في بداية الصيف الصعب على عروس المتوسط و«باريس الشرق»، وعلى البلد الذي كانت تسكنه الآلهة ويتوجه ملوك الأساطير والعهد القديم إلى غابات أرزه ليصنعوا من خشبها زينة الإيوان والحكاية، من شرفة مطلة على بيروت المنكوبة بالكوارث الاقتصادية وجشع التجار وفساد الزعماء وانتفاضة الشباب المنادين بالتغيير، ووسط عالم مثقل بتداعيات الوباء، يكتب شريف مجدلاني (١٩٦٠) يومياته، من أجل إعطاء شهادة أدبية شخصية على هذه الفترة العصيبة والمزلزلة من تاريخ البلاد. تعمد كاميرا الروائي الى استخدام عوامل التقريب والتبعيد للانتقال من التفاصيل الشخصية إلى الأوضاع العامة، أو تقصّي أثر الأحداث الكبرى في مصائر الأشخاص وأقدارهم. وهي لعبة يبرع فيها صاحب «سيد المرصد الأخير» و«فيلّا النساء» الحائزة «جائزة جان جيونو الكبرى» (٢٠١٥، فرنسا). في كتابه الجديد «بيروت 2020 ـــ يوميات انهيار» الصادر بالفرنسية عن «دار آكت سود» الفرنسية، يطلعنا مجدلاني على تجربته الشخصية في رواية الكارثة، وتجربة عائلته الصغيرة من زوجته المعالِجة النفسية التي تلعب في أحد الفصول البديعة في الكتاب دور المعالج والمريض لتتحرر بالكتابة من هول الصدمة، وأولاده المتطوّعين في رفع الأنقاض، حيث في مشهد سينمائي يكتشفون عيادة لأحد الأطباء لم تُمس منذ أربعين عاماً، أشبه بإحالة إلى الزمن المفقود البروستي، «الزمن الثابت، المتجمّد خارج الوقت التاريخي وقسوته، زمانٌ يأتي الحدث والتاريخ بعنفه ليعكّر صفوه». هذه اليوميات عن تدمير بلاد وتحويلها «من وضعية الأسطورة الى وضعية القيمة التجارية، ومن موطن خيالي للآلهة إلى أرض يتم استغلالها بوقاحة وبلا هوادة» لا تنقصها فسحات من التأمل والطرافة المرّة وإحالات إلى أمزجة أسطورية شعرية في أعمال هوميروس وفولكنر وكلود سيمون وغيرهم، إلى أن يصطدم السرد بساعة «الذروة»: انفجار الرابع من آب وتطاير الأمونيوم من مرفأ المدينة مُحرقاً وجهها الجميل، وإنسانها المرهق وأحياءها التراثية وتاريخها الذي تطاولت عليه الحرب التي تسترجع أسبابها في فساد السياسة وتمزّق الاجتماع والزبائنية والمافياوية، وغياب العدو الواضح الذي كان أثناء الحرب هو الحرب ذاتها. يذهب صاحب «الإمبراطور مترجلاً» بعيداً في الصعود في جينيولوجيا الأزمة، وشجرة نسبها في تاريخ بلد الملل والنِّحل الذي لم يتملص من أسمال الطائفة بعد ليلبس ثياب المدنية والمواطنة. هو حوار حول «بيروت ٢٠٢٠ ــ يوميات انهيار» حيث يتبدّى للقارئ ــــ الذي لا يتصور مجدلاني الكتابة من دون الأفق الخيالي لهذا القارئ ـــــ تشابهَ ظروف المحنة على اللبنانيين بكل أطيافهم، وحديث حول الكتابة والاجتماع والسياسة التي قد نختلف في «كلمات» مع صاحب «البيت الكبير» في وصف بعض مكوّناتها و تفاصيلها. ولكننا نذهب معه إلى الحد الأقصى في دعوة إلى حوار طويل وعميق بين مكوّنات الشعب لصياغة هوية وطنية مشتركة. مهمة صعبة لكن ممكنة للخروج من «المرويات والأساطير المثالية والطهرانية التي تتنكر بثوب التاريخ»، وإدارة البيت الكبير بمنازله الكثيرة بما يليق به من النزاهة والكفاءة والتسامح والحكمة.
إلى من يتوجه شريف مجدلاني في «بيروت ٢٠٢٠»؟ هل هي يوميات حميمة في زمن الأزمة أو إلى قارئ «آخر» ليفهم معاناتنا؟
- كما في كل أعمالي، تتجه هذه اليوميات بداهةً إلى القارئ اللبناني. حتى ولو كانت كتبي تلقى رواجاً أكبر في فرنسا والعالم الفرنكوفوني بسبب وجود نسبة أكبر ممن يقرأون الفرنسية، ومن ثمّ في الترجمات، فإني لا أتصور الكتابة من دون هذا الأفق الخيالي الذي يمثّله القارئ اللبناني. كتابة أشياء غريبة عن عالم هذا الجمهور، تبدو لي نوعاً من المخاتلة، ولا سيما أن تعلّق اللبنانيين بما أكتب يشكل ضمانة كي لا أشذ عن هذا الأفق. بخصوص هذه اليوميات، حاولت أن أجلي وأصوغ عبر تجربة الكتابة ما نعيشه من مِحَن، وأن أرتقي في تكوين هذه الصياغة نحو أسبابها العميقة: كل هذا ضمن هدفٍ شافٍ يخصّ اللبنانيين وحدهم. أن يتأثر كل جمهور آخر بهذا الكتاب، بتجاربنا خصوصاً، فهذا بداهة من دواعي سروري.

