طهران | حاولت الولايات المتحدة وحلفاؤها، خلال المفاوضات النووية مع إيران، اللعب على الكلمات، بهدف إبقاء باب التأويل مفتوحاً، أو بالتعبير الإيراني «سر ما کلاه بگذارد»، أي أن تقوم «بالاحتيال علينا». الموضوع الصاروخي، الذي دخل نظام العقوبات عام 2007، كان بعد نتائج «الهزيمة الصهيونية في حرب تموز مع لبنان» عام 2006، حينما لعبت القوة الصاروخية لحزب الله، المدعومة إيرانياً وسورياً، دوراً بارزاً في إحباط مشروع الشرق الأوسط الجديد، الذي بشّرت به آنذاك وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس.
هاجس الصواريخ البالستية مطلب إسرائيلي بامتياز، حاولت واشنطن إمراره في زحمة بنود الاتفاق، لكن المفاوض الإيراني كان يقظاً ومتربصاً، وكانت عينه منذ البداية على هذا البند بالتحديد. لذا، طرحت فكرة رفع العقوبات التسليحية وشكلت عقدة كادت تفجّر المفاوضات، ثم جرى تحديد صيغة وتشكيل لجان مشتركة للإشراف على هذا الموضوع، وأقرّ بند منع طهران من إنتاج أو تطوير أو تجربة صواريخ بالستية، خلال السنوات الثماني المقبلة.
ما تخشاه تل أبيب هو صاروخ «سجيل» البعيد المدى وصاروخ «فاتح 110» المتوسط المدى

وافق الوفد النووي في فيينا على ذلك، بعدما قرأ أن القيود على الصواريخ تحدّد المصمَّم منها لحمل رؤوس نووية، وبما أن الاتفاق يعترف بسلمية الرنامج النووي ــ بالتعبير الغربي منع الوصول إلى القدرة النووية العسكرية ــ فلا حاجة إلى تطوير صواريخ من هذا الطراز، لذا فإن أي مطالبة لطهران بوقف تصنيع الصواريخ البالستية ستكون من وجهة نظر إيرانية مطلباً غير محق لا ينقض بيان الاتفاق ولا يلزم إيران تنفيذه، لأنه يأتي ضمن إطار الصناعات العسكرية المتعارف عليها.
العسكر هنا لم يعر أي اهتمام لهذا البند، وصرّح قبل قرار مجلس الأمن الدولي بأن الموضوع الصاروخي لا يعني المفاوضات، وأن أي قرار سياسي أو أممي سيصدر لن يعنينا. ولكن الأهم بالنسبة إلى الوحدات الصاروخية هو الإبقاء على القدرات الردعية بشعاع ألفي كلم، وهو المدى المجدي للرد الإيراني على أي اعتداء.
لقد استطاع المفاوض النووي، باللعب على الكلمات، أن يمتص الخديعة الأميركية التي كانت مكشوفة لديه منذ البداية، فظلّ يؤجّل في بحثها وصولاً إلى المراحل الأخيرة من المباحثات. في هذا الوقت، وضعت صيغة نهائية ترضي الطرفين وتخرج النزاع من بيان الاتفاق إلى التفسير في مجلس الأمن، فنقض هذه المادة لا يعني نقض الاتفاق النووي، لأن موضوع القيود على الصواريخ البالستية كان فضفاضاً وقابلاً للتأويل من ناحية اعتماد كلمة الصواريخ المصمّمة لحمل رؤوس نووية، وهو ما لا تملكه إيران.
سعت الإدارة الأميركية، بهذه المحاولة، إلى أن تطمئن إسرائيل إلى أن يد إيران الطولى صاروخياً سيتم التحكم فيها، وأن لا خوف من البالستي مستقبلاً، لكن كلام المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي قلب الموازين. إنه القائد الأعلى للقوات المسلحة، ويأتمر الجميع بأمره في إيران، وهو قال يوماً: «أي اتفاق نووي لن يحفظ أمن إسرائيل».
كلام خامنئي لم يعنِ التهديد بالسلاح النووي، فهو محرّم دينياً طبقاً للعقيدة، والاتفاق النووي لن يسمح بوصول طهران إلى الكتلة الحرجة على أعتاب القنبلة النووية، لكن إسرائيل مهدّدة بالصواريخ البالستية، وما تخشاه تل أبيب هو صاروخ «سجيل» البعيد المدى وصاروخ «فاتح 110» المتوسط المدى. صاروخان يمكنهما أن يضربا عمق الكيان، الأول بمدى يصل إلى ألفي كلم والثاني بمدى يصل إلى 300 كلم، مع هامش خطأ يصل إلى سبعة أمتار فقط.
هنا، يكمن الخوف من البالستي الإيراني؛ فالتهديد بوجود الخيارات كافة على الطاولة أميركياً يستفز العسكر الإيراني، ويجعله في حالة استنفار دائمة وجاهزية مرتفعة، لتنفيذ وعيده بإطلاق 11 ألف صاروخ. وفي أول لحظات من أي هجوم على إيران، ستنهمر هذه الصواريخ على القواعد الأميركية والإسرائيلية، وأي منطقة عليها قوات مهاجمة أو حليفة لها، انطلاقاً من أفغانستان مروراً بمياه الخليج وشواطئه، وصولاً إلى إيلات.