يعود كتاب «حصار النفايات: البنية التحتية في فلسطين» (منشورات جامعة ستانفورد ــ 2020) لعالمة الأنثروبولوجيا صوفيا ستمتُبُلُ-روبنز التي تتركز أبحاثها على دراسات البنى التحتية ودراسات اللقى والعلوم والبيئة والتغير المناخي والاستعمار وما بعد الاستعمار والتقشف، و«اقتصاد المشاركة» والمِلكية والإسكان والشرق الأوسط وأوروبا. تقول الكاتبة إن مؤلفها يركز على مسألة النفايات وكيفية التعامل معها والممارسات المرتبطة بذلك، ويعرض صوراً من أحوال معيشة أهلنا في «الضفة الغربية» المحتلة حيث شاهدت أكواماً مهولة من النفايات ملقاة في الشوارع والأزقة (حصار النفايات). وبينت في أحد لقاءاتها الصحافية أن هذا الحصار يؤثر في السياسة والأخلاق على نحو يفرض الحاجة إلى صياغة لغة جديدة لمَوْضَعة المراقب أخلاقياً وسياسياً تجاه الانتهاكات بحق السكان هناك.

من الأمثلة على مشاهداتها ومعايشاتها هناك، كتبت: «شممت رائحة البيض الفاسد وروائح المجاري في مخيم طولكرم. علمت أن المستوطنين والجنود الإسرائيليين يستخدمون النفايات لمضايقة الفلسطينيين، وعلمت أن الشاحنات الإسرائيلية تتخلص من النفايات في الأراضي الفلسطينية، ورأيت في المدينة القديمة في الخليل أقفاص الدجاج فوق المتاجر الفلسطينية وضعها المستوطنون لصيد القمامة»، ثم تتابع مصير الأخيرة مثل قمامة البلديات والبضائع المستهلكة والنفايات السامة وبقايا الخبز ومياه الصرف الصحي، وتنتقل لتتحدث عن أدوار الاستعمار الصهيوني-الاستيطاني و«الداعمين» الأوروبيين وسياسة السلطة النيوليبرالية وطموحاتها في تشكيل النشاط الاجتماعي لأهلنا هناك، وتوقعاتهم وتصوراتهم بخصوص موضوع المؤلف.
هي أرادت فهم كيفية عيش البشر في بيئات غير صالحة للعيش أصلاً. تلخص الكاتبة محتوى مؤلفها بالقول: «مع التركيز على جهود المهندسين الفلسطينيين لإنشاء مدافن صحية في الضفة الغربية. يوضح الفصل الأول (كبس: كيفية قضاء الوقت في مكب نفايات محتل) كيف تولد مدافن النفايات المنطق والوقت والمعضلات الخاصة بها، وتوضح أن تلك المدافن تقوم بإعادة توزيع النفايات ومخاطرها على الأرض، ما يضعها في الاعتبار مع النقاشات حول الملكية والصالح العام والمقاييس الزمنية والمكانية للحكم والحداثة.
الشاحنات الإسرائيلية تتخلص من النفايات في الأراضي الفلسطينية


