يحتدم الصراع بين الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان وفريقه الحكومي من جهة، وبين حزب «الشعوب الديموقراطي» من جهة أخرى. قبل أيام، اتهم «الشعوب الديموقراطي» الدولة التركية العميقة بتدبير التفجير الإرهابي في منطقة سروج الحدودية، من أجل ضرب صدقية الأكراد الذين أعرضوا عن التصويت لأردوغان وحزبه في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، مسقطين مشروعه الرئاسي. اتهم زعيم «الشعوب الديموقراطي»، صلاح الدين دميرتاش، أردوغان بأنه يريد إظهار حزب الشعوب وكأنه يعمل مع مجموعة حزب «العمال الكردستاني» التي تتخذ في جبال قنديل شمالي العراق معقلاً لها، الأمر الذي يجعل هذه الحرب تبدو وكأنها تدور من أجل تأمين أصوات القوميين الأتراك لمصلحة أردوغان، قبل ذهابه إلى انتخابات برلمانية مبكرة.
ذهبت بعض الأقلام في تركيا إلى اعتبار أن أردوغان أسرّ بما يحدث الآن قبل انتخابات السابع حزيران الماضي، عندما توجه إلى الأتراك في غازي عنتاب بالقول: «هل أنتم مستعدون لجعل تركيا تبني دستوراً جديداً ونظاماً رئاسياً من أجل إكمال عملية التسوية مع الأكراد؟ أعطونا 400 نائب وسوف تحلّ المسألة سلمياً». كذلك نفى منذ أسابيع وجود اتفاق اسمه «اتفاق دولما بهشي»، وهو الاتفاق الذي عقد في شباط الماضي، وأدى فيه «الشعوب الديموقراطي» دور الوسيط بين الحكومة والزعيم عبد الله أوجلان، إذ طلب الأخير من مجموعة حزب «العمال الكردستاني» في جبال قنديل، الاستعداد لإلقاء السلاح. ووفقاً لدميرتاش، فإن أردوغان اطّلع على نتائج استطلاعات الرأي قبل الانتخابات، وكان يعلم أن «العدالة والتنمية» لن ينال الأصوات التي يبتغيها، وسأل مساعديه عن جدوى ما يقومون به من محادثات مع الأكراد، لذلك بدأ هجومه منذ ذلك الوقت. غضب أردوغان وحزبه من نجاح حزب «الشعوب الديموقراطي» ولم ينتبه إلى أن الأكراد عندما صوتوا لهذا الحزب، إنما كانوا يؤيدون «عملية السلام» في تركيا. دميرتاش أكد أخيراً، أن غاية «العدالة والتنمية» في سوريا اليوم، ليست ضرب «داعش» بل منع الأكراد من الوصل بين مناطقهم وتوحيدها، لهذا السبب وافق أردوغان على فتح قاعدة إنجرليك أمام قوات «التحالف الدولي». وكان أردوغان قد أكد من بعدها على استحالة العودة إلى «عملية السلام» مع الأكراد، في محاولة لشدّ عصب القوميين وتأجيج مشاعرهم ضد الأكراد من جديد. كذلك، حاول الرجل أن يحاكي دعوات حزب «الحركة القومية» إلى منع حزب «الشعوب الديموقراطي» وإغلاق أبوابه تماماً، مثلما حصل مع «العدالة والتنمية» في الماضي، لكنه عاد ودعا إلى ملاحقة قادة هذا الحزب.
وفي الوقت الذي كان فيه الطيران التركي يدك جبال قنديل شمالي العراق، بدأ الغرب يبدي شكوكاً بشأن هذه العملية. حتى إن بعض حلفاء تركيا في حلف «شمال الأطلسي» الذين أعربوا عن حق تركيا في الدفاع عن النفس، طالبوا بعدم تعريض محادثات السلام مع الأكراد للخطر. وتعتقد أوساط صحافية في تركيا أن ما يحصل يمثل «كابوساً للأتراك لن يؤدي إلا إلى المزيد من الدماء والموت والخراب».
لكن يبدو أن أردوغان يريد الحرب من أجل أن يصل الأتراك إلى مرحلة يعتبرون فيها أنه لا خلاص إلا بالعودة الى حزب «العدالة والتنمية» ولا حل إلا بانتخابات مبكرة. ليس في الأمر تأويل لأنه قبل مدة، أكد أردوغان أن حزب «العدالة والتنمية» هو الحلّ، وهوالمخوّل الوحيد قيادة البلاد نحو السلام والازدهار. لكن الرئيس التركي لم ينتبه إلى أن سلوكه قد يعيد صورة تركيا الظالمة إلى أذهان حلفائه الغربيين، وهي السياسة نفسها التي أدت إلى تقديم الغرب الدعم الأكراد في العراق وتركيا، وأدت إلى تدخله من أجل التمهيد للمحادثات التي جرت في عام 2012، على يد أردوغان نفسه. كذلك، إن ما يحصل مع أكراد سوريا حالياً، وتحالف واشنطن معهم لن يسمح لتركيا بضربهم رغم أنهم امتداد لحزب «العمال الكردستاني» الذي أصبح المظلة التنظيمية لأكراد سوريا.
يبدو أن سياسة «العدالة والتنمية» ستحمل الولايات المتحدة على دعم أكراد سوريا أكثر فأكثر، وهذا ما تخشاه أنقرة. ما تقوم به تركيا بتحريض من أردوغان بعد فقدانه الأغلبية لن يقوده إلى الربح، بل إلى إضعاف حزبه أكثر، لأن الانتخابات الأخيرة إن دلت على شيء، فهو أن الأكراد والأتراك على حد سواء يريدون السلام بعد عقود من صراع كلّف الطرفين الكثير من الدماء.