تتكئ أليف شافاك في روايتها الجديدة «10 دقائق و38 ثانية، في هذا العالم الغريب» التي صدرت نسختها العربية عن «دار الآداب» (ترجمة محمد درويش)، إلى معلومة علمية تؤكّد أن الدماغ يعمل بعد موت الشخص ما يعادل المدّة الواردة في عنوان الرواية. هكذا تستعيد بطلتها «ليلى تكيلا» في هذه اللحظات الفاصلة، أبرز محطات حياتها، بعد مقتلها. تتسرب الصور والمشاهد خارج حاوية القمامة التي احتضنت جثتها ليلاً.

لن نقع على عتبات للبهجة في سيرة الطفلة التي وُلدت في بلدة بعيدة تخضع لتقاليد ريفية صارمة، إذ يقرّر الأب أن ينزعها عن صدر أمها ويمنحها لزوجته الثانية التي لا تنجب، في تبادل قسري للأدوار، ثم سيغتصبها العمّ في مراهقتها، فتقرّر الهروب إلى اسطنبول للتستر على فضيحتها العائلية، فيلتقطها شاب في محطة على الطريق، ويقنعها بأن تقيم في نزل قريب، لتكتشف بأنها ضحية شبكة دعارة، قبل أن تنخرط بهذه المهنة رسمياً في إسطنبول بصحبة مومسات من بلدان مختلفة. ههنا نتعرّف إلى شخصيات هامشية ومنبوذة تمثّل قاع المدينة المهمل، ولكلٍّ منهم حكايته التي تشتبك مع مصير الآخرين: «سابوتاج سنان»، و«نالان الحنين»، و«زينب 122»، و«حُميرة هوليود»، و«جميلة». في لحظات احتضارها تستدعي صور هؤلاء الأشخاص، كما لو أنهم عائلتها الأصلية، لنكتشف مشهدية مضادة لمدينة اسطنبول في هجاء صريح للقوانين التي تتعلّق بالعنف الجنسي والمثلية واضطهاد البشر المهمشين والأقليات، جرياً على عادتها في روايات سابقة. إذ لم تسلم من اتهامات ومحاكمات جائرة، ما جعلها تغادر البلاد للجوء في بريطانيا خشية مضايقات جديدة. سوف تُدفن ليلى في مقبرة الغرباء، فيقرّر الأصدقاء نبش القبر وإلقاء جثمانها في الماء، بناءً على وصية عابرة من القتيلة، كأن رابطة الماء أقوى من رابطة الدم. تحشد أليف شافاك كلّ ما يتعلّق بطقوس وأعراف وخرافات الأقاليم المهمّشة، بقصد إزاحة الستارة عن طبقات العفن والجهل التي تتحكّم بحياة البشر هناك، مثلما تذيب الألوان البرّاقة عن صورة اسطنبول البطاقات البريدية. سبق أن اتّهمت صاحبة «حليب أسود» بإهانة تركيا بعد نشر روايتها «لقيطة إسطنبول» حين اعتبرت المجازر التي تعرّض لها الأرمن في الحرب العالمية الأولى هي «إبادة جماعية». إضاءة أحوال المومسات وانتهاك حقوق النساء والعنصرية، في روايتها الجديدة (القائمة القصيرة لجائزة المان بوكر 2019)، وضعت أليف شافاك مجدّداً في مهبّ عاصفة من الاتهامات والدعوة إلى محاكمتها بدلاً من تغيير القوانين أو تطويرها، في موجة أخرى من التضييق على حرية التعبير، إذ بالكاد نجد كاتباً تركياً اليوم لا يحمل في سجلّه اتهاماً بتجاوز الخطوط الحمر، وفقاً لرؤية السلطات التركية التي تعمل بعنف على تكميم الأفواه وتضييق مساحة حرية التعبير.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا