ترجمة وتقديم: أحمد لوغليمي*

حينما، سيقول له ناشره متجهّماً ومتبرّماً، بعد قراءته لمسودة روايته «أعواد ثقاب سويدية»: «منْ سيهتم بطفولة الآخرين؟!». سيعقب ساباتيي: «إنني أشاطرك الرأي». سينشرُ له كتابه على مضض، وسيحقق نجاحاً غير عادي (ثلاثة ملايين نسخة بيعت منه).
سيتحول هذا العمل إلى فيلم من إخراج جاك إيرطو، العمل الذي أثبت فيه ساباتيي أن الأدب يُجدي أحياناً لتصفية الحساب مع طفولة بائسة لغلام شريد كحاله، عانى اليتم منذ الثامنة حين مات والده، ثم في الـ 12 ماتت أمه بالسكتة القلبية وهو نائم جنبها. وسيُغمى عليه وهو يتفرّج على مشهد دفن أمه في الفيلم.
كان مدخّن الغليون هذا «بأعواد ثقاب سويدية» رجلاً طيّباً بفداحة، في وسط يستخفّ بالطّيبوبة دائماً. طيباً لدرجة أنه يبدو منزعجاً من نجاحاته نفسها، نجاحاته التي كانت تثقل كاهله كعبء لا حمل له به، طيباً إلى حد أنه لم يكن معنياً بتصحيح تمثلات الآخرين عنه باعتباره مَزّاحاً. طيباً لدرجة أن زوجته كريستيان، الأنانية المتكبّرة، التي ظلّت تُخرسه صارخة به بأن نجاحاته اغتصاب ودخوله أكاديمية غونكور خيانة... ظلّ هو يعشقها بجنون وبإخلاص. طيباً لدرجة أنه لم يشكُ لأحد من الافتراق المُمِضّ لابنه عنه. ساباتيي كان طيباً حتى مع آلامه.
ولد روبيرتو ساباتيي في17 آب 1923 في باريس. كتب الشعر والرواية والسيرة الذاتية والأنثولوجيا الشعرية والنقد والكتابات الشذرية. لم تكن تعنيه الشهرة، كان فقط يحب الكتب، الغلايين والأيدي... كان يقول إن الأيدي تتحدّث أبلغ من الألسنة. وقبل أن ينطفئ في 28 حزيران عام 2012، دمدم لأصحابه قائلاً: «أمرٌ مُضجرٌ أن نموت!».



ـ 1 ـ
إنْ كانت الحقيقةُ في الخمرة، فنحن مُحاطون فقطْ بِشَاربي مياه.

ـ 2 ـ
حينَما يتعلَّق الأمر بالحقيقة، فإنَّها الآذانُ مَنْ تصير لها جُدْران.

ـ 3 ـ
«الحَقيقةُ، كُلُّ الحَقيقةِ، ولا شيءَ غَيْرُ الحقيقة...»
ثرثرةٌ تُنْهِكُ الحقيقةَ نفسها.

ـ 4 ـ
حين تقول: «سأكونُ صريحاً!» فأنتَ تعْبُر إلى رُقْعة الاعترافات.

ـ 5 ـ
الحَدْسُ ليس سوى طريقةٍ للِّحاقِ بالحقيقة عبْرَ طريقٍ أُخْرى.

ـ 6 ـ
لا شيءَ أَروعُ منَ الحقيقيِّ. إنّه أَشدُّ روعةً مِنْ أنْ يكون حقيقياً. إنّه أشدُّ حقيقيةً مِنْ أنْ يكون رائعاً.

ـ 7 ـ
إنْ كانت الحقيقة وحْدَها التي تجرح، فلأيِّ شيْءٍ يُجْدِي الكذِب؟!.

ـ 8 ـ
حواراتنا هي الـ : «أُصدِّقُكَ إِذَا صدّقتني!».

ـ 9 ـ
يقولون لنا: «حقائقنا الأربع» وكأنهم لا يُحسنون العدّ حتّى خمسة.

ـ 10 ـ
من ليس صادقاً بكلّيته فهو كاذب بأكمله.

ـ 11 ـ
الكذِبُ مُنْهكاً يَرْتمي على أريكة الحَقيقة.

ـ 12 ـ
حقيقيٌّ جداً، تَماماً، مثل قناع.

ـ 13 ـ
كي ننأى عَنْ حقيقة مَاسِخَة، نُضيف بَهاراتٍ كثيرة على أكاذيبنا.

ـ 14 ـ
حينما يكْذِبُ الطَّبيب، يُفْصِح عنِ الحقيقةِ المرضُ.

ـ 15 ـ
للأكاذيب على الأقَلّ موهبةُ الابتكار.

ـ 16 ـ
إن كان لنا أن نختار بين حقيقة مُهْلِكة وكِذْبة مُخلِّصة فلنشيِّد حقيقتنا بالكذب.

ـ 17 ـ
كما نصْنعُ خمراً أبيضَ مِنْ عنَبٍ أسْود، نصنع الحقيقة منَ الأكاذيب.

ـ 18 ـ
لا نستطيع الكذِب على أنفسنا إلّا بالتواطؤ مع أنفسنا: كِذْبَةٌ مُزْدوجَة.

ـ 19 ـ
الكاذب لا يكون أكثر كذباً إلّا حينما ينسى أنه يكذب.

ـ 20 ـ
لم يكن يكذب تماماً. كان يقتصد في قول الحقيقة.

ـ 21 ـ
نستطيع، دون أن نكذب، أن لا نقول الحقيقة.
هاهنا الكذبة الذائعة الصيت.

ـ 22 ـ
الكذبة حتّى تُصَدَّق تتنكَّر في هيئة حقيقة. ها هنا تخومها.

ـ 23 ـ
ثمة من يتنكّرون حتى نتمكَّن من التَّعرُّفِ عليهم.

ـ 24 ـ
الكذبة المُقْنعة هي تلك التي تنطلي على الكاذب نفسه.

ـ 25 ـ
نتظاهر بالتصديق، حتى نُجَنِّبَه كذبات جديدة.

ـ 26 ـ
نقيصة الكاذب تكمن في كَذِبه بشكل كاذب.

ـ 27 ـ
الكِذْباتُ الأشَدّ مكراً هي تلك التي نَكْذِبها على أنفسنا.

ـ 28 ـ
الكِذْبَة الأولى هي كرة الثّلج التي تُطلِق الوَابِل.

ـ 29 ـ
أن تقول: «أنا لا أعرف كيف أكذب» فأنت تقول بطريقة أخرى متوعِّداً: «آه... لو كنتُ أعرف... فلسوف أريكم».

ـ 30 ـ
هل يمكن أن نعتبر لاعباً لا يعرف فنّ الغش لاعباً مثالياً؟.

ـ31 ـ
ونحن ننتقي حقيقة مريحة، تاركين خلفنا عشر حقائق غير مواتية، نلتقي في طريقنا بالخطأ.


* شاعر ومترجم مغربي مقيم في إيطاليا