لم يكن وزير الخارجية الأميركي الجديد ريكس تيلرسون بحاجة إلا إلى جولة آسيوية، كي يبرز أخيراً على الساحة الدولية على أنه قائد الدبلوماسية على الطريقة الأميركية، بعدما كانت التساؤلات تتزايد عن دوره في سياسة بلاده الخارجية المرتقبة، في ظل غيابه عن مفاصل عدّة، منذ تبوّئه منصبه.
تيلرسون كان قد قام بزيارتين خارجيتين؛ الأولى إلى المكسيك (على خلفية التوترات بين البلدين بعد قرار ترامب بناء جدار على الحدود بين البلدين)، والثانية إلى مدينة بون الألمانية، حيث شارك في قمة العشرين. إلا أن الجولة التي بدأها أمس من اليابان، هي الأولى إلى إحدى مناطق الأزمات، وستشمل كوريا الجنوبية، التي ينتقل إليها اليوم، لتكون الصين محطّته الأخيرة غداً.
محور الجولة هو كوريا الشمالية، وقد شكلت فرصة للوزير الآتي من خارج المنظومة السياسية كي يُطلق العنان لأول تصريحاته "القوية" والمثيرة للجدل، ذلك أنه بشّر أمس بمقاربة جديدة تجاهها، على اعتبار أن استراتيجية بلاده السابقة لم تفلح.

استبقت الصين الجولة بالإعراب عن خشيتها من «ضربة وقائية»

وفيما لم يوضح تيلرسون تفاصيل هذه المقاربة، تبقى الصين الحاجز الأهم الذي يجب أن يتخطّاه في إطار تطبيقها، وفي سياق جولته، بشكل عام. فقد أعلن في مؤتمر صحافي، في أعقاب محادثاته مع نظيره الياباني فوميو كيشيدا في طوكيو، أنه سيحثّ بكين على لعب دورها في كبح جارتها بيونغ يانغ. وفيما رأى أن "من المهم الاعتراف بأن الجهود والدبلوماسية وغيرها، التي بذلت في السنوات العشرين الأخيرة، لدفع كوريا الشمالية إلى التخلي عن سلاحها النووي قد أخفقت"، فقد أعرب عن اعتقاده بأن الصينيين "قادرون على لعب دور مهم جداً" على هذا الصعيد. وقال: "سنجري محادثات مع الصين بشأن الخطوات الأخرى التي يجب أن يقوموا بها"، مشيراً في هذا السياق إلى أنه "في مواجهة هذا التهديد المتزايد، من الواضح أن تبنّي مقاربة جديدة أمر ضروري".
وتشاطر بكين واشنطن المخاوف بشأن مساعي بيونغ يانغ لبناء ترسانة من الأسلحة النووية، إلا أنها كذلك تلقي باللوم على واشنطن في تصعيد الأزمة. وكانت الصين قد دعت كوريا الشمالية، الأسبوع الماضي، إلى تعليق نشاطاتها النووية والصاروخية، مقابل وقف المناورات العسكرية الأميركية ــ الكورية الجنوبية المشتركة، لمنع حدوث مواجهة خطيرة، لكن واشنطن رفضت وقف تلك المناورات. وما يشعل التوترات أكثر بين بكين وواشنطن، هو بدء الأخيرة بنشر منظومة الدفاع الصاروخية "ثاد" في كوريا الجنوبية، الأمر الذي أعلنت الصين معارضتها الشديدة له، وحذّرت من القيام به، موضحة أن هذه المنظومة تشكل تهديداً لأمنها الخاص.
بناءً عليه، يبقى أمام تيلرسون تخطّي اختبار إقناع الصين بمجاراة واشنطن في تطبيق "المقاربة الجديدة" ــ بغض النظر عن ماهيتها ــ لا سيما أن بكين لم تكن، أصلاً، من الداعمين للمقاربة الأميركية السابقة. ويعي الأميركيون ذلك جيداً، الأمر الذي كان مدار نقاشات، إن كان على المستوى الإعلامي أو السياسي. وممّا يشير إليه عدد من المراقبين، هو اعتراض الصين المتواصل على العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على كوريا الشمالية، موضحين أن بكين "تخاف من أن تزعزع النظام القائم في بيونغ يانغ، ما قد يؤثّر على مصالحها، ويؤدي إلى توترات على الحدود التي تربطها مع كوريا الشمالية، وبالتالي إلى انتقال السلطة هناك إلى حليف للولايات المتحدة".
في المقابل، أعربت الصين، أخيراً، عن قلق غير مباشر من أن يفكّر فريق ترامب في "ضربة وقائية" على المنشآت النووية في كوريا الشمالية. وبما أنه لا يمكن توقّع تصرّفات الرئيس الأميركي، في هذا المجال، فقد أكد وزير الخارجية الصيني وانغ لي، الأسبوع الماضي، أن أولوية بلاده الآن هي "إشعال الضوء الأحمر، واستعمال الفرامل لإيقاف القطارين (أي واشنطن وبيونغ يانغ) من أجل تفادي أي اصطدام".
تيلرسون سيلتقي وانغ، غداً، وربما يلتقي الرئيس الصيني شي جين بينغ. وفيما من المفترض أن يناقش الطرفان قضايا أخرى، اقتصادية وسياسية، تبقى كوريا الشمالية المحور الشائك في المحادثات. وانطلاقاً ممّا تقدّم، قد تكون بكين أول محطة بالنسبة إلى تيلرسون، ليبرهن من خلالها مدى قدرته على اللعب ضمن أطر فرضيّة "صانع الصفقات"، التي لاحقته منذ ترشيحه.
(الأخبار)