استناداً إلى ما سبق، لم يكن اختيار ماكغورك لهذه "المهمّة" مِن قَبيل الصدفة؛ فالرجل الذي بدأ عمله السياسي في عام 2004، مستشاراً قانونياً لسفير الولايات المتحدة في بغداد، ثمّ مديراً لشؤون العراق في مجلس الأمن القومي الأميركي، قبل أن يُعيَّن مستشاراً رئاسياً خاصاً ومديراً لشؤون العراق وأفغانستان، إضافةً إلى خبرته المديدة في "مكافحة داعش" يوم كان مبعوثاً خاصاً لـ"التحالف الدولي"، اكتسب خبرة واسعة في إدارة السياسة الأميركية في المنطقة مكّنته لاحقاً من شغل منصب رفيع في البيت الأبيض. لكن ذلك لا يعني، على أيّ حال، أن الإدارة الأميركية استطاعت، في خلال الأشهر الثلاثة الماضية، أن تكوّن رؤيةً واضحة لكيفية إدارة ملفّ العراق، فَظَلّ موقفها متأرجحاً بين الانسحاب و"اللاانسحاب"، وإن كانت تميل إلى الإبقاء على حضور دائم في هذا البلد.
وإذا كان الهدف من الزيارة خلق تصوّر واضح لإدارة جو بايدن، ينطوي على وضع استراتيجية للتعامل مع الملفّ العراقي، الذي غاب لبعض الوقت عن أولويات البيت الأبيض، إلّا أن الخطوة تبدو متأخرّة قليلاً، ولا سيما في ظلّ تصاعد وتيرة استهداف المصالح الأميركية في بلاد الرافدين. فمنذ تسلّم بايدن زمام السلطة في نهاية كانون الثاني/ يناير، استهدف نحو 30 هجوماً بعبوات ناسفة أو صواريخ أرتالاً لوجستية تابعة لـ"التحالف الدولي" وقواعد تضمّ قوات أميركية، إلى جانب السفارة الأميركية في بغداد. وبلغت الهجمات مستوى جديداً منتصف نيسان/ أبريل الماضي، حين نفّذت فصائل عراقية، للمرّة الأولى، هجوماً بطائرة مسيّرة مفخّخة على قاعدة عسكرية تستضيف أميركيين في مطار أربيل شمال البلاد. وفي ثالث هجوم من نوعه خلال ثلاثة أيام، أعلن الجيش العراقي أن صاروخين استهدفا، أوّل من أمس، قاعدة "عين الأسد" الأميركية، في هجوم تزامن مع وجود الوفد الأميركي برئاسة ماكغورك في بغداد، وأعقب آخر استهدف، الإثنين، قاعدة "بَلد" الجوية، التي يعمل داخلها متعاقدون أميركيون، وثالثاً طال، الأحد، "مطار بغداد الدولي"، الذي يضمّ قاعدة للقوات الأميركية، فيما انفجرت عبوة ناسفة في موقع تجمّع شاحنات تنقل مواد لوجستية لـ"التحالف الدولي"، في منطقة جريشان، في محافظة البصرة.
ظَلّ موقف الإدارة متأرجحاً بين الانسحاب و«اللاانسحاب»، وإن كانت تميل إلى الإبقاء على حضور دائم في العراق
وفي العاصمة العراقية، التقى الوفد الأميركي، الذي ضمّ إلى ماكغورك مستشار وزارة الخارجية الأميركية ديريك شوليت، ومساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى جوي هود، ونائب مساعد وزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط دانا سترول، رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، وجرى "بحث التنسيق والتعاون المشترك في مختلف المجالات، وتأكيد تفعيل مخرجات الحوار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة، ولا سيما في ما يتعلّق بانسحاب القوات المقاتلة من العراق وتطوير التعاون وتوسيعه". وجاءت هذه الزيارة في أعقاب الجولة الثالثة من مباحثات الحوار الاستراتيجي التي انتهت في السابع من الشهر الماضي ببيان مشترك أكّد فيه الجانبان استمرار عملية سحب القوات الأميركية المقاتلة تحت راية "التحالف الدولي"، وتحويل مهمّاتها من قتالية إلى "تدريبية واستشارية". وبحسب بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء العراقي، فإن الكاظمي وماكغورك يعملان على تحديد جدول زمني لانسحاب القوات القتالية من العراق، وهو ما لم يُحدَّد في ورقة التفاهم الاستراتيجي، ليثير لغطاً اضطرّ "البنتاغون" إزاءه إلى توضيح أنه ما مِن تفاهم مع بغداد حول الجدول الزمني المتعلِّق بعملية سحب القوات القتالية. والتقى الوفد الأميركي، أيضاً، الرئيس العراقي برهم صالح، الذي أكد لضيوفه أن "العراق ينطلق من سياسة متوازنة تدعم مسارات نزع فتيل الأزمات وتخفيف التوترات في المنطقة"، وفق بيان لرئاسة الجمهورية. وجدّد الوفد الأميركي، بحسب البيان، "التزام واشنطن بدعم أمن العراق واستقراره وضمان سيادته ومكافحة الإرهاب وتعزيز اقتصاده، ومواصلة العمل والتنسيق المشترك ضمن الحوار الاستراتيجي بين البلدَين في مختلف المجالات، وبما يصبّ في مصلحة البلدَين والشعبَين".
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا