يظهّر "إضاءات موسيقية فنية" (الفارابي) لهالة نهرا (1982) إضاءاتها الخاصة والقيّمة على عدد من الفنانين والمبدعين والمؤلفين الموسيقيين في أعمالهم. يتضمّن الكتاب الأول للشاعرة والناقدة الموسيقية والفنية مجموعة مقالات ونصوص وندوات ومحاضرات وحوارات إختارتها الكاتبة ضمن رحلتها في عالم الكتابة الصحافية وخارجها على مدى أكثر من عشر سنوات. تحاول نهرا في تقييمها البحث عن المعنى والخلفية والأبعاد، وموطن الجمال ودرجته في النتاجات الفنية. هكذا يعكس المؤلف جزءاً من ذاكرة مدينة بيروت، ومزاجها وأطوارها ومناخاتها في فترة معينة. كما يعكس ملامح مدن أخرى، او لنقل ذاكرة الوطن العربي التي تحرص الكاتبة على لملمتها فنياً قدر الإمكان بأسلوب مميّز: "الذاكرة ليست تجربة فردية وخاصة فحسب، إنها جزء من النطاق الجمعي.
أزمة الموسيقى العربية، وأزمة البوب والأغنية المعاصرة
الذاكرة الثقافية من المواضيع غير الأكاديمية في التاريخ ولا هي تقليدية وجامدة. الذاكرة ظاهرة ترتبط إرتباطاً مباشراً بالحاضر والغد، والتميز بينها وبين التاريخ أمر ضروري لفهمها بوصفها ظاهرة". يندرج كتاب نهرا في خانة النقد البنّاء، حيث نلمس الفكرة الموضوعية التي يمكن قياسها وملاحظتها، وحيث سعيها الواضح الى البناء المعرفي من خلال النقد وثقافة السؤال. هناك إتجاه فني – تاريخي، تكاملي حيث يشترك ذوق الكاتبة وجنوحها الى تأويل الأعمال واستنطاقها في تقديمها الى القارىء والمتلقي. من "ثيمة" الأغنية الملتزمة نعثر في الكتاب على نماذج احترافية وشبابية من لبنان ومصر وسوريا، مروراً بالمسرح الغنائي الرحباني في مرحلتيه "ومضات" و"رسالة حب" المخصصة لفيروز (من ندوة في "جامعة الروح القدس ــ الكسليك")، وصولاً الى مرسيل خليفة وأسامة الرحباني وعمر الرحباني وزياد الرحباني. اشتمل الكتاب على مواضيع ملحة وإشكالية راهنة مثل: أزمة الموسيقى العربية، وأزمة البوب والأغنية المعاصرة، بالإضافة إلى إلتفاتة نحو الناقد الموسيقي الراحل البارز في مجاله نزار مروة، وبحث أستيتيكي في ندوة في "الجامعة الأميركية في بيروت" (الجمالية في التراث) وهو مغاير في الموسيقى التقليدية المشرقية العربية. هناك تنوّع في الكتابة الوجدانية الأدبية عن وجوه فنية عدة أبرزها المعلم الراحل يعقوب الشدراوي الذي التقته نهرا قبل وفاته بساعات قليلة، وصديقها الأديب والمثقف الراحل محمد دكروب، إلى جانب إضاءة مسرحية نقدية على مسرحيتيّ "مقتل إنّ وأخواتها" لريمون جبارة، وموسيقى مسرحية "الواوية" المستندة إلى نص لبرتولت بريشت، من إخراج ناجي صوراتي. نهرا اعتنت ايضاً بالإقتراب من الموسيقى التجريبية في لبنان التي استمدت شرعيتها من التراكم التدريجي الذي صنعته التجارب العالمية في هذا المجال، وقاربت صوتاً بمثابة جبل وهو صوت المطرب الراحل وديع الصافي لأن "الهاوية تكاد تبتلع الوطن وثقافته، حيث تُطوى أصابع وأصوات، فينتصب التاريخ لا الحاضر أمامها" إلى جانب رياض السنباطي (فلاش باك لونغا رياض). هذا التنوع المترابط ضمناً في العمق هو ما يميز كتاب هالة نهرا، الزاخر على أكثر من صعيد، من دون ادعاءات ولا إطلاق أحكام قاطعة. كتاب يأتي من شغف مزمن بالنغم والخشبة والكلمة والمعرفة. أمر يتبدى في الأسلوب ايضاً، ما يُسّهل على قارئه، مهمة تلقي المحتوى القيّم بسلاسة لافتة.