لا تتقلّص السبل المؤدّية إلى بلاد الرافدين في مؤلّفات ودراسات شاكر لعيبي (1955). مع ذلك، فإن حصر عمله بإرث تلك المنطقة وحدها، قد يبدو مجحفاً بحق الباحث والشاعر العراقي الذي أوغلت أبحاثه في مواضيع لا تُحصى في الفن الإسلامي منها أطروحة الدكتوراه «الفنّ الإسلامي ــــ سوسيولوجيا الفنان الغُفل» (صدرت بالعربية أخيراً عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر). واصل لعيبي النبش في العمارة العربية وأساليبها، وفي الخط العربي، والأيقونات الدينية، وتأثرات الفنون الغربية ومدارسها بالإرث الإسلامي وموضوعات وإشكاليات صنعت تجربته البحثية الغزيرة.
تصوير مجد بن محمد

أرخت بلاد الرافدين وإرثها الفني والثقافي الغني بظلالها على عدد من مؤلفاته، أبرزها «المُستحمّات في ينابيع عشتار» (دار المدى) الذي ركّز على تقاليد الأعراس في العالم العربي من خلال دراسة لأشعار الاستحمام العشتارية ورمزياتها الظاهرة في القصائد العربية، مقارناً كذلك بين منحوتات الرافدين والمنحوتات المصرية والتفاوت الجذري في تمثيلاتهما للمرأة. ما زال لعيبي يرفد المكتبة الفنية والتراثية العربية من خلال مجموعة من العناوين الجديدة، بدأت تصدر تباعاً منذ نهاية العام الفائت، عن «دار خطوط وظلال»، منها مؤلّفات قديمة تعيد الدار نشرها للمرّة الثانية. انطلاقاً من الإرث السومري، يرجع إلى مراحل أولى من تاريخ الفن، وتحديداً إلى فترة ظهور فن البورتريه في مؤلّفه الجديد «غوديا السومري – اختراع فن البورتريه في تاريخ الفن». يرصد الكتاب ملامح تماثيل غوديا الذي حكم جنوب بلاد وادي الرافدين (2124 – 2144 ق م). هناك تماثيل عدّة لغوديا تقبع في متاحف عالمية بعيداً عن العراق نُفّذت بطلب من الملك نفسه. يستهل لعيبي بحثه من فرضية أن تماثيل الملك السومري تشكّل أوّل بورتريه بملامح حقيقية لشخص عاش حقاً في التاريخ. بعيداً عن تاريخ الفن الرسمي الذي يسقط الكثير من الحقائق والبلدان والأعمال لمصلحة سرديّات سلطويّة، يبحر في هذه الفرضية التي يقرّ بها عدد قليل من الباحثين في السومريات. يتوقّف عند أسلوب النحت الذي لا يتنازل عن ملامح الملك الحقيقية، ولا يؤسلبها. يأتي الكتاب بمثابة حجر جديد في دراسة بلاد الرافدين التي ضاعت لقاها وتشتّتت في المتاحف العالمية، ويضيف إليه لعيبي بحثاً جديداً عن عمارة المنطقة في «عمارة الخراب – الزائل والمؤقت في عمارة بلاد الرافدين». يوضح الكاتب في هذا العمل، أن ما يقصده بمصطلح الخراب ليس بعده الشعري أو الشكلي، إذ يستند في ذلك إلى التعريفات اللغوية العربية، ويحاول التنقيب من خلالها في الهياكل العمرانية ونوافذها وموادها وكلّ عناصرها. علماً أنه مع بداية السنة الحالية ستصدر للعيبي (عن الدار نفسها) دراستان ومؤلّف شعري هو «بيكاسو المالقيّ وفن المستعربين الأندلسيين»، ومجموعة «الطائر يطير، لا ينتظر أحداً» بالإضافة إلى الطبعة الثانية من «المعماري والرسام – هل تأثّر لارديكو بالعمارة العثمانية المتأخّرة؟».