يراه عبد المنعم رمضان «رفيقاً» في الحياة وفي الموت، ويصفه الشاعر محمد عيد إبراهيم بـ «هدهد سليمان» الذي كان دليلاً إلى «الشعر الذي لا سكّة له إلا في الموت ولا قلب له إلا في الحياة». هو الشاعر الصعب حسب تعبير محمد بدوي. هكذا أجاب عدد من الشعراء المصريين عن تأثير قصيدة أنسي الحاج على تجربتهم، عن حدود هذا التأثير.في البداية يرى الناقد والشاعر محمد بدوي أنّ أنسي الحاج شاعر خاص، صعب، عالمه فردي ما حدّ من تأثيره في القصيدة المصرية: «تجربته بين أكثر التجارب تطرّفاً في رفض الموروث. وإنه بعد ديوانيه «الرسولة» و«الوليمة»، تحوّل إلى شاعر خلاص بالمعنى المسيحي. وهي مفردات بعيدة عن اهتمامات القصيدة المصرية». ويتوقّع بدوي أن يتضح تأثير أنسي في القصيدة المصرية خلال المرحلة المقبلة، «لأن بعض التجارب الجديدة تحتفي بالفردية وهذا رهان من رهانات أنسي: عدم المراهنة على الجمهور».
بينما يرى الشاعر عبد المنعم رمضان أن صاحب «الرسولة بشعرها الطويل حتى الينابيع» لم يكن الأوّل في كتابة قصيدة النثر الحديثة، «سبقه جبرا إبراهيم جبرا بقصائد قرأناها فيما بعد مرة واحدة ثم أهملناها، كما سبقه توفيق صايغ بديوانه «30 قصيدة» وكان آنذاك عملاً شعرياً فارقاً، ولكن أنسي الذي لم يكن الأوّل، بدأ منذ ظهوره وكأنه الأكثر قدرة على الهدم والبناء، هدم موسيقى العبارة، وإقامة موسيقى الكلمة، كان منذ ظهوره الأكثر قدرة على استجلاب الإيقاع من مكان آخر، غير مكان الوزن، فاحتمت قصيدته بعالمها الداخلي، واستغنت عن الباترون واصطدمت باللغة المكرسة للشعر إلى أن عثرت على شفافيتها عبر تجارب من الكوابيس والوقاحة والصلاة والنعومة، أنسي الحاج كان رفيقي قبل أن يموت، وظل رفيقي حتى الآن». التقى رمضان أنسي في بيروت، وجمعتهما علاقة متميزة حتى أقنعه بإصدار أعماله الكاملة في طبعة شعبية عن «هيئة قصور الثقافة». تردّد أنسي بسبب خوفه من الأخطاء المطبعية، وعدم تمكنه من مراجعة الأعمال، فاتفق معه عبد المنعم على إصدار الأعمال مصورة بدون «صف جديد» فوافق على الفور بل وتنازل عن حقوقه المالية. رغم أن الشاعر إبراهيم داود يعتبر أن أنسي والماغوط وسعدي يوسف «هم الآباء الشعريون للقصيدة الجديدة في مصر، وهم الأقرب إلى ذائقتنا»، لكنه يضيف: «أنسي كان ضد سطوة البلاغة العربية، أو البلاغة الأوروبية. من هنا، كان تأثيره عميقاً على رغم حضوره الخافت». إلا أن الشاعر أحمد طه يختلف مع هذا الطرح معتبراً أن أنسي شاعر ينتمي إلى المدرسة البيروتية التي لم تؤثر في الشعر المصري لأن لها تقاليدها الاجتماعية، وأن تجربة رواد هذه المدرسة هي «روحية» لا يمكن استنساخها في كثير من المجتمعات.
ويتفق الشاعر علاء خالد مع داود: «كان أنسي من أوائل الشعراء الذين تعرّفت إليهم، وهو مع سليم بركات الأقرب إلى ذائقتي الشعرية. كان تأثير بيانه الشعري في ديوان «لن» عميقاً في تجربتي. لم تكن أهمية البيان لأسباب شعرية فحسب، بل أيضاً لِما قدّمه من تصوّرات لفكرة السلطة والشعر، وكيفية وجودهما معاً». أما الشاعر جرجس شكري فيري أن أنسي الحاج عكس كل الشعراء، «دخل إلى القصيدة مسلحاً بأدوات النثر وليس بأدوات الشعر التي نعرفها، دخل وهو يثق تمام الثقة في أن يمنحه النثر شعراً خالصاً من دون دعم أو مساعدة من أدوات الشعر التي نعرفها، ربما حاوره طويلاً وسأله لا تخذلني يا صديقي، فأنا أؤمن بك».
التقاه عبد المنعم رمضان في بيروت وأقنعه بإصدار أعماله الكاملة عن «هيئة قصور الثقافة»


ويضيف شكري: «أقرأ شعر أنسي الحاج في صمت، ولا أناقش الآخرين حوله، لا أتحدث مع أحد عن شعره، وكأنه طقس سرّي ممتع، أتأمّله، أفكر في هذه السطور وفي قسوة المعنى، أهمس لنفسي بكلام أنساه بعد لحظات وأقول لي: لا تكتب عن أنسي الحاج، ولا تتحدث عنه، احفظه كمحبة لا تسقط أبداً»، ويكمل: «في أحيان كثيرة أجد الشعر في نثر أنسي الحاج أجمل من الشعر في نصوصه الشعرية، فتقريباً لا حدود فاصلة بين نصوصه (فلا شيء يخرج عن طاعة الشعر، ومن يخرج من طاعة الشعر يسقط)، كما أنه يرى أن الفنون كلها تنهض من وحي الشعر، فالشعر في البنية العميقة لكل الفنون وما يخلو من الشعر يخلو من الإبداع، يخلو من الحياة». الشاعر محمود خيرالله يصف علاقته بقصائد أنسي: «في فترات المراهقة الشعرية اعتبرنا قصيدته انحرافاً عن قضية الإنسان وحرَّيته، لكن قبل موته بقليل فهمنا أنه لا بد أن نعترف أن قصيدته تستطيع أن تبقى مع الزمن، شاهداً على أصالة من نوع خاص، على فرادَة أريد لها أن تبقى راسخة في الذهنية العربية، كونها فرادَة الاختلاف والعزف المنفرد، حتى في الشعر، يبقى العزفُ المُنفرد، نوعاً فادحاً من الجرأة». ويوضح خيرالله: «أنسي هو الشاعر الذي يترك أثراً بطيئاً ودامياً، في القلوب، فقد تسلل خجلاً في تجارب سبعينية وثمانينية، قليلون حاولوا تقليدَ نغمته، لكن المدهش حقاً أن كل الذين تمثلوه اعْوجَّت تجاربهم فجأة، لأنهم ليسوا هو، رجلٌ لا يرى في عتمته سوى عُري الحبيبة، ويستطيع ـ إذا ساعدته الظروف ـ أن يجدَ قمر استراحتهِ في ليلةٍ مُعتمة». أما محمد عيد إبراهيم، فيختتم: «أنسي، شاعر يريد أن يبدأ الكون، لكنه ليس آدم، هو قابيل، فقد تملّكته الكآبة التي لم يعرف كيف ماتت، لقد سحرته الأشياء بمجرد لمسة، كما سحر هو الأشياء بمجرد لمسة، فلا هي دلّته على الطريق، ولا عرف كيف يدلّها على ما كانت عليه أو ما ستؤول إليه، لا الرائحة أشارت إلى رائحة، ولا دلّ الموت عينيه في النهاية على الطريق القويم التي يُفترض أن نسلكه لنكتب».