«تفاصيل الواقع هذه التي نشعرُ حيالها بالعجز تزعجني وتجعلني في حال من الغضب». نرى في كتابك التفاصيل الصغيرة تتشابك مع الحالة العامة في البلاد. كيف تَعبُر في يومياتك من الخاص نحو العام وبالعكس؟
- في معظم أعمالي، أحرص على أن تتناوب الأحداث المرتبطة بتدفّق الزمن والتواريخ، على الواقع اليومي للبشر. بالنسبة إلى هذه اللحظات التي «ألتقط» فيها المشاهد من الواقع، فقد تحدّث أحد النقاد عن عامل الـ zoom وقد أحببت كثيراً هذا التعريف لكتابتي التي في صميمها يطيب لي الانتقال من الإطار العام نحو أصغر تفصيل في الواقع المُعاش. إنه إذن، وبطريقة ما، ما أكرر فعله في هذا الكتاب، حيث كان هدفي منذ البداية أن أنسج يوميات تتأرجح ما بين كتابة الواقع والجذور التاريخية للكوارث التي جعلت هذا الواقع على صورة الكابوس.

تطرح السؤال في الفصل الخامس: «إلى أين في هذه السنوات المئة يمكننا الصعود في جينولوجيا الكارثة؟» هل لديك إجابة أو عناصر تساعدنا في التفكير أمام هذا السؤال الصعب؟
- نعم، والإجابات بشكل أو بآخر، هي في طيات هذا الكتاب. كل شيء يكمن بداهةً في بنية هذا النظام اللبناني وفي ممارسة السلطة في صُلبِه، من المحاصصة الفئوية في الحكم، والممارسة الطائفية في مداها الأقصى في الحياة السياسية. لقد وجد اللبنانيون أنفسهم دائماً أسرى لهذه المنظومة التي منعتهم من الانتقال من شعور بالانتماء الطائفي إلى شعور بالانتماء الوطني والمدني. هذا النظام قد أعاق إذن ولادة حسّ حقيقي بالمواطنة. لقد كانت الحرب الأهلية ضمن جملة أمور من إرهاصات هذه الاستقطابات الطائفية. حين انتهت جولات الميدان، عاد زعماء الحرب أنفسهم إلى تقلّد السلطة. لم يكن ممكناً أن نتوقع منهم معالجة المعضلات التي أودت إلى الصدام. إضافةً إلى ذلك، فقد تصرفوا على النقيض تماماً بأن مارسوا السلطة بتعميق الانقسامات الطائفية في الحكم، والمصادرة المطّردة للدولة لمصالحهم الخاصة، وتحوير العلاقة بين المواطن والدولة ليس فقط نحو صيغة طائفية، وإنما زبائنية ومافيوية. على الأثر، فإن هيمنتهم الشاملة والمطلقة على الدولة، من دون حدّ أدنى من الرقابة والمحاسبة، قد أوصلتنا في النهاية إلى ما نحن عليه الآن.

