رغم انقلابه شبه الكامل على برنامجه الانتخابي الذي أوصله إلى السلطة مطلع العام الجاري، وتجاهله إرادة غالبية ساحقة من اليونانيين عبّرت عن رفضها شروط دائني البلاد في استفتاء شعبي، وتبنيه حزمة جديدة من الشروط، أسوأ من سابقتها... ورغم انشقاق الفئات الراديكالية فعلاً عنه، نتيجة لما سبق ذكره، أعاد الناخبون يوم أمس «ائتلاف اليسار الراديكالي» (سيريزا) إلى السلطة، بنسبة أصوات تقارب تلك التي نالها الحزب لدى وصوله إلى السلطة مطلع العام، حاملاً وعوداً وآمالاً حطمها بسرعة قياسية من 7 أشهر.
وأظهر فرز 44% من الأصوات ليل أمس حصول «سيريزا» على 35.5% من أصوات الناخبين، مقابل 28% لحزب «الديموقراطية الجديدة» المحافظ، والذي هيمن على السلطة في السابق، بينما حل حزب «الفجر الذهبي»، الذي يوصف بالنازي الجديد، في المرتبة الثالثة، بـ7.1% من الأصوات، يليه حزب «باسوك» الاشتراكي، بـ6.3% من الأصوات؛ وذلك فيما امتنع حوالى 45% من الناخبين عن التصويت، وهي نسبة اعتبرها البعض مرتفعة نسبياً، قياساً إلى الانتخابات السابقة.
وأقر رئيس حزب «الديموقراطية الجديدة»، فانجيليس ميماراكيس، بالهزيمة، مهنئاً زعيم حزب «سيريزا» ورئيس الوزراء السابق، أليكسيس تسيبراس، بالفوز، وداعياً إياه إلى تشكيل «الحكومة الضرورية» على جناح السرعة. والأرجح أن «سيريزا» لن يحصل على الأغلبية البرلمانية اللازمة لتشكيل الحكومة منفرداً، ما سيضطره إلى البحث عن شركاء في حكومة ائتلافية. وخلال الحملات الانتخابية، كان ميماراكيس يعرب مراراً عن استعداد حزبه للتشارك مع «سيريزا» في حكومة كهذه، وكان تسيبراس ينفي هذا الاحتمال بإصرار، بدعوى الترفع عن المشاركة مع أحزاب السلطة القديمة الفاسدة، رغم أنه قبل بشروط لإدارة البلاد (فرضها الدائنون)، هي الأسوأ على الإطلاق حتى تاريخه.
في هذا الوقت، قال مصدر مسؤول في «سيريزا»، إن تسيبراس سيشكل حكومة خلال ثلاثة أيام، وذلك بعدما نشرت وزارة الداخلية اليونانية نتائج التصويت الأولية. لكن «سيريزا» الذي يعود إلى السلطة اليوم هو غير ذاك الذي فاز بالانتخابات التشريعية مطلع العام الجاري، بحصوله على 36.3% من الأصوات (مقابل 27.8% لأحزاب السلطة التقليدية)، واعداً بإنهاء سياسة «التقشف» المفروضة أوروبياً. فزعيمه، تسيبراس، «غيّر جلده بشكل دراماتيكي منذ تموز» من العام نفسه، حين قرر الخضوع لإملاءات الدائنين، بحسب المحلل في مؤسسة «كريدي أغريكول» المالية في لندن، أورلاندو غرين. وفي مقال نشره موقع «بلومبرغ» منذ أيام، بعنوان «كيف تعلمت أسواق اليونان أن تكف عن القلق وأن تحب تسيبراس»، يعرض كاتبا المقال، لوكانيو منياندا وكاميلا روسو، تحول زعيم «سيريزا» من مصدر قلق للأسواق المالية ونذير بخروج اليونان من منطقة اليورو، إلى مستحق لثناء «المستثمرين»، أو بالأحرى الدائنين، وذلك بعد خضوعه لشروط هؤلاء الأخيرين، وتوقيعه على حزمة قروض جديدة، بشروط أسوأ من الحزمات التي فُرضت على اليونان من قبل. ويشير الكاتبان إلى «تفاؤل المستثمرين» بعودة تسيبراس إلى السلطة، وخاصة بعدما تخلى عن الفئة الراديكالية في حزبه، والتي رفضت «المساومة». «لم يعد تسيبراس يمثل تهديداً سياسياً (للمصارف والاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي)، منذ أن أُبرمت الاتفاقية» حول شروط القروض الجديدة، ينقل كاتبا المقال عن المسؤول في مصرف SEB في فرانكفورت، ماريوس داهايم. ويذهب فاسيليس كاراتزاس، مدير صندوق تحوط في أثينا، يدعى «ليفانت بارتنرز»، أبعد من ذلك، فيقول إنه «بات يُنظر إلى «سيريزا» الآن كقوة ستضمن تطبيق مذكرة التفاهم (مع الدائنين). ولن يكون لدى أي من الأحزاب (الرئيسية) وهم حول إمكانية تحصيل صفقة أفضل مع أوروبا؛ لقد أُوصد الباب في وجه الوهم القائل بأن ثمة طريقاً سهلاً للخروج» (من فخ الديون المشروطة)!

(الأخبار، أ ف ب، رويترز)