بغداد | أرخى التفاهم السعودي - الإيراني بظلال من الارتياح على ملفّات كثيرة في الشرق الأوسط، حتى قبل أن يبدأ تنفيذ بنوده على الأرض، وحتى إن لم تكن لبعض تلك الملفّات علاقة مباشرة به. فبعد أيام قليلة من توقيع اتّفاق الأمن الحدودي بين العراق وإيران، جاءت زيارة رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، لأنقرة وتوقيعه خلالها عدداً من الاتّفاقات، لتثمر انفراجة في العلاقات بين البلدَين، التي كانت قد شهدت توتّراً في الآونة الأخيرة بسبب التوغّلات التركية في شمال العراق، وقضية حصص المياه من نهرَي دجلة والفرات، ولا سيما أن العراق شهد جفافاً حادّاً هذا العام. ووجّه الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، عقب استقباله السوداني، بزيادة إطلاقات مياه نهر دجلة نحو العراق، قائلاً في مؤتمر صحافي مشترك مع ضيفه: «ستُحلّ مشكلة المياه. ونحن على دراية بحاجات العراق الملحّة من المياه»، لافتاً إلى أن بلاده نفسها تشهد أدنى معدّلات من المتساقطات منذ أكثر من ستة عقود. في المقابل، توقَّع من العراقيين تصنيف «حزب العمال الكردستاني» منظّمة إرهابية وتخليص أراضيهم منها، ليردّ السوداني بأن العراق يرفض «استخدام أراضيه للاعتداء على دول الجوار، أو أيّ مساس بالسيادة العراقية». كذلك، جرى الاتّفاق بين الجانبَين على الشروع بطريق سكك الحديد يبدأ من البصرة ويصل حتى حدود تركيا، ويُطلَق عليه اسم «طريق التنمية».ويقول القيادي في «تحالف الفتح»، عائد الهلالي، إن «السوداني ذهب إلى تركيا وفي جعبته جملة من الملفّات التي تهمّ البلدَين، منها الملفّ الأمني والحدود المشتركة بينهما، وبالأخص ما يتعلّق بحزب العمال الكردستاني، ووجود القوات التركية في شمال العراق، وكذلك ملفّ المياه والطاقة»، مضيفاً، في تصريح إلى «الأخبار»، إن «الزيارة أدّت إلى تحقيق جزء من أهدافها بعدما أعلن الطرفان موافقة تركيا على زيادة الإطلاقات المائية لنهر دجلة». ويلفت إلى أن «المباحثات تناولت أيضاً موضوع التجارة التي بلغت أرقاماً كبيرة وغير مسبوقة في العام الماضي، وطريق التنمية وإكمال بناء ميناء الفاو. وكلّ هذه المشاريع يمكن أن تُحوّل العراق إلى مركز تجاري عالمي، وبالتالي سوف يكون فاعلاً كبيراً في ظلّ الظروف والمعطيات الدولية والإقليمية التي تريد لمنطقة الشرق الأوسط أن تتحوّل إلى منطقة استقرار بعدما شهدت السنوات الماضية حالة من العنف والغليان غير المسبوق». ويرى الهلالي أن «التقارب الإيراني - السعودي، والتقارب السوري - العربي، يشجّعان دول المنطقة على أن تكون فواعل حقيقية في رسم التهدئة والاستقرار في هذه المنطقة؛ والعراق اليوم بات أحد الأقطاب الرئيسة والمهمّة»، مضيفاً «(إنّنا) نجد أن الدبلوماسية المنتِجة التي أطلقتها حكومة السوداني بدأت تؤتي ثمارها، وذلك من خلال الوفود الكثيرة التي تعجّ بها بغداد للتباحث والتشاور وعقْد الاتفاقات والمعاهدات التي تخدم مستقبل العراق من جهة، والمنطقة من جهة أخرى». وختم بأن «توقيع الاتفاقات مع تركيا من شأنه أن يساهم في الإعمار والتنمية، وهما من أهمّ مرتكزات البرنامج الحكومي».
يرى البعض أن التقارب الإيراني - السعودي والسوري - العربي يشجّعان دول المنطقة على أن تكون فواعل حقيقية في التهدئة


وعلى أهمّية الاتفاقات الاقتصادية والسياسية والأمنية - والأخيرة قد تكون خارجة عن إرادة الجانبَين لارتباطها بطرف ثالث هو «حزب العمال الكردستاني» -، تبقى قضية المياه المؤشّر الأبرز إلى تحسّن العلاقات. وفي هذا السياق، يقول المتحدّث الرسمي لوزارة الموارد المائية، خالد شمال، لـ«الأخبار»، إن «الإطلاقات المستمرّة والواضحة والثابتة ستزيد من فرصة العراق لزيادة تصاريف نهر دجلة ورفْع مناسيب النهر، وهي فرصة لخزن جزء منها في مقدّم سدّ الموصل، ورفْع مناسيب السدّ. وعلى رغم أنها كمّية قليلة ولا تفي بالطموح، إلّا أنها تأتي في وقت نحن فيه بأمسّ الحاجة إليها». ويلفت شمال إلى أن «تركيا بنت أكثر من 22 سدّاً معظمها كبيرة، من دون الأخذ بالحسبان الحقوق التاريخية للعراق في نهرَي دجلة والفرات، وتأثيرها على حصصنا المائية، كما لمّ يتم التنسيق مع الجانب العراقي حول آلية تشغيل هذه السدود، وبالتالي فهي تُشغَّل بطريقة مضرّة بالإيرادات المائية المطلَقة باتّجاه العراق من حوضَي دجلة والفرات». ويرى أن «زيارة رئيس الوزراء حقّقت قفزة كبيرة في ملفّ المياه»، الذي دفعت به الحكومة «لأن يكون ملفّاً فنياً وسيادياً»، وخصوصاً أن رئيسها «مهتمّ بالزراعة والمياه وهي ضمن اختصاصاته، ووجوده على رأس السلطة التنفيذية سيحرّك الركود في ملفّ التفاوض على المياه»، بحسب شمال، الذي يعتقد أن «موافقة تركيا على الإطلاقات لِشهر ربّما هي بادرة جيّدة نأمل استمرارها»، مشيراً إلى أن «لدى العراق الكثير من مشاريع السيطرة والخزن في سدّ الموصل وبحيرة الثرثار وعدد من المنشآت الأخرى. وهناك فراغ كبير بإمكانه استيعاب أيّ إطلاقات مائية طبيعية أو بفعل فيضانات». ويخلص إلى أن العراق «يحاول التعامل مع هذا الملف بطريقة فنّية للوصول إلى تفاهمات. لكن كما معروف، هذا ملفّ شائك ومعقّد، لأن الجانب التركي بنى كثيراً من مشاريع الخزن والسيطرة، وقام بتحويل مجاري بعض الأنهر من دون الأخذ بالحسبان حقوق العراق التاريخية».