بدا الحدث الأبرز إيرانياً، يوم أمس، دخول مجلس الشورى الإيراني، رسمياً، على خط الاتفاق النووي، وذلك بالمصادقة على تشكيل لجنة برلمانية لدراسة الاتفاق. تم التوصل إلى ذلك في جلسة علنية، قدم خلالها وزير الخارجية محمد جواد ظريف، ورئيس وكالة الطاقة الذرية في إيران علي أكبر صالحي، تقريرهما بشأن محصلة المفاوضات.واللافت إيرانياً، أيضاً، كان كسر مستشار المرشد الأعلى للشؤون الخارجية، علي أكبر ولايتي، صمته الطويل، قائلاً إن «سياسة إيران الاستراتيجية بعد الاتفاق النووي لن تتغير»، ومؤكداً أن «دعمها المناضلين في المنطقة حول محور المقاومة، سيظل كما كان عليه، بل سيتعزز أيضاً».

ووفق ما أفادت به وكالة «فارس»، فقد أكد ولايتي أن «إيران لن تتراجع أبداً عن ثوابتها العسكرية، وستنتج أي صاروخ تراه مناسباً». وهو إذ شدد على أن «لا أحد يمكنه أن يحدّد لنا أي الأسلحة نمتلك»، أوضح أنه «باستثناء الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل، فإن إيران ستواصل صنع كل أنواع الصواريخ والطائرات المقاتلة وأنظمة الدفاع المضادة للصواريخ والدبابات وغيرها من المعدات المدرعة التي تحتاجها».
أكد صالحي أنه يتحمل
المسؤولية الشرعية والوجدانية والعرفية والعقلانية عمّا أُنجز

ولايتي الذي أشاد بكفاءة الفريق النووي الإيراني وخبرته، رأى أن «هناك في الوقت نفسه نقاط قوة وضعف في أداء الفريق»، موضحاً أن «الفريق نفسه لا يدّعي أن نص الاتفاق مثالي». وأشار إلى أن «هذه هي طبيعة التفاوض المتسمة بالأخذ والعطاء، لا أن تحقق كل ما تريده».
في هذه الأثناء، كان ظريف يقدم إيضاحات حول بعض بنود الاتفاق، في جلسة علنية لمجلس الشورى. فأكد أن غالبية شروط بلاده، إن لم يكن كلها، قد استوفيت، بما في ذلك «الخطوط الحمر» التي حددها المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي.
وقال: «لا نقول إن الاتفاق بالكامل في مصلحة إيران. فأي مفاوضات فيها الأخذ والعطاء. وبكل تأكيد أبدينا بعض المرونة». وأضاف ظريف: «أقول لكم كما قلت للمرشد الأعلى، إننا بذلنا أقصى ما في وسعنا للحفاظ على غالبية الخطوط الحمر، إن لم يكن كلها».
في ما يتعلق بالبرنامج الصاروخي والتسليحي لإيران، شدّد الوزير على أنه «لا يرتبط بأي أحد»، موضحاً في الوقت نفسه أنه جرى «تبديل القرار الصادر عن مجلس الأمن برقم 1929 الذي يقضي بحظر الأنشطة الصاروخية، إلى طلب غير ملزم بالامتناع عن الأنشطة في مجالات الصواريخ البالستية المصمّمة لحمل الأسلحة النووية». وأكد أنه «بما أن إيران لم تسع لذلك أبداً، فإنه لن يؤثر في برنامجنا الصاروخي».
في جانب آخر، أوضح ظريف أن «الأهداف التي أصرّت عليها إيران هي حفظ عزتها واقتدارها وتثبيت البرنامج النووي، خصوصاً التخصيب ومفاعل الماء الثقيل في آراك ومنشأة فوردو، والاعتراف الدولي بها وإلغاء الحظر، وإنهاء القرارات الستة المهدّدة الصادرة عن مجلس الأمن الدولي تحت الفصل السابع».
ورأى وزير الخارجية الإيراني أن «المنجز الأكبر الذي حصلت عليه إيران، هو تأييد مجلس الأمن عملية التخصيب، وهو الأمر الذي لا سابق له في تاريخ مجلس الأمن على مدى 70 عاماً». كذلك أشار إلى أن بلاده «في إطار مشروع علمي، ولمدة 15 عاماً، ستصل إلى إمكانية تكفي لخمس محطات نووية، وهو في الحقيقة أمل بعيد المنال للكثير من دول العالم».
أما عن القيود التي طرحها البيت الأبيض وتصل إلى 20 و25 عاماً، فقد أشار ظريف إلى أنها «ليست قيوداً تتناقض مع الخطوط الحمر المطروحة من جانب إيران، بل هي مجرد إجراءات للشفافية، مثل مراقبة المعادن ولا تسبب أي مشكلة»، موضحاً أنها «تحول دون الكثير من الاتهامات مستقبلاً من المحتمل أن تؤدي إلى مطالب غير منطقية لتفقد بعض المواقع».
أما علي أكبر صالحي، فأكد أنه يتحمّل المسؤولية الشرعية والوجدانية والعرفية والعقلانية عمّا تم إنجازه في المفاوضات، على الصعيد التقني». ورأى صالحي أن المفاوضات لم تكن بالأمر السهل، ولا سيما أنها كانت في إطار التحدي أمام جنود الشيطان. ووصف الإنجاز الذي تحقق في المفاوضات بـ«الكبير»، قائلاً إن «التاريخ سيعكس أن نموذج التعاطي السياسي العالمي سيؤول إلى التغيير بصورة شاملة، وقد قرعت طبول هذا الأمر في فيينا».
في غضون ذلك، بدا أن خطاب المرشد الأعلى الذي أعاد فيه، السبت، تحديد خطوط السياسة الإيرانية للمرحلة المقبلة، لا يزال مثار امتعاض غربي، وتحديداً أميركي. فقد أبدى وزير الخارجية الأميركي جون كيري انزعاجه «من العداء الذي أبداه خامنئي للولايات المتحدة»، مشيراً في السياق إلى أنه ينوي طمأنة الدول الخليجية بشأن الاتفاق.
وقال كيري، في حديث إلى قناة «العربية»: «سأستعرض بالتفصيل كل الطرق التي تجعل المنطقة أكثر أماناً بسبب هذا الاتفاق»، وذلك في إشارة إلى اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي في قطر، في الثالث من آب المقبل. وأضاف: «سأبحث أيضاً معهم مطولاً في ما ستفعله الولايات المتحدة بالتعاون معهم لإبعاد التهديد الإرهابي... المقلق بالنسبة إليهم أيضاً».
وفي ردّ على المخاوف من استخدام إيران رفع العقوبات لتعزيز جيشها وتقوية حلفائها في المنطقة، قال كيري: «دعوني أطرح عليكم سؤالاً: من لديه أموال أكثر السعودية أو الإمارات أو قطر أو إيران؟»، وهو ما يعتبر تقليلاً من أهمية هذه المخاوف، عامة.
الوزير الأميركي أكد أن الاتفاق سيحسّن أمن المنطقة بمنع إيران من الحصول على سلاح نووي. وقال إن «الاتفاق يقضي على احتمال السلاح النووي. لكن إذا قمنا بالأمور الصائبة... فأعتقد أن دول الخليج والمنطقة قد تشعر بأمان أكبر مما تشعر به اليوم».
أما في باريس، فأعلن وزير الخارجية لوران فابيوس أنه سيتوجه إلى إيران «الأسبوع المقبل»، حيث سيلتقي خصوصاً الرئيس حسن روحاني، في حين أفاد مقربون منه بأن الزيارة مقررة في 29 تموز. وقال فابيوس، الذي سيكون أول وزير خارجية فرنسي يزور إيران منذ 12 عاماً، إن موقف بلاده المتشدّد من إيران، خلال المفاوضات النووية، لن يضرّ شركاتها عندما تعود إلى إيران بعد رفع العقوبات.
وتأتي زيارة فابيوس بعد زيارة نائب المستشارة الألمانية ووزير الاقتصاد الألماني سيغمار غابريال، وفي وقت أعلنت فيه منسقة السياسات الخارجية في الاتحاد الأوروبي فدريكا موغريني عزمها على زيارة طهران في المدى القريب.
(الأخبار، رويترز، أ ف ب)