١- محمد شكريرأى محمد شكري، فيما يرى النائم، أنه في قصر الفرعون تحتمس الثالث، في مصر، من أجل استلام جائزة رع الأدبية، عن روايته «الخبز الحافي». كان الكاتبُ المغربي يتقدم عبر ممر طويل، يصطف فيه عدد كبير من الجنود باللباس الرسمي للحرس الفرعوني. وإذْ بلغَ نهاية الممر، وجد نفسه في قاعة فسيحة، تتدلى من سقفها ثريات بديعة الصنع. ثم رأى تحتمس الثالث واقفاً في وسط القاعة، وعلى رأسه التاج الفرعوني، وبجانبه زوجته نبتو، التي كانت ترتدي ثياباً شفافة، مرصعة بالذهب، وتضع حول عنقها عقداً يخلب الأبصار. كان الفرعون وزوجته يقفان أمام التمثال الذهبي لحورس. وعن يسار التمثال كان يقف سنفر، مدير ثروات الفرعون وحامل أختامه. اقترب محمد شكري من تحتمس الثالث وزوجته نبتو، فلاحظ أن تلك الزوجة الرائعة الجمال ليست في حقيقة الأمر سوى الممثلة المشهورة إيزابيل أدجاني. كان محمد شكري يشعر برغبة شديدة في التدخين، لكنه كان يعرف جيداً أنه لا يمكن إشعال سيجارة في حضرة الفرعون تحتمس وزوجته نبتو.
شيري بيلاسين ـــ «صيّاد الحلم» (زيت على كانفاس ـــ 161.9 × 161.9 سنتم)

٢- إيزابيل رامبو
رأت إيزابيل، شقيقة الشاعر رامبو، فيما يرى النائم، أنها تركب القطار مع والدتها فيتالي، وأنهما متوجهتان معاً إلى مدينة مارسيليا، لاستلام ساق رامبو المبتورة، من مستشفى لاكونسيبسيون. كانت إيزابيل تقول إن الساق المبتورة هي اليمنى. أما الأم - فيتالي - فكانت تؤكد أنها الساق اليسرى. وعندما احتد الخلاف بينهما، أخرجت الأم من حقيبتها زهرةَ لؤلؤٍ وشرعت تنزع أوراقها واحدة بعد الأخرى وهي تردد: - اليمنى.. اليسرى.. اليمنى.. اليسرى.. كانت ابنتها إيزابيل تتابع حركاتها تلك بالكثير من الاستغراب.

٣- أنطون تشيخوف
رأى أنطون تشيخوف، فيما يرى النائم، أنه في الوقت نفسه طفل في السادسة، وشاب في الخامسة والعشرين، وكهل في الأربعين. كان الثلاثة - أنطون الطفل وأنطون الشاب وأنطون الكهل- يمشون بخطى حثيثة، في طريق مكسوة بالثلوج، لا أثرَ فيها لكائن حي. وحده نباح الكلاب كان يتناهى إلى أسماعهم من بعيد، ممتزجاً بعزيف الرياح الباردة. شرع أنطون الطفل يحكي لأنطون الشاب عن القسوة الشديدة لوالده، ثم أجهش بالبكاء. انتهره أنطون الشاب قائلاً: - لا تبكِ، أبي يعاملك بقسوة لأنه يحبك، هذا كل ما في الأمر.. اقترب أنطون الشاب من أنطون الكهل وشرعا يتحدثان عن الكتابة. قال أنطون الشاب: - مشكلتي هي أنني أكتب بسرعة شديدة. أكتبُ القصة بكيفية آلية، كأني صحافي يصف حريقاً مباغتاً في إحدى البنايات. نظر إليه أنطون الكهل عندئذ بنوع من اللامبالاة، ثم أمره أن يسرع أكثر في مشيته: - لماذا تمشي هكذا؟ إن تولستوي لم يبالغ حين قال إنك تمشي مثل فتاة! بدأ أنطون الطفل يشعر بالتعب وبرغبة في النوم. حمله أنطون الشاب بحركة سريعة ووضعه على كتفيه، ثم خاطبه قائلاً: - تلفعْ جيداً بمعطفك ونم على كتفيَّ أيها الصغير. عاد أنطون الشاب يقول لأنطون الكهل: - أما مكسيم غوركي فقد بعث لي رسالة زعمَ فيها أني أكتب عن بؤس الناس ببرود شيطاني. زوى أنطون تشيخوف الكهل ما بين حاجبيه ثم قال: - اسمع جيداً ما سأقوله لك أيها الشاب، فأنا أكثر منك خبرة وتجربة في عالم الكتابة: إذا كان هناك مسدس موضوع في مكان ما، في إحدى قصصك، فمن الضروري أن يقوم أحدهم بإطلاق النار من ذلك المسدس قبل نهاية القصة! عند هذا الحد اختفى أنطون الكهل، وبقي الشاب يحمل الطفل على كتفيه. شرع الصغيرُ يبكي. لم يكن يريد البقاء محمولاً بتلك الطريقة. أنزله أنطون الشاب أرضاً. مباشرة بعد ذلك، اختفى الشاب وترك الطفلَ وحيداً وخائفاً، في تلك الطريق الموحشة، المكسوة بالثلوج، والتي لا أثر فيها لكائن حي. وحده نباح الكلاب كان يتناهى إلى سمعه من بعيد، ممتزجاً بعزيف الرياح الباردة.

٤- فرانز كافكا
رأى فرانز كافكا، فيما يرى النائم، أنه يشتغل بشركة هاراكو للتأمين، في شارع نيرودوفا، بمدينة براغ، وأن المديرة الجديدة للشركة - التي لم يقابلها بعد - أمرت باستدعائه فوراً إلى مكتبها بالطابق الثالث. قبل دخوله المكتب، طلب منه الحارس أن يخلع ملابسه كلها، باستثناء ربطة العنق، وأن يتركها أمام الباب، تنفيذاً للأوامر، فامتثلَ في الحال. فوجئ عند دخوله أنّ المديرة الجديدة هي فيليسيا باور، البرلينية الحسناء، التي عرفَها قبل سنوات في بيت صديقه ماكس برود، ثم صارت خطيبته فيما بعد، قبل أن يقرر إنهاء علاقته بها بكيفية مفاجئة. طلبت منه المديرة أن يقترب أكثر، ثم شرعت تحدق بنوع من الفضول في جسده العاري، وعندما حاولَ إخفاء أعضائه الحميمة بيديه، انتهرته وأمرته بلهجة حازمة أن يُبقي يديه خلف ظهره، ثم عادت تحدق في تلك المنطقة من جسده من خلف نظارتيها الطبيتين. بعد ذلك ناولتْه عدداً من جريدة «ليدوفي نوفيني»، وطلبت منه أن يقرأ ما كُتبَ عنه وعن عشيقته الشابة أمالكا نوفاكوفا. لم يكن باستطاعة كافكا أن يقرأ ذلك المقال دون نظارتيه. كان قد ترك النظارتين مع ملابسه أمام باب المكتب. - حسناً إذن، قالت المديرة، يمكنك أن تمضي إلى قاعة الانتظار لتقرأه بإمعان، وأن تلبث هناك حتى أنادي عليك من جديد. حين غادرَ المكتب، لم يجد نظارتيه حيث تركهما، ولم يجد ملابسه. سأل الحارس عن سبب ذلك، لكنه هزَّ كتفيه بازدراء ولم يجبه. في قاعة الانتظار، لم يكن هناك كرسي فارغ، فلبث الكاتب التشيكي واقفاً وعارياً، وقد ستر أعضاءه الحميمة بجريدة «ليدوفي نوفيني». كان هرمان، والد فرانز كافكا، جالساً هو أيضاً في تلك القاعة. وكان قد جلبَ معه نافذة ذات مصراعين زجاجيين. - تباً لهذا الشقي، قال كافكا في قرارة نفسه، لقد أصابه جنون النوافذ من جديد! كان الأب يمسك النافذة بكلتا يديه، ويضعها قبالة وجهه، فتارة يفتحها ويطل منها على من حوله، وتارة يغلقها، ويخفي وجهه خلفها، دون أن يتوقف عن شتم ابنه بصوت مسموع: - أيها المختل! أيها العاري بربطة عنق! ألا تخجل من وقوفك هكذا في هذه القاعة؟ كان الحاضرون يتابعون ما يحدث دون اهتمام حقيقي. عاد الأب يقول لابنه: - ستأتي والدتك جوليا بعد قليل، وكذلك شقيقاتك غابرييلا وفاليري وأوتيلي، لأن المديرة ترغب في رؤيتهن، فأخبرني أيها المجنون، هل ستقف أمامهن عارياً كما أنتَ الآن؟ حتى تلك الفتاة المسكينة، ابنة الإسكاف لاديسلاڤ، التي حطمتَ حياتها بأنانيتك، ستَكون بيننا، وكذلك السيدة ميلينا، تلك المرأة الطيبة التي كانت تنوي ترجمة كتبك التافهة إلى اللغة التشيكية! في تلك اللحظة، جاء الحارس ونادى فرانز كافكا كي يعود لمقابلة السيدة المديرة، فمضى مسرعاً باتجاه مكتبها، مع أنه لم يقرأ بعدُ المقالَ الذي أمرَتْه بقراءته في الجريدة. كان والده يتابع حركاته من خلال النافذة، ويقول لمن حوله: - ينبغي أن يُطرد هذا الخبيث من شركة التأمين هذه! وعندما تجاوز فرانز كافكا باب المكتب، لاحظت المديرة أنه يخفي أعضاءه الحميمة بواسطة الجريدة، فانتهرته من جديد.

٥- أنطونان آرطو
رأى أنطونان آرطو، فيما يرى النائم، أنه أطل من نافذته، بالغرفة رقم ٦ في مستشفى «فيل إفرار» للأمراض العقلية، فرأى الطبيبة الحسناء، الدكتورة بيرينيس، بقميصها الشفاف وتنورتها القصيرة، وهي تُرَوّض ثلاثة أسُود في حديقة المستشفى. شرع يقول لها بأعلى صوته: -أيتها المخلوقة الشريرة! لقد صَدَّ هذا المستشفى عدة هجومات مسلحة في الماضي، لكنه لن يستطيع صدّ الهجوم القادم، وستلقين حتفك خلاله. كان آرطو يعرف جيدا أن تلك الطبيبة قد بدأت حياتَها العملية مروضة في السيرك، ثم أصبحت ممثلة سينمائية، قبل أن تصير طبيبة مختصة في الأمراض العقلية. وكان يعرف أن لها أختا توأماً، تسمى كاناندا، تعيش في منطقة آرصيا، قرب جبال أولمبوس مونس، في كوكب المريخ، حيث تشتغل باحثة في علوم الفضاء. كانت الأختان تتشابهان مثل قطرتي ماء، وكثيراً ما تتبادلان الأدوار، فتصعد الدكتورة بيرينيس إلى جبال أولومبوس مونس، في الكوكب الأحمر، حيث تتحول إلى باحثة فضائية، وتهبط كاناندا إلى مستشفى «فيلْ إفرارْ»، حيث تصبح طبيبة نفسانية، دون أن يفطن أحد للأمر.

٦- ألبير قصيري
رأى ألبير قصيري، فيما يرى النائم، أنه مدعو مع زوجته مونيك شوميت، عازفة الكمان المشهورة، لحضور الحفل الذي تقيمه الملكة. في قاعة الاستقبال في القصر، كانت الملكة كليوباترا واقفة، متكئة بمرفقها الأيمن على العرش. كانت تلبس سروالَ جينز، لصيقاً بجسدها، وقميصاً شفافاً دون أكمام، وحول جبهتها إكليل من ذهب. حين رأت ملكةُ مصر ألبير قصيري وزوجتَه مونيك، ابتسمتْ وأشارت إليهما بالوقوف عن يسارها، إلى جانب طبيبها الشخصي أولمبوس. جاءت الوصيفة شرميون بآلة كمان وناولتها لمونيك شوميت، ثم قالت لها هامسة: - تأمرك مولاتي الملكة أن تشرعي في العزف، فقد وصل الآن رئيس الكهنة. كان رئيس الكهنة شيخاً مسناً، قد تجاوز الثمانين. لكنه كان يتقدم نحو الملكة بخطى ثابتة، وهو يحمل سلة تين. كانت هناك أفعى مخبأة داخل تلك السلة، وقد جاء بها لتلدغ كليوباترا لدغة الموت، تنفيذاً لرغبتها. لكن رئيس الكهنة غضبَ حين وجد الملكة ترتدي سروالَ جينز، وقميصاً دون أكمام، فاشترط عليها أن ترتدي لباساً يليق بملكة مصر، قبل أن تلدغها الأفعى. غضب ألبير قصيري عندئذ من رئيس الكهنة وأخذ يشتمه، فجاء الحراس وسحبوه بعنف إلى الخارج. وسرعان ما التحقتْ به زوجته مونيك وهي تحمل في يدها قارورة عطر كُتب عليها: بَلْسَمُ الحب. كان ذلك هو عطر الملكة المفضل، الذي يحتفظ بسره كهنة معبد آمون.
* كازابلانكا/ المغرب