بغداد | انعكس الخلاف المستفحِل بين «الحزب الديموقراطي الكردستاني» و«الاتحاد الوطني الكردستاني»، على المفاوضات بين إقليم كردستان العراق وحكومة بغداد، في شأن الكثير من القضايا العالقة، وأهمّها حصّة الإقليم من موازنة الحكومة الاتحادية. إذ قاطع «الاتحاد»، الذي يتزعّمه بافل طالباني، الوفد الكردي المُفاوض الذي يجري محادثات في بغداد حالياً، ما بات يمثّل أزمة بالنسبة للحزب الذي يتزعّمه مسعود بارزاني، والذي يواجه صدّاً في محاولته الاستئثار بقرار الإقليم السياسي من جهة، وكذلك التحكّم بالحصّة التي سيحصل عليها من الموازنة الاتحادية من جهة أخرى
تَفاقَم الخلاف بين «الحزب الديموقراطي الكردستاني» و«الاتحاد الوطني الكردستاني»، بعدما وجد الثاني أن الأوّل تمادى في محاولة الاستئثار بقرار إقليم كردستان العراق، وكذلك بحصّة الإقليم من الميزانية الاتحادية والمناصب المخصّصة للأكراد. ودَفع هذا الخلاف، «الاتحاد» إلى اتّخاذ قرار بمقاطعة اجتماعات الحكومة الكردية الموحّدة، إلى حين حلّ مجموعة كبيرة من الخلافات بين الجانبَين حول إدارة الإقليم وموارده، وصولاً إلى التلويح بالخروج من تلك الحكومة نهائياً، وإعادة تشكيل الإدارة الخاصة به في السليمانية، وهو ما من شأنه أن يعيد الأوضاع، السياسية على الأقلّ، إلى ما قبل عام 2006، تاريخ تشكيل المجلس الوزاري الموحّد، حتى لو لم تصل إلى الاشتباكات المسلّحة التي كانت دائرة بين الجانبَين آنذاك.
وكانت تسارعت مساعي الحزب للاستئثار بالإقليم في أعقاب الانتخابات التشريعية العراقية التي أجريت في تشرين الأول 2021، والتي يرى أنها تسوّغ له القيام بذلك، باعتبار أنه حصل على حصّة أكبر من حصّة «الاتحاد» فيها. وتجلّت تلك المساعي في إصراره على فرْض عدم إعادة ترشيح برهم صالح إلى الرئاسة، على رغم أنه وافق في النهاية على مرشّح آخر لـ«الاتحاد» هو الرئيس الحالي، عبد اللطيف رشيد. ويُضاف إلى ما تَقدّم أن «الديموقراطي» يريد فرْض خياراته السياسية الخارجية على الإقليم، وهو ما لا يوافق عليه «الوطني»، ولا سيما في ما يتعلّق بالمشكلات التي حصلت على الحدود مع إيران، حيث ينخرط الأوّل في تغطية نشاط معادٍ لطهران انطلاقاً من الإقليم، بواسطة أحزاب كردية إيرانية مسلّحة، الأمر الذي يمكن أن يرتّب أثماناً باهظة على كردستان العراق ككلّ.
ويَلفت القيادي في «الاتحاد»، أحمد الهركي، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «ما يميّز الوفد الكردي الموجود حالياً في بغداد، هو غياب الاتحاد عنه، خلافاً لِما كان يحدث في السابق»، مضيفاً أن «هناك خشية من تأثير الخلافات داخل الإقليم على المفاوضات المتعلّقة بالموازنة وغيرها». ويشير إلى أن «العلاقات بين الحزبَين تمرّ بمرحلة خطيرة، حيث ثمّة تعليمات صدرت إلى الفريق الوزاري التابع للاتحاد في حكومة الإقليم، بعدم المشاركة في أيّ فعاليات في الفترة المقبلة، والقيام فقط بتسيير أمور الناس، أي الأوامر الإدارية والتواقيع وأشياء كهذه». ويرى أنه «نتيجة لغياب الثقة، أصبحت الدعوات إلى الحوار غير مجدية»، متابعاً: «نحن نريد الحوار من أجل الوصول إلى حلّ، وليس الحوار من أجل الحوار». أمّا عن المواضيع العالقة بين بغداد والإقليم، مِن مِثل المادة 140 وقانون النفط والغاز، فيقول الهركي إنه «لم يتمّ إيجاد حلّ لها، على رغم أنه تمّ الاتفاق على ذلك في الورقة السياسية لتحالف إدارة الدولة»، متمنّياً أن «تنعكس النجاحات التي حقّقها رئيس الوزراء في العلاقات الخارجية وموضوع مكافحة الفساد، على العلاقة بين الإقليم والمركز ضمن سقف القانون والدستور».
