خطوةٌ جديدة، على ما يبدو، على طريق ترجمة توجّه قيادة «هيئة الحشد الشعبي» نحو تنفيذ «الأمر الديواني 237» الصادر عن رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، والقاضي بتحول «الحشد» إلى مؤسسة عسكرية واضحة المعالم والانتشار، محصورة القرار بيد القائد العام للقوات المسلحة. إذ تكشف وثيقة مسرّبة صادرة (بتاريخ 9 أيلول/ سبتمبر الجاري) عن نائب رئيس «الهيئة»، أبو مهدي المهندس، عن طلبه «إلغاء مديرية التعبئة، ومكاتب الهيئة في المحافظات كافة، وإنهاء تكليف مديري المكاتب ومديرية التعبئة»، ودعوته إلى «تشكيل مجلس استشاري يضمّ 14 شخصاً للاستفادة من خبراتهم وتجاربهم القيّمة في تنظيم العمل، وتقديم الخدمات لعوائل الشهداء والجرحى والمقاتلين».كتاب المهندس يأتي استكمالاً لرسالة رئيس «الهيئة»، فالح الفياض، إلى عبد المهدي، أواخر تموز/ يوليو الماضي، وتحديداً في الـ 30 منه. آنذاك، أكد الفياض أن «الهيئة» ستلغي مكاتبها في المحافظات كافة، إضافة إلى «مديرية التعبئة» وفروعها، في استجابة لـ«الأمر الديواني» الصادر مطلع الشهر عينه. ويقضي «237» بأن تعمل جميع قوات «الحشد» كجزء لا يتجزأ من القوات المسلحة العراقية، وبإمرة القائد العام لها. كما ينصّ على تخلّي الفصائل المنخرطة في «الحشد»، نهائياً، عن جميع مسمّياتها التي عملت بها في معارك القضاء على تنظيم «داعش» (2014 - 2018)، على أن تستبدلها بمسميات عسكرية، وأن يحمل أفرادها الرتب المعمول بها، وأيضاً على قطع تلك الفصائل ــــ أفراداً وتشكيلات ــــ أي ارتباط سياسي بأحزاب أو كتل. يومها، حدّد عبد المهدي تاريخ الـ 31 من تموز/ يوليو موعداً نهائياً لوضع الترتيبات النهائية للعمل بموجب الضوابط التي نصّ عليها أمره.
حامد الخفاف: «المرجعية» تؤكّد حصر السلاح بيد الدولة


اليوم، وبعد أكثر من شهرين على إصدار القرار، لا يبدو أن التنفيذ يسير وفق ما يشتهي عبد المهدي. فـ«هيكلية الحشد» لم تُحسم بشكل نهائي في ظلّ خلاف الفياض ــــ المهندس عليها، والذي عمّقه اختلاف وجهات النظر إزاء مواجهة الضربات الإسرائيلية الأخيرة على مقارّ «الحشد». فبينما يريد الفياض هيكلاً يحتوي على رئاسة أركان، يفضّل المهندس وعدد من قادة «الحشد» الإبقاء على التشكيل الحالي، أي «رئيس هيئة ونائب له». وعن الفارق بينهما، توضح مصادر «الأخبار» أن «رئيس الأركان ستكون مهماته محصورةً بإدارة الألوية والتشكيلات المقاتلة، على أن يكون لرئيس الهيئة الحق في إدارتها. أما في الخيار الثاني، أي الإبقاء على الهيكل كما هو، فتُحصر القيادة بيد نائب رئيس الهيئة، فيما يؤدي الرئيس دور إشراف ومتابعة إدارية للمؤسسة».
خلافٌ كان من المفترض أن يُحلّ خلال الشهر الماضي، لكن الضربات التي تلقّتها مقارّ «الحشد» أدت إلى تعزيزه، ليتم تأجيل هذا النقاش من دون أن يُحدّد موعدٌ لإعادته، وليُفتح نقاش آخر حول كيفية لملمة المواقف المتباينة من الضربات، في ظلّ دخول طهران على خط تقريب وجهات النظر، ومحاولة إيجاد حلول للأزمة، فضلاً عن البحث مع موسكو في كيفية تعزيز القدرات الدفاعية العراقية. هنا، ثمة من يرى في «الأمر الديواني» خللاً، إذ إن «تحديد مواقع الحشد»، والذي نصّ عليه «الأمر»، يجعل من تلك المواقع العسكرية عرضةً للاستهداف مجدّداً من جهات غير راغبة به (واشنطن وتل أبيب تحديداً). وانطلاقاً من ذلك، يدعو مصدر مقرّب من أحد الفصائل البارزة إلى «ضرورة التريث في تطبيق هذه الفقرة أو تعديلها بما ينسجم مع التطورات التي شهدتها الأوضاع السياسية والأمنية التي أعقبت استهداف مقارّ الحشد».
أمام هذا المشهد، والذي وصفته مصادر مقربة من عبد المهدي بـ«الضبابي»، ثمة من كان ينتظر رأي المرجعية الدينية العليا (آية الله علي السيستاني)؛ لدورها البارز في تأسيس «الحشد». رأيٌ تولّى الإفصاح عنه وكيل «المرجعية»، حامد الخفاف، في حوار صحافي، شدّد فيه على احترام المؤسسة الدينية لـ«مؤسسات الدولة... التي لا بديل منها بتاتاً لقيام وطن حر ومستقل وسيد، وهذا يسري على كل القطاعات العسكرية والأمنية والسياسية والإدارية والاجتماعية وغيرها»، مؤكداً أن «المرجعية» تترقب «هيكلة هذه القوة، وتطبيق القانون والأمر الديواني، وحصر السلاح بيد الدولة، وعدم السماح بامتلاك أي حزب أو مجموعة أو عشيرة أو غيرها للسلاح المتوسط أو الثقيل تحت أي ذريعة أو عنوان خارج القوات المسلحة الرسمية على الأرض العراقية».