إن كان للألم مرادفٌ غير الانقباضات الجسمانيّة، وبُعدٌ آخر غير ذلك الواقعي المادّي، فسيكون حتماً النبذ والإقصاء. ما إن ينقضّ الوجع على جسد، أو يغوص في أحد أعضائه، حتى يُجبَرُ على الانصراف عن غيره من الأجساد. يُركل ركلاً خارج تكتّلها الجماعي، ويُفصَل عن أقربها إليه في المسافة، الماديّة أو العاطفيّة. وهذا يعود إلى اختلال في طبيعة الوجع نفسه. ينمو الوجع المادّي ويتضخّم كحشرة تستغلّ الإخفاقَ المدوّي في التعبير عنه، ما خلا انكماش الوجه، كفتح الفم على وسعه، لا لإطلاق صوت، إنما لتفريغ شحنات وتشنّجات تخال أنها ستظّل عالقة على وجه صاحبها، حتى إن زال الوجع حتى آخره. لا ثقة بالأفواه، فهذه يسهل إخراسها أو تشويشها؛ إما العويل حتى ينتهي صبرُ الحنجرة أو الوُجومُ المطبق، وبينهما الثرثرةُ بوقع آحادي مُضجر.
(تصميم: إليز زخور)

ثرثرة لا تعبأ بالوصول إلى أذن الآخر، بقدر سعيها إلى ترجمة انقلابات المعدة، بخروجها كلاماً إلى المريء فالحنجرة كقيء ناشف يفرزه الجوع حين تلتفّ المعدة على نفسها. على المُعتقل أو الأسير، في إحدى محطّات سجنه، أن يقرّر مواجهة الألم بألم آخر، أن يستبدل السياط بالجوع بآخر اختياري كما في حالة الأسرى الفلسطينيين. كلاهما وجع محتّم، وكلاهما سيخلّف أثراً، وإن مضى. هناك ما سيظلّ يباعد الأجسام بعضها عن بعض كما تباعد الندوبُ وجهَ صاحبها عن الصورة النقية التي تدسّها المؤسسات الرأسمالية في جماجمنا. تدسّها كسمّ لا يقتل الجماعة، بل ينقضّ على صاحب الوجه المشوّه سياسياً واجتماعياً، وجماليّاً بسبب القبح. الندوب والقباحة تشعل في الآخرين نيران الجحيم حقاً. نتحدّث في هذا العدد عن الأجساد المعتلّة، بعرقلتها سير الكائنات الأخرى اللاهثة أبداً، حتى وإن وصلت. إن هذا التآكُل في الصورة، وفي الجسم الممدد أو المستلقي تنعكس تآكلاً في اللغة، فتصيب كلّ تعبير إلا الوجع.