■ صدّق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الجمعة 10 شباط على التعديل الدستوري الهادف إلى تعزيز نفوذه والذي سيكون موضع استفتاء في نيسان المقبل. كيف تنظرون إلى هذا التعديل، وهل سيُسهم نظام رئاسي في المضي قدماً في المنعرج الاستبدادي الذي تشهده تركيا منذ محاولة الانقلاب في 15 تموز الماضي؟
يأتي هذا التعديل تتويجاً لمشروع قديم، كان يرمي بادئ الأمر إلى تغيير المبادئ الأساسية للدستور، مثل تعزيز الحقوق والمواطنة والحل السياسي للمسألة الكردية، إلخ... لكننا انتقلنا من مشروع مراجعة دستورية يهدف إلى حماية الحقوق الأساسية إلى مشروع تحوير النظام السياسي.

لقد تطور النظام البرلماني في مرحلة أولى مع التعديل الدستوري لسنة 2007 الذي أقرّ بمبدأ الانتخاب المباشر لرئيس الجمهورية، والذي بدأ العمل به بعد الانتخابات الرئاسية لسنة 2014. أما اليوم، أي منذ وصول أردوغان إلى أعلى هرم السلطة، فنحن نشهد تأويلاً شبه رئاسي للدستور نحو إرساء نظام رئاسي على الطريقة التركية، وهو غير الأنظمة الرئاسية التقليدية، إذ يعترف للرئيس بإمكانية حل البرلمان ولا يترك حقاً المجال لوجود أي قوى سياسية مضادة. ففي تركيا، رُوِّضَت مؤسسات السلطة القضائية في السنوات الأخيرة وعُدِّلَت، بالتوازي مع تراجع حرية الصحافة.

■ كيف تبدو صورة حزب العدالة والتنمية اليوم؟ هل يمكن أن يُحدث هذا التعديل انشقاقات داخله أو شرخاً ما؟

الشرخ موجود، لكن أردوغان وأنصاره تجاوزوه. ارتفعت أصوات قيادات الحزب لتنتقد النظام الرئاسي حتى قبل انقلاب تموز 2016. لكن عند فوزه بالانتخابات الرئاسية في 2014، قام أردوغان بحملة تنظيف داخل الحزب، ومع تعيين أحمد داوود أوغلو على رأس الحكومة، أُرسي النظام شبه الرئاسي. بيد أن الحزب فقد أغلبيته البرلمانية في خلال الانتخابات التشريعية لحزيران 2015، ما دفع داوود أوغلو إلى تغيير موقفه والتنازل عن مشروع تحويل النظام إلى رئاسي بحت حتى يضمن فوز الحزب في خلال انتخابات تشرين الثاني. وقد أنشأ هذا الوضع الجديد خلافات بين أردوغان وداوود أوغلو آلت إلى رحيل هذا الأخير عنوة في أيار 2016. وقد بات مشروع هذا التحوير الرئاسي من مهمات خليفته بن علي يلدريم.
حسب القانون الداخلي لحزب العدالة والتنمية، لا يحق لنائب أن يمارس مهماته أكثر من ثلاث فترات حكم متتالية، وبهذا صار ممكناً منذ 2014 التخلص من عدد ليس بقليل من القادة المزعجين للحزب، إذ ابتعدت عن الساحة السياسية شخصيات مهمة مثل الوزير السابق للشؤون الخارجية علي باباكان، الملقب بـ"قيصر الاقتصاد" ونائب الوزير الأول السابق بولنت أرنيتش. وهؤلاء من الذين اعتادوا ممارسة مهماتهم وسط نظام برلماني. أما الرئيس السابق عبد الله غول، الذي كثيراً ما اختلف مع أردوغان عندما كان هذا الأخير وزيراً أولاً، فقد اختفى بدوره من الساحة السياسية منذ 2014.

■ هل يُسهم استفتاء شهر نيسان في دعم هذا التحول التأسيسي؟ وما هو ثقل أردوغان السياسي؟

تتمثل حظوظ المعارضة اليوم في قدرتها على تكوين جبهة رفض قبل شهر نيسان. الأمور لم تحسم بعد، ولا تزال هناك بعض العناصر المجهولة. لقد نجح أردوغان في إمرار مشروع التعديل بمجموع 330 صوتاً في البرلمان بفضل دعم النواب القوميين، لكن حزب الحركة القومية يعيش بدوره صراعاً داخلياً. فالحزب يواجه موجة تمرد من قبل الشق الذي يرفض تأييد حزب العدالة والتنمية. كذلك لا نعرف كيف سيكون ردّ فعل الناخبين الأكراد على حزب العدالة والتنمية، وما إذا سيديرون ظهرهم للحزب كما فعلوا في حزيران 2015.

■ بعض المحللين الأتراك يرون في إخفاق محاولة الانفتاح على أوروبا سبباً في دعم مكانة حزب العدالة والتنمية، هل تشاطرونهم الرأي؟

ما من شك في أنَّ هذا الإخفاق أدى دوراً في ذلك، ولكنه ليس العامل الوحيد. لقد تغير موقف تركيا تجاه أوروبا، فعندما قدمت أنقرة ترشحها، كانت تركيا دولة ضعيفة في تلك الفترة وتعيش حالة تبعية مع أوروبا. أما اليوم، فهي أكثر استقلالية تجاه الدول الغربية، وإن لم تقطع معها تماماً لأسباب اقتصادية واستراتيجية.

■ هل يمكن أن يسبب هذا التعديل والنفوذ المفرط لأردوغان ظهور توترات في العلاقات مع الشركاء الدوليين؟

لا، أظن أنّ حكومتي دونالد ترامب في الولايات المتحدة الأميركية وفلاديمير بوتين في روسيا ستسران كثيراً بنظرة أردوغان الاستبدادية. لكن للولايات المتحدة أكثر من حيلة لمواجهة هذا الوضع. فمن جهة، نلاحظ محاولة تقارب مع تركيا منذ انتخاب ترامب، كذلك تدرس واشنطن إمكانية تعاون مع أنقرة للقضاء على "داعش" في سوريا بالضربة القاضية. ومن جهة أخرى، الولايات المتحدة حليفة حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي في سوريا. أما العلاقات مع روسيا فهي أكثر تعقيداً. لا أظن بوتين سيستاء من تعزيز النفوذ الشخصي لأردوغان، ولكن في نفس الوقت، العلاقات بين روسيا وتركيا ليست بالانسجام الذي يروّج له. لقد قدم القصف الروسي الأخير للجيش التركي في منطقة الباب على أنه "غير مقصود"، رغم أنه الحادث الثاني من نوعه منذ شهر تشرين الثاني، وهذا لافت للانتباه. هناك تعاون بين روسيا وتركيا بالنسبة إلى خطة السير، لكن مواقفهما الاستراتيجية تبقى متضاربة، سواء في سوريا أو في أوروبا الشرقية أو في القوقاز. لذا، يبقى هذا التعاون هشّاً وصعباً. وفي آخر المطاف، قد يطمئن هذا التعديل أردوغان على الصعيد الدبلوماسي، لكن تداعياته الاستراتيجية صعبة التنبؤ.