختلاق. لكنها ملائمة بسبب استحالة إدخال عدد الأحداث وتنوعها في اللغة، لما تقدمه أوهام الخيال من صورة مقبولة للأحداث المبعثرة التي تتكون منها الحياة.
من دون افتراض وجود هذه الغريزة السردية ـ التي نراها تعمل منذ الطفولة والتي لا يصحُّ اختزالها بالكذب ــ يصعب فهم جميع هذه المسرودات الوهمية التي تُبهجُ بها شخصيات هذا الكتاب جمهورها، من خلال انضمام هذا الجمهور المتواطئ في أغلب الأحيان، وهو مسرور بوحدة الواقع هذه التي تريح النفس.
وفي حال كانت نن ترى نفسها شخصية مجزّأة، فالأمر نفسه ينطبق على الرجال الذين تشاركهم حياتهم، والذين نخطئ إن وصفناهم صادقين كلياً في مقابل كذبها. وتالياً ما كان للحياة العاطفية المتعددة، كالتي عاشتها أناييس نن أن تكون لولا تواطؤ أولئك الذين يفترض أن يكونوا مخدوعين. والاحتمال قليل جداً في أن يكون مختلف أزواج نن وعشاقها يجهل بعضُهم وجود بعض لفترة طويلة، مع وجود هذه المتناقضات، والاستخدامات غير المعقولة للزمن. وهكذا، لا يمكن للغريزة السردية أن تنتشر بكل قوتها، من دون أن تصطدم بالحذر أو العداء إلا لأنها تلاقي جمهوراً متسامحاً لدى ناشري المسرودات، غير عابئين بأن يقدم أحد لهم النصيحة فعلاً، لأنهم متشبّثون براحتهم النفسية، وببهجة الوهم الخلّاق.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا