لا يتجاوز عدد الروايات التي أنتجها الكرد السوريون باللغة الكردية في أفضل اﻷحوال عدد أصابع اليدين. إذ كما هو حال اﻷدب الكردي عموماً، غلب على اﻷدب الكردي السوري المقيم والمهاجر، الشعر على حساب اﻷجناس اﻷخرى، لدرجة ندر معها أن تجد أديباً كردياً لم يكتب شعراً، على اﻷقل في بداياته المبكرة. تقف اللغة عائقاً رئيساً في وجه إنتاج أجناس أدبية أخرى، بسبب شح المراجع التي يمكن أي كاتب ناشئ أن يتقفى أثرها وينسج على منوالها، ولا سيما أنّ المسرح والرواية والقصة القصيرة هي أجناس وافدة مستوردة.ويمكننا الزعم أن المحرّض السياسي، لا اﻹبداعي كان الحافز الأساسي الذي دفع كتّاباً كرداً إلى خوض تجربتهم اليتيمة مثل آزاد علي في "الحمل اﻷخضر"، وبيوار إبراهيم في "مواويل مبللة العينين"، وآرشف أوسكان في "سفينة اللاجئين"، باﻹضافة إلى روائيين غزيري الإنتاج نسبياً مثل جان دوست وحليم يوسف المغتربين في أوروبا. حمل الجميع على عواتقهم التصدي لفن الرواية مدفوعين بنزعة سياسية قومية يهمها إثبات أن الكردية تتسع لهذا الجنس من اﻷدب رغم العنت الذي تعرضوا له، خصوصاً أن كل هؤلاء قد درسوا في المدارس العربية وتثقفوا بثقافتها، وكتبوا بلغتها قبل أن يكتبوا بغيرها. وآية هذا الدافع اللاأدبي والتحدي الضمني أن بعض الروائيين الذين ذكرناهم، قد ترجموا إلى الكردية رواياتهم بعدما كتبوها وطبعوها ونشروها بالعربية. وقد جاءت هذه الترجمة كشكل من أشكال الصحوة والتبكيت والتصحيح.
بغض النظر عن تماهي القوالب اللغوية وتماثل اﻷساليب التعبيرية وغياب التواطؤ القواعدي (الناتج من غياب اللغة المعيارية) بين جميع تلك النصوص، فهي تبدو بمجملها محاولات محمودة تدبّ على طريق طويلة وتصعد مرقى وعراً لا بد من صعوده اليوم أو غداً. وبصرف النظر عن الخلفيات السياسية الحزبية لهؤلاء الكتاب الرواد أو حتى عن تأهيلهم العلمي، فإنهم بشكل عام قد تصدوا لمواضيع كردية قومية (مباشرة أو غير مباشرة). رافق هذا التصدي، سعيهم إلى عرض الواقع الكردي في سوريا تحت حكم اﻷنظمة المستبدة التي تعاقبت على البلاد وآخرها "حزب البعث"، أو في المهاجر والمنافي. هكذا قدم لنا آزاد علي قضية اﻷجانب ومكتومي القيد في الحسكة، وعرض المرحوم آرشف أوسكان لقضية اللاجئين الكرد في أوروبا، وتعرضت بيوار إبراهيم لموضوعات الفساد والسلطة وختان البنات في كوردستان العراق. من ناحية أخرى، حاول حليم يوسف أن يقدم نفسه كنسخة كردية لسليم بركات (الكردي الذي أثرى الرواية العربية ولم يدون حرفاً بالكردية)، خصوصاً في "خوف بلا أسنان". ابن مدينة كوباني جان دوست قدّم منجزاً روائياً يستحق اﻹعجاب والدراسة، حاول فيه التفلت من هذه الدائرة في "ثلاث خطوات ومشنقة" و"مدينة الضباب" و"ميرنامه" و"مارتين السعيد".
بالحديث عن المستوى الفني العام للروايات المذكورة، فإن معظمها يدور في فلك الرواية العربية، بينما يعجز عن مجاراتها في الوقت نفسه، فضلاً عن تخطيها أو التفوق عليها أحياناً، ﻷسباب موضوعية عامة لا ذاتية، خصوصاً إذا ما أضفنا عوامل مثل تفشي اﻷمية في صفوف الكرد، وافتقار "الرواية الكردية" لمواكبة نقدية موازية. هذا تحديداً ما جعل من الرواية الكردية السورية "رواية متحفيّة" تؤلف لتوضع على الرفوف، على أمل أن تكون في المستقبل أساساً لعمارة أدبية ونقدية منشودة.