جلّ ما يتحدث به السعوديون، تعقيباً على الزيارة الأخيرة لولي ولي العهد محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة، هو «إعادة إحياء» العلاقات بين البلدين، بعد «التحديات» التي عرفتها خلال عهد الرئيس السابق باراك أوباما، في وقت اتفق فيه الطرفان على تعزيز التعاون الاقتصادي والعسكري و«مواجهة إيران». إلا أن عدداً من وسائل الإعلام الأميركية قارب المسألة من منظار آخر، طارحاً تساؤلات عديدة عن الهدف من تجديد تلك العلاقة.
ولعلّ أبرز معبّر عن المواقف السعودية، هو ما جاء على لسان وزير النفط، خالد الفالح، الذي قال إن العلاقات بين بلده والولايات المتحدة هي، حالياً، بأفضل حالاتها، وإن البلدين متفقان تماماً على مواجهة «العدوان» الإيراني. وتابع الفالح، الذي يرافق محمد بن سلمان، أن «الزيارة متّنت أهمية العلاقة الأميركية ــ السعودية»، التي عدّها أساسية في الحفاظ على «الاستقرار العالمي». الفالح أوحى بأن الزيارة لعبت دوراً مهماً في التقارب بين ترامب وابن سلمان، مشيراً إلى أن «الرابط الشخصي ساعد على ترسيخ التوافق على جميع القضايا الأساسية».
وكان قد سبق تصريح الفالح موقف سعودي آخر أدلى به أحد «المستشارين الرئيسيين» لابن سلمان، كان محطّ تداول في الإعلام العربي والغربي. فقد أكد هذا المستشار أن المحادثات بين الطرفين تشكّل «نقطة تحول تاريخية» في العلاقة بين البلدين. ووصل به التفاؤل إلى القول إنها «أعادت الأمور إلى الطريق الصحيح، وشكّلت تغييراً كبيراً في العلاقة بين البلدين، على المستوى السياسي والاقتصادي والعسكري والأمني».
وإن أشارت بعض الوسائل الإعلامية الأميركية إلى الموقف المذكور، إلا أن عدداً منها طرح نقاط استفهام بشأن العلاقة المستجدة بين الولايات المتحدة والسعودية، والتي عرفت تدهوراً خلال عهد باراك أوباما، على خلفية توقيع الاتفاق النووي مع إيران. وفيما لم تذهب إدارة أوباما بعيداً في دعم العدوان السعودي على اليمن، تحضر رئاسة دونالد ترامب للولايات المتحدة كفرصة سانحة أمام السعوديين لاستعادة الدعم الأميركي الذي كان محطّ انتقاد خليجي خلال عهد سلفه. وهنا تجدر الإشارة إلى أن ترامب نفسه لم يكن من المعجبين بالسعودية، فقد كان قد صنّفها خلال حملته الرئاسية، العام الماضي، على أنها من الدول التي تعتمد على الحماية الأميركية من دون «دفع حصتها». إلا أنّ تحوّلاً بدأ يطرأ على مواقفه، في الآونة الأخيرة، وبدا ذلك جلياً من خلال تسعير تدخل الولايات المتحدة في اليمن، فضلاً عن تصريحات أدلى بها، قبل زيارة بن سلمان، لاقت قبولاً خليجياً عاماً، وسعودياً بشكل خاص. وترافق ذلك مع خطوات قام بها ترامب، ضمن إدارته، تعدّ مؤشراً على التقارب مع السعودية.
الباحث المتخصص في الشأن السعودي دافيد ونبرغ، رأى في حديث إلى شبكة «سي أن أن» أن التصريحات السعودية «المتزلّفة» لترامب هي جزء من استراتجيتها. وقال إن من الصعب التفريق بين ما هو مجرّد «إطراء» وما هو واقعي، مع إشارته إلى حديث السعوديين عن «نقطة تحوّل تاريخية» في العلاقة مع الولايات المتحدة، وعن ثنائهم الغزير على الرئيس الأميركي الجديد.
أما صحيفة «واشنطن بوست»، فقد أشارت في أحد تقاريرها إلى أن الاتفاقات الثنائية هي لمصلحة السعودية، ولا تعود بالنفع على الولايات المتحدة. ووفق رؤيتها، فإن التقرّب من واشنطن هو «لعبة واضحة» بالنسبة إلى السعوديين، ذلك أن العلاقات مع الولايات المتحدة ساءت كثيراً في اللقاء الأخير الذي جمع أوباما مع الملك سلمان، حين وقع «جدل» بين الطرفين، وفق مصادر الصحيفة. علاوة على ذلك، نقلت الصحيفة عن أندرو بوين، الباحث في معهد «أميركان إنتربرايز» المحافظ، قوله إن السعوديين عبّروا عن تفاؤلهم بإدارة ترامب، ومقاربتها للسياسة الخارجية بشعار «أميركا أولاً». ولفت بوين إلى أن «ترفّع ترامب عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ومقاربته القاسية لداعش وإيران»، هو أمر جيد جداً بالنسبة إلى القيادة السعودية. وقد عقّبت الصحيفة على ذلك، معتبرة أنه بالنسبة إلى القيادة السعودية لا توجد «عوائق» مع إدارة ترامب، في ما يتعلق «بالإصلاح السياسي وحقوق الإنسان» داخلها.
كذلك، تطرّقت الصحيفة إلى جانب آخر من الرابط بين الإدارتين، مشيرة إلى أن ترامب اختار ضمن إدارته أصدقاء قدامى للحكومة السعودية ولدول الخليج، مثل وزير الدفاع جايمس ماتيس الذي عمل لعقود مع حكومات الخليج في المسائل العسكرية، ووزير الخارجية ريكس تيلرسون الذي يملك علاقات وثيقة مع السعوديين، منذ أن كان رئيساً تنفيذياً لشركة «إيكسون موبيل». وكلاهما، أي ماتيس وتيلرسون، وافقا على أن «الإصلاح السياسي وحقوق الإنسان» يجب ألا يكونا شرطاً مسبقاً لتقديم مساعدات عسكرية للسعوديين.
أما في مسائل الأمن، فقد أبدى البيت الأبيض استعداداً للتعاون مع السعوديين في مكافحة الإرهاب، وفي الدعم العسكري للعدوان على اليمن وزيادة الضغط على إيران. لكن في القضية الشائكة المتعلّقة بتورط السعودية في نشر الإيديولوجية الإسلامية المتطرّفة، فقد بقيت إدارة ترامب صامتة، وهو ما أشارت إليه "واشنطن بوست"، ناقلة عن الباحث في «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية»، جون ألترمان، إشارته إلى أن «هذا الأمر صعب جداً بالنسبة لإدارة ترامب، على المستوى السياسي". ومن هذا المنطلق، فقد أوضح أنه "إذا كان الرئيس يتحدث عن معارضة جوهرية للإسلام المتطرّف، لكن يبقى بالنسبة إلى العديد من داعميه أن هناك عنواناً واحداً لهذا الإسلام، هو السعودية».
ابن سلمان التقى، أمس، وزير الدفاع الأميركي جايمس ماتيس، وبحثا التعاون العسكري ومحاربة «داعش». أيضاً، تطرّق الجانبان إلى «التصدي لأنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة»، وفق بيان صادر عن وزارة الدفاع الأميركية. وبانتظار تبلور الوعود الأميركية السياسية والعسكرية إلى وقائع، يبقى أن هذه الزيارة أتت أُكلها، في الوقت الحالي، وأعطت السعودية الدفع المعنوي الذي تسعى إليه، والذي تجلّى على شكل «علاقة حب من دون شروط» بين ترامب وابن سلمان، عكف المسؤولون السعوديون وإعلامهم على الترويج لها، أخيراً.
(الأخبار)