«الديموقراطي» يريد فرض خياراته السياسية الخارجية على الإقليم وهو ما يعارضه «الاتحاد»


أمّا النائب عن «الحزب الديموقراطي»، شريف سليمان، فيقدّم صورة مختلفة عن العلاقة بين الحزبَين، قائلاً لـ«الأخبار» إن «قضيتنا واحدة وعلاقاتنا قوية»، على رغم أن «هناك خلافاً في الرؤى في الكثير من الأمور». وحول مقاطعة وزراء «الاتحاد» لاجتماعات حكومة أربيل، يتوقّع أن «يعود وزراؤه إلى المشاركة»، وأن يتمّ «تجاوز المسائل العالقة»، مؤكداً أن «الأجواء مشجّعة، وأبواب الديموقراطي دائماً مشرّعة للتفاوض، ونحن قادرون على إيجاد الحلول المناسبة لكثير من الأمور التي هي من شأن البيت الكردي الواحد». وعند الحديث عن التفاوض بين الإقليم وبغداد، يتجنّب سليمان الحديث عن مقاطعة «الاتحاد» للوفد الكردي المفاوض، لافتاً إلى أن «الوفد ذهب لمناقشة المواضيع العالقة، وأولها الموازنة وتطبيق البرنامج الحكومي»، واصفاً أجواء المحادثات بأنها «إيجابية»، ومؤكداً أنه «قريباً، سوف تكون هناك نتائج». ويوضح «(أننا) طالبنا بأن تكون حصّة كردستان متناسبة مع الكثافة السكّانية كما ينصّ الدستور، بالإضافة إلى مراعاة موضوع النازحين والمهجّرين الموجودين في الإقليم والمناطق المتنازع عليها، والذين لم تبخل حكومة كردستان بتوفير الكثير من الخدمات لهم من حصّتها». ويرى أنه «لا يجب أن يتمّ ربط ذلك الموضوع بالنفط والغاز، إذ تمّ الاتفاق على ترحيل هذا الأمر إلى حين إقرار قانون النفط والغاز في الأشهر المقبلة». ويشير إلى مسائل أخرى عالقة بين الإقليم والمركز، «منها موضوع وكالات الوزارات والهيئات المستقلّة والمدراء العامين ودرجات وظيفية أخرى»، معتبراً أن «ورقة التوافق السياسي قد اختلّت، وتمّ التجاوز على كثير من استحقاقات البيت الكردي واستحقاقات الحزب الديموقراطي الكردستاني في الفترات الماضية»، مشدّداً على ضرورة «إعادة صياغة هذه الورقة ومناقشتها وتطبيقها بالشكل الأمثل».
في المقابل، يوضح الخبير السياسي، عماد آل مسافر، في حديث إلى «الأخبار»، أن «الخلافات بين المركز والإقليم حول الموازنة متجذّرة منذ عام 2003، بسبب عدم وجود تعداد تُجريه وزارة التخطيط، يقدّم إحصاء دقيقاً جدّاً، سواءً على مستوى الأفراد أو البنايات أو المؤسّسات، وغيرها من العوامل». ويلفت إلى أنه «في ما سبق، كان المركز يحدّد نسبة 12 في المئة من موازنة العراق السنوية للإقليم، وهي نسبة ازدادت في السنوات المتعاقبة إلى 15 في المئة، حتى وصلت إلى 17 في آخر فترة»، مشيراً إلى أن ثمّة «كلاماً كثيراً حول هذه النسبة من قِبَل نواب الوسط والجنوب الذين يعتقدون أنها مُبالَغ فيها وكبيرة، مشدّدين على ضرورة عودة صادرات النفط التي يصدّرها الإقليم إلى المركز، حتى يتمّ تقاسمها مرّة ثانية في الموازنة». ويُذكّر بأن «هناك اتفاقاً بين قادة الإطار التنسيقي وبقيّة الكتل السياسية على أن تُحلّ كلّ هذه الإشكالات عبر الدستور»، مضيفاً أن «الكرد متفهّمون لهذا الموضوع». ويختم بالقول: «ربّما لن يكون هناك تعداد سكاني قريب، لكن ستكون هناك بيانات تعتمدها وزاره التخطيط العراقية عن طريق البطاقة التموينية أو عن طريق البطاقة الموحّدة للكرد، من أجل أن تُمثَّل هذه الأعداد بشكل طبيعي في هذه الموازنة تحديداً، ومن ثمّ يتمّ احتساب حصّة الإقليم».