يستكشف الفصل الثاني (غمر: الرغبة إلى الأغراض الاستعمارية المستعملة) كيف يختبر الفلسطينيون العاديون انتشار السلع القابلة للتصرف والبضائع الرديئة التي سمح مسؤولو سلطة الاستيراد بها وأن مكبات السلطة الرسمية مكلفة بإدارتها. تقول الكاتبة إن موضوع هذا الفصل يعتمد على عملها الميداني حول سوق جنين المليء بالحركة، ويجادل بأن الناس هناك يواجهون حصاراً هائلاً بسبب إغراق الأسواق الفلسطينية المحلية التي تبيع سلعاً جديدة بسلع غير موثوق بها. في هذا السياق، تصبح السلع الرديئة مرغوبة وأدوات للتعبير عن التوق إلى حياة منعها الانفصال عن «إسرائيل»، حيث يتعلق الأخير بطرق المعيشة الإسرائيلية وبالطرق الإسرائيلية لأن تكون محكوماً، مع تأمين الوصول الاصطناعي إلى الجوانب المادية لتلك الحياة.
يؤكد الفصل الثالث (تراكم: السُّمِّية وإلقاء اللوم في دولة شبح) أن النفايات المتراكمة فريدة من نوعها بين الركائز الأساس للبنية التحتية (مثل الكهرباء والماء) لأنها في حالة عدم تحديد المواد يمكن أن تجسد أسئلة يستحيل عندها الإجابة عن الطرف المذنب. ترى الكاتبة أن مواقع تراكم النفايات في مناطق السلطة تتلاحم مع ما تسميه «نقص الحكم والإفراط فيه» بحجة أن شكلاً محدداً من السيادة يشكل كيفية قيام أعضاء المجلس في قرية شقبا، وهي أرض إلقاء للنفايات الفلسطينية والإسرائيلية، بالفصل في عدم اليقين من المواد السامة. ينطوي الحكم على ما تسميه «الاستيفاء غير المكتمل»، المتمثل في مناشدة السلطات، على نحو متكرر، المساعدة التي لا تأتي أبداً، ما أدى إلى ظهور شبه دولة أو الدولة الشبح.
يبرز الفصل الرابع (هدية: الخبز غير المرغوب فيه والتزاماته الغريبة) العلاقة بين معاملة الناس للخبز غير المرغوب فيه، التي تخلق نوعاً من الحصار الأخلاقي-المادي والالتزام بإبقائه في التداول بدلاً من السماح بهدره. وهي تجادل بأن التخلص من الخبز غير المرغوب فيه عبر الأبواب شكل من أشكال الهبات حيث يكون المانح، وليس المتلقي، هو الطرف المثقل في هذا التبادل بأعباء أكبر بالالتزامات التي يفرضها الخبز، وهو ما يتعارض مع المفاهيم الأنثروبولوجية السائدة لتبادل الهدايا التي تؤكد عبء المتلقي. ترى الكاتبة أن رواسب الخبز في الهواء الطلق هي بنية أساس، لأنها تسهل تداول فكرة ومثل عليا لجماعة ديمقراطية ناشئة. يقترح الفصل عدّ خبز الفرن «هدية غير مكتملة» في موازاة عمليات الاستيفاء غير الكاملة التي تستدعي الدولة الوهمية/ الشبح.
ينتقل الفصل الخامس (التسرب: مياه الصرف الصحي والتفكير المزدوج في «بيئة مشتركة») من مقياس الخاص إلى مقياس العام الذي تطلق عليه اسم «إسرائيل/فلسطين» ككل، إذ يبحث في الترتيب المكاني والخطابي الذي يوصف غالباً باسم «البيئة المشتركة» التي يعيش فيها الفلسطينيون والإسرائيليون.
يوضح كيف أن هيمنة هذا التخيّل البيئي غير المترابط الذي يصور الفلسطينيين دولة ذات سيادة تلوِّث دوماً «جيرانها الإسرائيليين» من خلال انسكابات مياه الصرف الصحي، لكن أيضاً كمواطنين غير مسيطر عليهم ضمن السيطرة الإسرائيلية العامة ويجعل نوعاً من التفكير الأورويلي ضرورياً للفلسطينيين طلب الدعم الإسرائيلي والأجنبي للبنية التحتية للمياه العادمة. تقوم الكاتبة بتتبع رحلة موظفي سلطة المياه الفلسطينية إلى «إسرائيل» حيث لاحظت تناقضها في ما يتعلق بالخيال البيئي للمشروع الذي سعى إلى تعزيزه وفعاليته المحتملة، وأوضح كيف أصبح موظفو السلطة ممثلين لمياه الصرف الصحي ينفذون ما تسميه «العمل الطموح» للمساعدة في بناء نظام الصرف الصحي لدولتهم المقبلة.
«حصار النفايات» يوفّر طريقة لفهم فكرة الحصار التي تتسع لتشمل الانبعاثات من الداخل. حصار النفايات يتم بطريق حركة وتدفق النفايات بنفس القدر الذي يتم عن طريق تطويقه. لا يمكن للناس الفرار حتى لو غادروا المكان الذي عثرت عليه النفايات أولاً. تتبعها السموم في أجسادهم، ومعضلاتها تصيب عقولهم وهي تتحرك.

Waste siege: the life of infrastructure in Palestine. Stanford university press 2020. 344 pages.