مقالات مرتبطة
-
القصيدة الكرديّة الشابة... مرآةٌ في حَجمِ كَونٍ يَبَابْ إعداد - جوان تتر
هناك أيضاً الاستخدام الوفير والمركّز للّون الدلالي، الذي يفسح المجال لالتقاط لمسات ذات قيمة حسية كثيفة جرّاء تعامل نهاد مع مساحاته اللونية الواسعة، في محاولة منه للإفصاح عن تقصده في عدم استخدام التقنيات التقليدية التي من شأنها أن توفر للّوحة جذباً بصرياً، يعتبرها هو قيماً تزيينية.
من طبيعة الأعمال الفنية المرتكزة بقوة على الأفكار، هو تناولها المستفيض للواقع، وهنا تفصح كائنات نهاد عن تماثلها الإنساني وتشابهها المحرف بشكل إما رمزي أو تعبيري أو حتى عبثي. كائنات تتحرك ببطء في حالتها الواقعية المرسومة بشكل تخييلي بسيط، متجاذبة بشكل أقل مع فراغها (الملون) وأكثر مع كتلة لونية أخرى مستقبلة. إذ يكثر استخدام تخاطب كائنين أو كائن مع قيمة لونية هندسية، ففي العديد من اللوحات هناك نوع من الدوران أو الانزياح للمعطيات الهندسية المفترضة.
يرينا الترك في مشاريع أخرى حديثة مساحة أكبر من التجريب. يغني مواضيع وفرضيات الشكل المستعاضة عن قيم رمزية وأخرى بصرية غاية في التذوق الحسي والشحن العاطفي. كذلك يسهب في شرح كائناته الغنية بالميثولوجيا والملحمية عبر إبراز دقيق للشكل المتخيل لروح هذه الكائنات في المخيال الشعبي. ومن جهة أخرى يكثر من استخدام الخطوط التي ترينا براعة في إيجاد سكونية مطلقة وجذابة لحركة الكتل التي تلتهم فراغها وتضبط إيقاعية تناسب تماماً شراهة اللون الذي لا يزال يستخدمه الترك بجمالية مفعمة بالجرأة .
وفي ما يخص تجربته مع البورتريهات والتشخيص في لوحات مفعمة بالخطوط وشحيحة الألوان، فهو قد يخص نظرة الترك لماهية وغاية الفن وحضوره المجتمعي. يناول شخصيات الشهداء، ولا سيما النساء منهم مع إشارات النصر وأوشحة وابتسامات تنقل مدى تأثر الترك بمحيطه. ورغم أنه لم يبذخ بألوانه الصاخبة، إلا أنه أضاف بعداً نفسياً جريئاً إلى وجوه الشهداء كما لو أنهم في زمان ومكان خاصين لا هم أحياء ولا هم متوفون. لا بد للترك أن يضيف في كل مرة حساً استكشافياً أو ملتبساً يوقظ به عنوة وحوشه النائمة كأطفال أخذتهم الغفوة، لا تعرف هل موتى هم أم مغمى عليهم أم متأهبون ليتحولوا إلى أبطال أفلام الخيال العلمي. رغم ادعاء منتقديه بتكرار المشاريع والشخصيات أو ربما الأسلوبية المعتادة، إلا أن هذا بعيد عن فهم حقيقة التطور والبحث الدؤوب لاستعمالات نهاد لمفردات التشكيل الخصبة. إنه قبل كل شيء مخلص لذاكرته، وألمه الذاتي يحرّض دواخلنا بسهولة للظهور والبوح.
غيلانه الرهيفة التي تشم الورود حيناً، ويصغر حجمها متسلقة زوايا بائسة حيناً آخر ليست إلا مصائر لأرواح وحيوات عارية من تجملها الزائف. رغم خصوصية رموزه وأرقامه المتكررة، إلا أنها تغدو إشارات سهلة للتلقي ولفهم أثر الألم الشخصي للفنان. ومع كل مشروع أو استكشاف جديد، يغدو نهاد الترك في بنية اللوحة أكثر إقناعاً باختلاف تجربته وتميزها عن بقية أبناء جيله. "اللوحة التشكيلية كنتيجة متطورة لمفاهيم الفنان البصرية المتراكمة والنشيطة تتجاذب بشكل تركيبي ومعقد مع عين الإنسان البدائية"، وهذا تماماً ما يتيح لكل تجربة تشكيلية مماثلة الحق باستمرارية طرح ما هو خاص واستثنائي.