تعرّف السارة (1982) عن نفسها وعن فرقتها بأنهم مهاجرون. تفعل ذلك قبل الإشارة إلى أي مكوّن آخر لهوية فرقتها «السارة والنوبة تونز»، التي تجمع بالإضافة إلى المغنية السودانية، التوغولي ماوينا كودجوفي (باص وترومبيت)، والمصري رامي الأعسر (إيقاع) وعازف العود الأرمني هايغ مانوكيان الذي استبدل بعد رحيله بتلميذه براندون تيرزيك (عود ونغوني).
لم تعف إقامة هؤلاء ولا عملهم في نيويورك، من الوعي الدائم للترحال والهجرة والبحث عن الهوية بينهم. منح هذا الوعي السارة التي تركت الخرطوم مع أهلها بداية التسعينيات، قدرة على رؤية بلدها بعيني الخارج والداخل. أتاح هذا البعد، مساحة أوسع للتجريب ولمقاربة الإرث الموسيقي ـ الغنائي الشعبي بحرية أكبر. في المدينة الأميركية، وجدت السارة مسارات عدّة للعودة إلى السودان. استعادت في رسالتها الجامعية (اختصاص الموسيقى الإثنية)، تراث الزار السوداني الذي جعلها تحيط بمساراته العقائدية والاجتماعية والموسيقية نفسها. كان ذلك قبل أن تتخذ من «موسيقى شرق أفريقيا» اهتمام عملها وإنتاجها الموسيقي الذي تصفه بأنه بوب استعادي، لأغنيات النوبة والسودان عبر أنماط موسيقية معاصرة سنستمع إليها في الأمسية البيروتية للفرقة.
تعدّ الأمسية فرصة استثنائية للاطلاع على الموسيقى النوبية والسودانية التي لم تصلنا سوى بشكل ضئيل من مطربين شعبيين كحمزة الدين وأحمد منيب وغيرهم. ستقدّم السارة أغنيات من ألبوماتها الثلاثة «الجوال» (2013) بالتعاون مع المنتج الموسيقي الفرنسي دوبروي، و«طمي» (2014) و«المنارة» (2016) مع «النوبة تونز». وبقدر ما تنحو السارة إلى التجريب الموسيقي واستكشاف قالبها النغمي المعاصر، كانت تسعى في المقابل للبحث عن أسلوب أدائي وغنائي مع كل أغنية. مشاركتها في النسخة الأولى من «مشروع النيل» عام 2013، التي جمعت موسيقيين من بلاد نهر النيل الـ 11، دشنت تجربتها المحلية المباشرة مع موسيقى بلادها. برفقة موسيقيين شبان آخرين، يبحثون عن طرق معاصرة تصلهم بالموسيقى التقليدية لبلادهم، استكشفت السارة ضمن «مشروع النيل» الفروقات داخل الإرث الموسيقي الأفريقي نفسه، كما في أغنية «الله باقي» التي أدتها مع المغنية المصرية دينا الوديدي.

تعتمد الأغنية على الإيقاعات والضربات السريعة والراقصة المكررة على العود

في «الجوال»، يمتزج التجريب الصوتي الذي يخرج هامساً وملتبساً أحياناً مع الإيقاعات الإلكترونية والهيب هوب والتكنو، التي تضاف إلى التنوع الموسيقي المتأصل في التراث النوبي. يترافق هذا الغنى الموسيقي مع ثراء التيمات السياسية والاجتماعية والجندرية التي تحملها كلمات «أغنيات البنات» الشعبية وأغنيات الهجرة النوبية التي أحيتها «السارة والنوبة تونز» في ألبومها «طمي» (2014). لم تغب المؤثرات الإلكترونية عن الألبوم الذي يحوي مجموعة من «أغنيات البنات» وتراثها الشفوي المرتجل أحياناً الذي يعد مساحة أخرى للمرأة السودانية في التعبير عن رغباتها وغزلها في السهرات النسائية الداخلية، لتجمع بين الجانبين الشخصي والعام.
أبرزها أغنيات الحب والغزل «حبيبي تعال» و«يا ناس بريدو» التي خرجت بعد أشهر مع أغنيات أخرى بنسخة جديدة بعنوان «طمي ريميكس». من الغزل إلى الهجرة والأرض في الأغنيات النوبية المحملة بالحنين تنتقل الفرقة إلى أغنيات الوطن المفقود، التي انتشرت بعد تهجير آلاف النوبيين بعد بناء سد أسوان في نهر النيل في ستينيات القرن الماضي، كما في أغنيات «نوبة نوتو» الشعبية باللغة النوبية، و«بلاد الدهب» لأحمد منيب. رغم الاحتفاظ بإيقاعات (الطبلة) والآلات الوترية (العود) كعنصر أساسي من الأغنيات الأصلية، تتسلل أيضاً نغمات الإلكترونية إلى ألبومها الأخير «المنارة» (2016)، الذي يتماهى، مع المزاج العام للعالم في تعامله مع اللاجئين والمهجرين. يضم الألبوم مجموعة من الأغنيات التي كتبت كلماتها السارة، مستوحاة من روح النوبة، وأخرى سياسية مثل «يا وطن»، كما تعود إلى «أغنيات البنات» مع «عروس النيل» التي تؤديها برفقة أختها ناهد، التي انضمت أخيراً إلى الفرقة. تعتمد الأغنية على الإيقاعات والضربات السريعة والراقصة المكررة على العود، بينما ترافقهما إيقاعات الأختين اليدوية ورقصهما على المسرح.

* «السارة والنوبة تونز»: 20:30 مساء الأحد 11 كانون الأول ــ «ستايشن»