بركانٌ قد أنذرنا للمرة الثانية ونهز بأكتافنا ــ كما تقول ــ ونزعم أن الحالة كانت دائماً كذلك، إلى أن جاء اليوم الذي جرفَنا. لماذا نفتقد كلبنانيين هذا الحس بالتاريخ؟
ــــ يميل الكائن الحي بشكل عام للنسيان. ولكن حين يكون قد خبِر مقداراً هائلاً من الصدمات، فإنه يتجنّب تكرار هذه الأهوال لحقبة من الزمن. هذا ما حصل خلال الأعوام الثلاثين الأخيرة، حين تجنّبنا، وفي مناسبات عدة، عودة الصدامات المسلّحة. في المقابل، ما يتكرر تحت شكل من التعمية التامة، هي الأسباب التي أودت إلى الصراع. وبهذا المعنى، بالنتيجة، ينقصنا الإحساس بالتاريخ لأننا لم نقرأ الماضي جيداً، ولم نمارس حدّاً أدنى من المراجعة. نعيش دوماً مع هذه المرويات والأساطير المثالية والطهرانية التي تتنكر بثوب التاريخ، بينما نحن بحاجة إلى مراجعة موضوعية، شاقة ولكن ضرورية لماضينا. هذا قد يمكّننا من تجنّب الأخطاء ذاتها.
كان هدفي منذ البداية أن أنسج يوميات تتأرجح ما بين كتابة الواقع والجذور التاريخية للكوارث التي جعلت هذا الواقع على صورة الكابوس


تعطي في الكتاب مثالاً جميلاً عن الشعراء الفُرس الذين يهتمون بحدائقهم بينما يصل الغزاة المغول إلى أبواب تبريز، بينما نرى الشبان في شوارع بيروت يتظاهرون ولا ييأسون البتة. كيف برأيك الخروج بشعب من اللامبالاة تجاه الظلم نحو النضال لنيل حقوقه؟
- يجب أن نبتكر أساليب جديدة في الصراع السياسي، ووسائل جديدة للاحتجاج. تلك التي اختبرناها في تشرين الأول (أكتوبر) وتشرين الثاني (نوفمبر) من عام ٢٠١٩ لم تعد فعّالة. يلزمنا المزيد، ولا سيما برنامج سياسي حقيقي وأفراد يتصدون لحمل رايته وشرحه وإظهار مقدرتهم على وضعه قيد التنفيذ في اللحظة المناسبة. هذا ما ينقصنا الآن بشكل مروع، وما يحمل الناس على الشعور بأنهم في ورطة، بفعل التكرار نفسه للأفعال ذاتها، والتظاهرات نفسها، وعلى ترداد ما ينتهي بكونه شعارات جوفاء.

في أحد أجمل فصول الكتاب، تلعب نايلة (زوجتك) دور المعالج النفسي والمريض في آن معاً. هل القص يشفينا، وكذلك الكتابة؟
- نعم، الكتابة ساعدتني على التماسك أثناء أشهر الانهيار. لقد ساعدتني حتى بصورة أكبر بعد انفجار الرابع من آب. وزوجتي أيضاً خاضت التجربة بأن كتبت معاناتها الذاتية. ومن ثمّ غطّت بالكتابة تجارب الآخرين بعد الانفجار. هذا دليل بالنسبة إلى الجميع، أن نتكلم، ونروي، ونكتب هو أمرٌ أساسي.

