شكّل خطاب «حال الاتحاد» الأول للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، فرصة تفسح له إبراز لغة جديدة لم يلجأ إليها في سنته الأولى على رأس الولايات المتحدة، فاستهلّ خطابه بالدعوة إلى توحيد الصفوف في الداخل الأميركي، ودعا «الجميع إلى وضع الخلافات جانباً»، مركزاً على توجهات تصالحية تمثلت في تقديم يد العون للديموقراطيين بهدف «تعزيز الاقتصاد»، والتوافق على خطة لتطوير البنية التحتية، ومذكّراً في الوقت ذاته بعرضه السابق لما وصفه بـ«الصيغة التوافقية» لإصلاح نظام الهجرة.
هذه «اللغة الجديدة» قوبلت بنقد حاد من الصحف العالمية والأميركية، في مؤشر على استمرار الصراع الداخلي، حول القضايا الجوهرية، وهو أمر كان متوقعاً لدى كثيرين، خصوصاً أن المعسكرين الديمقراطي والجمهوري في طور شحذ السلاح، مع بدء العد العكسي لانتخابات التجديد النصفي للكونغرس.
وفي صحيفة «الغارديان» البريطانية، على سبيل المثال، لجأ ريتشارد وولف، إلى استخدام النبرة الساخرة، ليقول إنّ «ترامب يمكنه أن يدّعي في خطابه أنّه بمواصفات لم يتحلَّ قَطّ بها، ويمكنه أن يقبل دعم برلمان يسخر منه»، مضيفاً أنه «كان من دواعي الارتياح سماع ترامب وهو يتحدث عن حبه للولايات المتحدة وعن الحلم الأميركي».

انتقد ترامب أخطاء الإدارات الأميركية السابقة

أما «وول ستريت جورنال» الأميركية، فعلّقت على «النبرة التصالحية» في كلام ترامب، قائلة إنّه «يحاول لعب دور جديد، أي دور المتفائل»، مضيفة أنّ الرئيس الأميركي «عوّد الناخبين، خلال السنة التي تلت انتخابه، الظهور مراراً كشخص غاضب يفرّق بين الأميركيين، لكنه ليل الثلاثاء حرص على أن يظهِر للأميركيين صورة مختلفة».
وفي مقاربة أخرى، أشارت صحيفة «واشنطن بوست» إلى أنّه «بينما تحدث ترامب عن توحيد الصفوف في الداخل الأميركي، فإنّه استخدم في الخطاب نفسه لغة انقسام... إذ شنّ هجمات كلامية حادة على أسلافه»، إضافة إلى أنّه وصف نظام الرعاية الصحية في عهد باراك أوباما (ObamaCare) بالـ«كارثي»، وتحدث عن «أخطاء الإدارات السابقة»، وعمّا سمّاه «عهد الاستسلام الاقتصادي».
وذكّرت الصحيفة بأنّ «ترامب أمضى عامه الأول في الرئاسة وهو يهاجم مؤسسات أميركا الديموقراطية... ويخلق انقسامات في الداخل الأميركي».
ترامب الذي تراجعت شعبيته إلى نحو 40%، وفق دراسة لـ«ريل كلير بوليتيكس»، رأى أن قانون الإصلاح الضريبي وتخفيف القيود والضوابط سيدفعان عجلة الاقتصاد الأميركي، لكنه لم يقنع الديموقراطيين الذين ردوا على الخطاب، وقالوا إنه «في الوقت الذي تتزايد فيه أسهم البورصة، والأرباح، لا يحصل العمال في البلاد على حصتهم». وأضافوا أن «روسيا غارقة إلى ركبها في الديموقراطية الأميركية»، لافتين إلى أن «فوضى العام المنصرم أصبحت أكبر من أي خلاف سياسي حزبي، وأنها أيضاً قوضت إيمان الأميركيين بالمساواة».
