بعد شهرين على الهزيمة التي شهدها حزبه في الانتخابات النصفية، دخل الرئيس الأميركي، باراك أوباما، أمس، إلى مبنى الكابيتول، كأنه عائد من معارك حقّق فيها انتصارات ساحقة. تسلّح بإنجازاته على المستوى الاقتصادي، ليتحدث بلهجة تميّزت بالتحدي، أمام الكونغرس الذي يسيطر الجمهوريون الآن على مجلسيه، فدعا معارضيه إلى زيادة الضرائب على الأثرياء وهدّد باستخدام حق النقض (الفيتو) لعرقلة أي تشريعات قد تقوّض قراراته الرئيسية، من ضمنها العقوبات التي قد يجري إقرارها على إيران.

وبرغم أنه كان يلقي خطابه السنوي عن حالة الاتحاد، في «أرض الأعداء»، بدا الرئيس الأميركي، أمس، مصراً على تحقيق انتصاره الخاص ولو ليلة واحدة. وبثقة عالية، ألقى كلمته «الحبلى» بالإنجازات والخطط الاقتصادية الشعبوية التي تلقى قبولاً لدى الناس، مكرّساً حوالى 10 دقائق للسياسة الخارجية من خطاب دام أكثر من ساعة. فبعد الحديث المستفيض عن تخطّي الركود الاقتصادي، تطرّق أوباما إلى عدة ملفات، من بينها قضيّة الضرائب المفروضة على الشركات الصغيرة والطبقة المتوسطة، والاهتمام برعاية الأطفال، والإجازات المرضية، والتعليم الجامعي، إضافة إلى ضرورة التوصل إلى طرق جديدة لمواجهة خطر التغيرات المناخية، التي تمثل تهديداً على الأجيال المقبلة.
في الشق المتعلّق بالعراق وسوريا، قال أوباما، أمس، من دون تدعيم تقويمه بأي وقائع، إن «القيادة الأميركية، من ضمنها القوة العسكرية، تتقدّم على طريق إيقاف تنظيم الدولة الإسلامية»، مطالباً الكونغرس بتمرير قرار يسمح باستخدام القوة ضد «الجهاديين» في سوريا والعراق، في ما يمكن وصفه بـ«أقصر وأفتر دعوة للحرب في التاريخ الأميركي»، وفق الكاتب في مجلة «ذي أتلانتك»، بيتر بينارت.
وقال أوباما: «الليلة، أدعو هذا الكونغرس كي يظهر للعالم أننا متّحدون في هذه المهمة، عبر الموافقة على قرار إجازة استخدام القوة» ضد تنظيم «الدولة الإسلامية».
وأكد الرئيس الأميركي أن واشنطن تتعاون مع دول في جنوب آسيا وشمال أفريقيا لمنع الإرهابيين من التقدم والاختباء في مواقع آمنة، كما أكد دعم بلاده لـ«معارضة معتدلة» في سوريا. وقال: «نقف صفاً واحداً مع كل الذين استهدفهم إرهابيون في جميع أنحاء العالم، من مدرسة في باكستان إلى شوارع باريس»، مشدداً على «أننا سنواصل مطاردة الإرهابيين وتدمير شبكاتهم ونحتفظ بالحق في التحرك من طرف واحد».
وفي أثناء حديثه عن الهجوم الذي استهدف «شارلي ايبدو» وقتل فيه بعض من أكثر رسامي الكاريكاتور شهرة في فرنسا، وقف المشرعون الأميركيون تكريماً لذكرى هؤلاء فيما رفع بعضهم الأقلام.
وفيما ندّد أوباما «بمعاداة السامية المدانة» التي عادت إلى الظهور في بعض أنحاء العالم، أكد من جهة أخرى «مواصلة رفض الأفكار النمطية المهينة حول المسلمين، الذين تشاطر الأكثرية الساحقة منهم التزامنا بالسلام».
وفي حديثه عن روسيا وأوكرانيا، فبرغم أنه لم يعلن الانتصار على نحو واضح على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كان قريباً من ذلك، فسخر من هؤلاء الذين قالوا، بعدما ضم بوتين شبه جزيرة القرم العام الماضي، إن الرئيس الروسي تلاعب بالغرب. ورداً عليهم قال أوباما: «اليوم، أميركا هي التي تقف قوية ومتحدة مع حلفائها، فيما روسيا معزولة، واقتصادها متهالك». وتحدث عن المفاوضات النووية مع إيران، قائلاً إن لدى العالم «فرصة حقيقية للتوصل إلى اتفاق يمنع إيران من تطوير سلاحها النووي»، مجدداً تأكيده وتحديه للكونغرس، بأنه سيستخدم «الفيتو» ضد مشروع أي قرار يفرض عقوبات جديدة على إيران، «لأن ذلك سيعيق جميع الجهود الدبلوماسية».
كما تطرق الرئيس الأميركي، خلال خطابه، إلى عدد من الملفات العالمية، من بينها مطالبته الكونغرس بالعمل على إنهاء الحظر على كوبا، التي لم يكن مستغرباً أنه كرّس غالبية الشق المتعلق بالسياسة الخارجية لها، آملاً بذلك أن يلفت الانتباه إلى نصر ما على الصعيد الخارجي، بعدما تحدّث على نحو مسهب عن تخطّي الركود الاقتصادي على الصعيد الداخلي. فكان لا بدّ من الإشارة إلى الحروب التي أنهاها، مستديراً بذلك إلى إنهاء الحروب الباردة بدل الحروب الساخنة، التي كان يروّج لها في خطاباته السابقة عن حالة الاتحاد.
وأكد الرئيس الأميركي أن الوقت قد حان أخيراً لإغلاق سجن غوانتانامو «لأنه لا يمثل مبادئ الولايات المتحدة»، مضيفاً أنه «ليس من المعقول إنفاق نحو ثلاثة ملايين دولار لكل سجين مقابل إبقاء هذا السجن مفتوحاً».
وأنهى أوباما خطابه بواحدة من ماركاته المسجلّة، داعياً إلى الوحدة ومتعهّداً العمل مع الجمهوريين يداً بيد، لتصبح الولايات المتحدة الأميركية أقوى.
(الأخبار)