يُفترض أن زهرة التوليب تركية الأصل. فقد أخذ الأوروبيون هذه الزهرة البرية من تركيا العثمانية، ثم فعلوا بها الأعاجيب. وبناء على الفرضية السائدة، يقال لنا أيضاً إنّ الاسم توليب Tulip تركي، أتى من الكلمة التركية تولبنت tulbent، التي تعني عمامة. أما أصل الكلمة التركية، فيرجع إلى الكلمة الفارسية دلبند dolband التي تعني «الموسلين الرقيق». بالتالي، فتولبينت التركية كانت في الأصل تعني في ما يبدو: العمامة المصنوعة من الموسلين الرقيق. وحسب هذه الفرضية، فقد سُمّيت زهرة التوليب باسمها هذا لأنّ كأسها يشبه، بشكل ما، العمامة التركية. ولديّ شك عميق في صحة هذه الفرضية بشقَّيها. في ما يخصّ الشق الأول، فالزهرة منتشرة بكثافة في بلاد الشام، التي كانت ضمن الإمبراطورية العثمانية، وكانت تُعتبر عثمانية. بذا فحين يقال إن أصل التوليب عثماني، فلا يعني بالضرورة أنها تركية. فقد تكون من بلاد الشام، ومن سوريا وشمالها على وجه الخصوص. أمّا في ما يخص الشق الثاني، أي الشق الذي يتعلّق بأصل الاسم، فإنني راغب في أن أقترح هنا أن أصل كلمة توليب عربي وليس تركياً، وأنه اسم لا علاقة له بالعمائم والطواقي.

أسماء التوليب الشامية
ولهذه الزهرة أسماء محلّية عديدة في بلاد الشام. لكن غالبية هذه الأسماء تربطها بالغزلان: قرن الغزال، حنّون الغزال، سوسن الغزال، دمّ الغزال، إلى آخره. لكن هناك من يسميها «حنّون التيس». والتيوس، أي الأغنام، هي في نهاية الأمر ظباء مدجنة. أمّا الحنّون في القواميس العربية، فهو الزهر عموماً: «الحَنُّونُ: نَوْرُ كلِّ شجرة ونَبْتٍ، واحدتُه حَنُّونة» (لسان العرب). لكنه في العامية يشير إلى الزهور الحمراء أكثر من غيرها. وهو كذلك في عدد من اللغات السامية. بذا فالأزهار الحمراء تسمّى في اللهجات المحلّية عادة حنوناً أو دحنوناً. وأظن أن ارتباط زهرة التوليب بالغزلان، كما رأينا أعلاه، ليس مصادفة. فهذه الزهرة في ما يبدو على علاقة ما بالغزلان، أو أنها مرتبطة في ما يبدو بإله ترمز إليه الغزلان، أو طراز محدّد منها. فكما أن زهرة شقائق النعمان ترتبط بالإله أدونيس- النعمان، وترمز له، بل وتشتقّ اسمها من اسمه، فليس غريباً أن يكون التوليب مرتبطاً بإله تمثّله الغزلان والظباء.
يدعم هذا أن الظباء الغزلان، أو بعضاً منها على الأقل، تُدعى في العربية «تألب». فالأصمعي يقول إن: «التألب: الوعل، والأنثى تألبة» (ابن سيده، المخصص). يضيف اللسان: «التَّأْلَب: الوَعِل، والأُنثى تَأْلَبة» (لسان العرب). يزيد الزبيدي: «التَّأْلَبُ: الوَعِلُ، وهِيَ، أَي أُنْثَاه، تَأْلَبَةٌ، بِهَاءٍ تَاؤُه زَائدَةٌ» (الزبيدي، تاج العروس).
لكن اسم ولد الظبية ورد أيضاً بصيغة مختلفة قليلاً: تولب. ففي بيت لأوس بن حجر جاء:
تصمت بالماء تولباً جدعاً
وذات هدم عار نواشرها
والشطر الأول يقول إن الظبية تُسكت ابنها بأن تصمته بالماء، فليس لديها حليب تطعمه إياه كما يبدو. إذ التصميت هو إلهاء الصبي بأكل أو شرب ما: «صُمْتة الصبيّ: ما أُسْكِتَ به؛ ومنه قول بعضِ مُفَضِّلي التمْر على الزبيب: وما له صُمْتةٌ لعِيالِه، وصِمْتَةٌ... أَي ما يُطْعِمُهم، فيُصْمِتُهم به. والصُّمْتة: ما يُصْمَتُ به الصبي من تمر أَو شيء طريفٍ» (لسان العرب).
يقول ابن الأثير الأديب تعليقاً على بيت الشعر أعلاه: «فسمّي الظبي تولباً» (المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر). بناء على هذا، فليس من جموح الخيال أن يقترح المرء علاقة لفظية أصيلة وأصلية بين ابن الظبية بصيغتيه تألب وتولب، وعلى الأخص صيغة تولب، وبين زهرة التوليب: (تولب= توليب). ولو صحّ هذا، يكون اسم الزهرة في الأصل: زهرة التولب، أي زهرة الغزال - الظبي. وهذا يعني أنه في منطقة ما من بلاد الشام، وعلى أغلب الاحتمالات في شمال سوريا، كانت الزهرة تسمى باسم: زهرة تولب. وهو ما يعني مواصلة تقليد ربط الزهرة بالغزلان، لكن في هذه المرة عبر صيغة تكشف أصل اسمها. فهذه الصيغة تسمح لنا بتفسير العلاقة اللفظية بين الظبي تولب Taulap وبين زهرة التوليب Tulip.

الإله تألب
يدعم هذه الفرضية أن لدينا إلهاً يمنياً شهيراً يدعى «تألب»، وهو كما نرى اسم مماثل تماماً للصيغة الثانية لولد الظبية (تألب). ولهذا الإله معبد شهير جداً يسمى «تألب ريام». وقد كان هذا المعبد معروفاً في المصادر العربية: «كان لحمير أيضاً بيت بصنعاء يقال له ريام، يعظّمونه ويتقربون عنده بالذبائح» (ابن الكلبي، الأصنام). وأفترض أن بقاياه ما زالت حتى الآن.
والإله «تألب ريام» كان ــــ حسب ويكيبيديا العربية ــــ مرتبطاً بالغزلان. فقد كان يدعى: «سيد مملكة سبأ. ومع توليهم [سبأ] حكم قبائل همدان، صعد نجم إلههم تألب على حساب الأصنام الأخرى. قليلة هي المصادر عن وظيفته في المجمع اليمني القديم. بعض الدراسات ترجّح أنه كان صنماً يرمز للقمر. ولكنّ جزءاً من اسمه يشير للجدي. ووصفته بعض النصوص اليمنية القديمة بـ«سيد المراعي الطازجة» و«سيد الغزلان الصغيرة».
لهذه الزهرة أسماء محلية عديدة في بلاد الشام. لكن غالبية هذه الأسماء تربطها بالغزلان


وإن صح ما نقله موقع ويكيبيديا بشأن لقب «سيد الغزلان الصغيرة»، فسوف يكون في هذا تأكيد على عدة أمور:
أولاً: إنّ لقباً محدداً لهذا الإله يربطه بالظباء الصغيرة بصغار الغزلان، وهو ما شفّت عنه أسماء زهرة التوليب المحلية في بلاد الشام.
ثانياً: إن اسمه، وليس لقبه فقط، يربطه في ما يبدو بالظباء أيضاً. فهو تألب، وولد الظبية تالب وتولب.
ثالثاً: وهذا يفتح الباب أمام اقتراح ربط اسمه باسم زهرة التوليب: تألب = توليب، التي ربما كان اسمها الشامي الأصل «تَوْلَب» أو ربما «تُوْلِب» بالعامية.
رابعاً: بذا فربط التقليد الشامي لهذه الزهرة بالغزلان أبعد ما يكون عن المصادفة. فهذا التقليد عميق القدم في ما يبدو، ويحتفظ بذكرى الإله «تألب ريام» اليمني، الذي لا بدّ أنه كان في وقت ما معبوداً في شمال الجزيرة العربية أيضاً.
وأخيراً لنضِف أن مادة ويكيبيديا تربط الإله «تألب ريام» بالجدي. وقد رأينا كيف أنّ اسماً واحداً يربط زهرة التوليب بالجداء والتيوس (قرين التيس)، أي قرن التيس.
إذن، فثمة دلائل جدية على أن اسم «التوليب» عربي الأصل، وليس له علاقة بالعمائم التركية ولا بالموسلين الفارسي. وإذا كانت هذه الدلائل لا ترقى بعد إلى حدّ التأكيد، فهي على أقل تقدير تكفي لفتح ملف التوليب واسمه من جديد.
ملف التوليب لم يُقفل، ولا يحقّ لأحد أن يقفله بفرضية ضعيفة هي فرضية العمائم.

* شاعر فلسطيني