كذلك، نشرت «الواشنطن بوست» رسماً ساخراً للرسام ديفيد فيتزيمونس، مفاده أن ترامب «تجنّب كل المواضيع الأساسية وأخطاءه والفضائح التي تتابع إدارته، وركز على الاقتصاد الأميركي، وادعى أنه من وضع الاقتصاد على السكة الصحيحة، رغم أنه لم يصل إلى الرئاسة إلا قبل عام فقط». ولاحظت الصحيفة أن «الرئيس الأميركي لم يذكر ما اعتبرته التهديدات الأكبر الطويلة الأمد»، مشيرة هنا إلى أن «الأزمة المالية باتت أخطر بسبب القوانين الضريبية التي أصدرها ترامب، هذه الأزمة أصبحت تشكل تهديداً للأجيال المستقبلية، كذلك إن عدم المساواة الاقتصادي ارتفع، وبات التدخل الروسي يشكل تهديداً للانتخابات الأميركية». وختمت الصحيفة باستبعادها أن «يتغير أي من الأمور التي ذكرت بعد خطاب ترامب».
وكان واضحاً أن السياسة الداخلية قد احتلت الحيّز الأكبر في خطاب «حال الاتحاد»، ولا سيما في ظل الاستقطاب السياسي الحاد، الذي بات يشكل السمة الأساسية لعهد الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة.
وعلى هذا الأساس، لم يحظَ ترامب بوقت وافر للحديث عن السياسة الخارجية، ولكن ذلك لم يحل دون أن يتطرق إلى أهم القضايا العابرة للحدود، والتي دسّ فيها جرعة مكثفة من السم، وإن لم تتجاوز المواقف المعلنة سابقاً، وأبرزها اعترافه بالقدس «عاصمة لإسرائيل»، حيث كرّر أن بعض الدول التي قدمت لها الولايات المتحدة مساعدات بقيمة 20 مليار دولار قد صوتت ضد هذا الاعتراف في الأمم المتحدة، مطالباً، على هذا الأساس، الكونغرس بإصدار تشريع للتأكّد من أن المساعدات الأميركية تذهب إلى «أصدقاء واشنطن، لا إلى أعدائها».
وكما نسب ترامب إلى نفسه، في الداخل، «إنجاز» وضع الاقتصاد الأميركي على السكة الصحيحة، نسب أيضاً إلى التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة «إنجازاً» آخر، يتمثل بتحرير ما يقارب «المئة في المئة» من الأراضي التي احتلّها داعش في العراق وسوريا.
وفيما غابت الأزمة السورية عن الخطاب، كان لموسكو وبكين وكوريا الشمالية والاتفاق النووي الإيراني وخليج غوانتانامو في كوبا، حصة من كلام ترامب، الذي تغيّر من اللغة الهادئة الذي اعتمدها في القسم الأول من الخطاب، إلى لغة التصعيد.
وبدأ الرئيس الأميركي بدعوة الكونغرس إلى التطلع إلى عيوب الاتفاق النووي، واصفاً إياه بـ«الشنيع»، ومؤكداً في الوقت ذاته أن واشنطن تدعم الشعب الإيراني في «كفاحه من أجل الحرية»، لينتقل من ثم إلى كوريا الشمالية ويصف نظام رئيس البلاد، كيم جونغ أون، بـ«القمعي»، متهماً بيونغ يانغ بأنها تسعى بنحو «متهور» إلى حيازة القذائف النووية، لينتهي بموسكو وبكين اللتين وضعهما إلى جانب «الأنظمة المارقة» و«الجماعات الإرهابية» في التهديدات التي تواجهها الولايات المتحدة.
ووصف ترامب روسيا والصين بأنهما «منافسان يشكلان تحدّياً لمصالحنا واقتصادنا وقيمنا»، مشدداً على أنه «في إطار مواجهة هذه المخاطر الفظيعة، ندرك جيداً أن الضعف هو الطريق الأقصر إلى خسارة الصراع، في حين أن تفوّق القوة هو أكثر الوسائل ضماناً للدفاع الحقيقي»، وموجّهاً في هذا الإطار دعوة إلى الكونغرس لكي «يضع حدّاً للقيود الخطيرة المفروضة على الشق العسكري، وأن يموّل جيشنا العظيم بالكامل»، بما في ذلك «تحديث ترسانتنا النووية وإعادة تطويرها».
(الأخبار، أ ف ب)