بين آذار 2023 وكانون الأول 2018، أي خلال أربع سنوات وثلاثة أشهر، سجّل بند «المواد الغذائية والمشروبات غير الروحية» في مؤشّر إدارة الإحصاء المركزي، ارتفاعاً تراكمياً بنسبة 15439%، بمعدل وسطي شهري يبلغ 6.87 أضعاف. ووتيرة الارتفاع منذ آذار 2020 لغاية آذار 2023 شبه مستقرّة على معدلات سنوية مرتفعة تعكس مصدرين أساسيَّين للتضخم: ارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة، ارتفاع الأسعار العالمية منذ جائحة كورونا وصولاً إلى تداعيات الحرب الروسية - الأوكرانية.
أنقر على الرسم البياني لتكبيره

منذ انفجار الأزمة المالية والنقدية في منتصف عام 2019 لغاية اليوم، تضاعف سعر الدولار تجاه الليرة بمعدل 61 مرّة، بينما تضاعفت أسعار الغذاء 154 مرّة. فمن اللافت أن يساوي ارتفاع أسعار الغذاء مرتين ونصف المرة ارتفاع سعر الدولار في بلد يستورد غالبية حاجاته الغذائية من الخارج. لكن ما حصل هو أن الفوضى وغياب الرقابة الرسمية، أتاح للتجّار تصحيح كل عناصر السعر بما فيها أكلاف رأس المال والتشغيل والأرباح، بأكثر من معدلات سعر الصرف. عملياً، الأرباح التجارية زادت بمعدلات خيالية، وهذه ظاهرة متعارف على حصولها في الاقتصادات الرأسمالية أثناء الأزمات. فبحسب الاقتصادي مايكل روبرتس «أثناء الأزمات تكون الشركات قادرة على زيادة أرباحها من خلال رفع الأسعار ليتحوّل الأمر سريعاً إلى دوامة، تحبّذ الأنظمة الرأسمالية تسميتها بـ«دوامة الأجور – الأسعار»، من أجل التغطية على الزيادة الكبيرة في هوامش الأرباح التي تجنيها طبقة التجار وأصحاب الأعمال. وهذا الأمر يحصل في كل الأنظمة الرأسمالية، إنما يحصل بشكل أكثر تطرّفاً في الأنظمة الرأسمالية غير المنظّمة حيث يطغى الطابع الاحتكاري على النشاط الاقتصادي». عملياً، التصحيح الحاصل، هو عبارة عن أرباح تراكمت من جيوب المستهلكين.
ووفقاً لتقرير صادر أخيراً عن «الشبكة العالمية ضد الأزمات الغذائية وشبكة معلومات الأمن الغذائي»، فإن لبنان يواجه منذ تشرين الأول 2019 أزمة حادّة في الأمن الغذائي، إذ إن نحو 1.98 مليون مقيم لبناني ولاجئ سوري (1.29 مليون لبناني مقابل 0.70 مليون سوري) واجهوا أزمة غذائيّة حادّة أو أسوأ بين شهرَي أيلول وكانون الأوّل 2022، ومن ضمنهم نحو 300 ألف كانوا في حالة طوارئ غذائية. وتوقّع التقرير أن لبنان سجّل في الفترة ما بين كانون الثاني ونيسان 2023، ارتفاعاً في عدد الأشخاص الذي يعانون من أزمة غذائية حادّة، وأن يزيد عدد الذي يعانون من حالة طوارئ غذائية. وتتركّز حالات انعدام الأمن الغذائي والطوارئ الغذائية في مناطق شمال عكار، بعلبك، الهرمل والمنية-الضنية.
إلى جانب ذلك، ثمة مصدر آخر لتضخم أسعار الغذاء يتعلق بارتفاع الأسعار العالمية. فبحسب نشرة تحديث الأمن الغذائي الصادرة عن البنك الدولي، إن الأسعار العالمية للمنتجات الزراعية والحبوب سجّلت انخفاضاً لم يصل إلى مستويات ما قبل جائحة كورونا. فإذا كان مطلع عام 2020 هو سنة الأساس، سيظهر في المؤشّر ارتفاعاً في مؤشرات أسعار الحبوب والزيوت ومنتجات غذائية أخرى لا يقل عن 40%. وفي الأشهر الأربعة الأولى من السنة الجارية، سجّلت نشرة تحديث الأمن الغذائي ارتفاعاً في معدلات التضخم في جميع البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل تقريباً، مع ارتفاع مستويات التضخّم (المحسوبة على أساس سنوي وليس تراكمي) إلى أكثر من 5% في 64.7% من البلدان منخفضة الدخل، و83.7% من الشريحة الدنيا من البلدان متوسطة الدخل، و89% في الشريحة العليا من البلدان متوسطة الدخل.