في الفصل الـ ٢٤ تقول: «لن تكون كتبٌ مدرسية العام القادم، أو سنعيد استعمال تلك التي لعامنا هذا». هل تعتقد أن أيام الحرب كانت أفضل؟ لم تنقطع معارض الكتب أثناء الحرب وظلّ التعليم مفخرة اللبناني. ما رأيك؟
- إنه لأمر فظيع، وهو ما يتكرر على مسامعنا كثيراً، أن نشعر بأننا كنا أفضل حالاً أثناء الحرب. هذا مرده إلى أننا في تلك الفترة، كان العدو بشكل أو بآخر واضحاً...كان «الآخر»، أو بشكل أعم، كانت الحرب في ذاتها، التي كنا نقابلها بمقاومة مستمرة، ونحاول بكل الوسائل أن نقهرها، وأن نستمر في العيش رغماً عنها وعلى نقيضها. اليوم، العدو مشوّش، ملتبس، يراه كلّ منا في موضع: في المصارف، في الطبقة السياسية، في الآخر. نقف مكتوفي الأيدي حين لا يكون العدو معرَّفاً بوضوح.

تخصّص أكثر من فصل لانفجار الرابع من آب. الفصل الـ ٥٨ مكثّف للغاية: فوضى عارمة من أصوات الضحايا والجرحى والدمار. هل يمكن للكتابة أن ترتقي إلى مستوى الكارثة؟ هل يمكن كتابة الشعر بعد أوشفيتز كما قال أدورنو؟
- أثني على هذا السؤال، الذي عرضته على نفسي بطريقة مختلفة. لقد تساءلت كروائي وما زلت أطرح السؤال، إن كان يمكننا كتابة الخيال بعد انفجار الرابع من آب. لكنّ الأمر يعود لطرح السؤال الوحيد ذاته: بعد حدث كهذا، هل يمكن أن نكتب شيئاً مختلفاً عن الشهادات الحيّة؟ جوابي هو نعم. يجب أن نكتب أشياء مختلفة، شعراً ورواية، من أجل أن نسائل الحدث، أن نأخذ مسافة منه من أجل إعادة المعنى للعالم الذي حصل فيه هذا الحدث، والذي نستمر في السكنى فيه رغم كل شيء.

في أحد الفصول، يعثر الشبان في عيادة لطبيب على أشياء «للذاكرة». هل يقتل توحّش السياسة ماضينا أيضاً؟ هل يمكن أن تشرح لنا أكثر عن مشهد كابينة الطبيب؟
- هذا الفصل هو في غاية الدقة. بينما كان أولادي يساعدون في رفع الأنقاض وتنظيف المنازل بعد الانفجار، تم توجيههم لتوضيب عيادة لطبيب ليكتشفوا أنها ظلّت على حالها، مغلقةً لأربعين عاماً. تم العثور على اكتشافات عديدة من هذا النوع بعد الانفجار. هذا المقطع بالنسبة إلي هو في غاية التشويق لأنه يمثّل كل إشكالية الزمن الثابت، المتجمد خارج الوقت التاريخي وقسوته، زمانٌ يأتي الحدث والتاريخ بعنفه ليعكّر صفوه. إنه إشكالية أتناولها في موضع آخر من الكتاب، وفي ما سبق من الكتب وما سيأتي في قلب العمل المقبل.


تُعتبر من الروائيين القلائل الذين يتناولون بيئة لبنان، وتشويهها قبل الحرب وبعدها. كيف يمكن للكتابة أن تدفع إلى الالتزام في هذا الموضوع؟
- دور الأدب هو أن يصف الواقع، وأن يحلله ويعطي معنى للأحداث والسكنى في الأرض. لكن بوضع الإصبع على إشكالية ما، بعرضها على الملأ، بوصف آلياتها وأسبابها، يمكننا أن نصل إلى نوع من الوعي وأن ندفع إلى نوع من الالتزام من قِبل القرّاء. لكن للأدب وظيفة أخرى. يسهم الأدب، حتى عند الذين لا يقرأونه، في صياغة الطريقة التي نتصور بها العالم ونفهمه. لطالما اعتُبر لبنان بلداً رائعاً، قريباً من السماء وبالتالي من الآلهة، لأن الأدب قد وصفه على هذا الشكل منذ عشرينيات القرن الماضي، واستتبعته الأغنية والمسرح الشعبي، وبخاصة مع الرحابنة. ما أحاول فعله إذن، وهذا ما فعلته في كتب عدة، ومنها «الإمبراطور مترجّلاً»، هو أن أُظهر كيف تحوّل هذا البلد، وبخاصة جباله، من وضعية الأسطورة الى وضعية القيمة التجارية، ومن موطن خيالي للآلهة إلى أرض يتم استغلالها بوقاحة وبلا هوادة. وهذا كله من دون أن تمس الأسطورة في مخيال مواطنينا، ما يخلق هوّة بين استيهاماتنا المثالية للواقع، والواقع نفسه الذي هو بمثابة الكارثة.

كل من في «بيروت ٢٠٢٠» له قصته «الخفية»، من السمكري وأخيه، إلى عامل الكهرباء وصاحب المطعم الذي يحيل اسمه إلى الأساطير الكبيرة. هل الكتاب عبارة عن رواية مصغّرة؟ وهل تحب أن توصف كروائي للتفاصيل؟
- أنا سعيد جداً بأن يعتبرني القارئ أو الناقد روائي التفصيل، والواقع المعاش. كما أسلفت، أحد منطلقات كتابتي هو عامل الـ zoom الذي بواسطته تقترب مشاهد الواقع وتُنذَر للقراءة في التفصيل. في «حيوات ممكنة»، تلبس شخصيتان نظارات فلكية، ولكن بدلاً من سبر الكواكب والسماوات، فإنها تستخدم في تفحص يوميات الأشخاص المحيطة بهاتين الشخصيتين في تفاصيلها الدقيقة، سواء في المدينة أو في الريف.

مقطع «الحمامة والوعل» في الفصل الـ ٣٥ يبدو لي شاعرياً. هل يبدو لك تطعيم الرواية أو اليوميات بشيء من الشعر أمراً ضرورياً؟
- تماماً. تصديقاً لذلك، حين أستخدم عوامل التقريب التي أشرتُ إليها، أرغب بأن يسكن النص في نوع من البرق الشعري. توقُّف السرد والنص الذي يتحول إلى قصيدة، هو أثر أعملُ على خلقه في كلّ كتبي. في «حيوات ممكنة»، المَشاهد التي يقرّبها الأبطال بواسطة النظارة مستلهمة من لوحات القرن السابع عشر. هذا أيضاً نوع من سَكينة النص في نوع من الشعر. مشاهد اليوميات في الكتاب (قبل الرابع من آب) تذهب في هذا الاتجاه.

ينظر قسم معتبر من الشعب اللبناني الى حزب الله كمقاوم محرّر للجنوب ولبنان، ويصفه بعضهم الآخر «ذراعاً سورية-إيرانية». بما أنك تناولت الحزب في أكثر من موضع من الكتاب، هل ترى إمكانية حوار بنّاء معه، على الأقل في المستوييْن الاجتماعي والثقافي؟
- أتمنى بداهةً أن يكون الحوار ممكناً. المشكلة أن كل من لا يتبنون مواقف حزب الله، يشعرون بأن هذا الأخير يتصرف بطريقة مهيمنة، ويفرض وجهة نظره بصلف من دون الأخذ في الحسبان للمكوّنات الأخرى من الشعب، باحتلال الدولة، وأخذ مؤسساتها كرهينة، والتصدي وحده لسياسة لا يرغب بها الآخرون. ما يبعث على القلق، هو الانطباع بأن الحزب وقادته يسعون بشكل خطير الى تغيير طبيعة البلد حتى وهويته. قضية الهوية الوطنية هذه وتعريفها، لطالما كانت نقطة للشقاق بين مختلف مكونات الشعب اللبناني. في كل مرة سعت فئة الى أن تفرض وجهة نظرها على الآخرين، كنّا نتجه الى الحرب. الهوية الوطنية إذن يجب أن تكون موضعاً لنقاشات طويلة، وليس للأمر الواقع، تفرض بواسطة هذا الطرَف أو ذاك. بالنقاش حولها، والمناظرة، يمكننا أن نصل إلى نتائج في غاية الغنى، وفي غاية الأصالة، من أجل إعادة بناء بلد على حافة الانهيار. في المقابل، ثمة إحساس لدى البعض بأن الحزب يعمل وحده على فرض نظرته الى البلد والقضايا بأسرها، وهذا أمر غير مقبول.