كانت أرباح مستوردي المشتقّات النفطية كبيرة قبل الأزمة، إنما اليوم أصبحت خيالية. هذه التطوّرات تظهر بوضوح ابتداءً من آذار 2021. لنأخذ استيراد البنزين نموذجاً. ففي مطلع السنة الجارية، كان الفرق بين سعر طن البنزين بحسب نشرة البلاتس، وبين سعره بحسب جدول تركيب الأسعار، نحو 38 دولاراً من ضمنها مصاريف الشركات. في حينه تشير الحسابات إلى أن المصاريف كانت توازي هذا الفرق، وخصوصاً أن سعر صرف الدولار كان يرتفع بشكل شبه مستقرّ.
المصدر: نشرة البلاتس، وزارة الطاقة، الأخبار | تصميم: رامي عليّان | أنقر على الرسم البياني لتكبيره

ما حصل، هو أنه ابتداءً من آذار عمدت وزارة الطاقة إلى تضمين جدول تركيب الأسعار أرباحاً خَفية للمستوردين. بنتيجة هذه الأرباح، ارتفع الفرق بين متوسط سعر طن البنزين وثمن البضاعة الوارد في قرارات التسعير الصادرة عن الوزارة، إلى 58 دولاراً. لكنّ الوزارة والشركات لم تكتفِ بهذا الأمر، بل واصلت رفع هذه الأرباح الخَفية إلى أن بلغت ذروتها في 11 أيلول مسجّلة 211 دولاراً للطن. التقديرات تشير إلى أن حجم الأرباح الخَفية في الفترة الممتدة بين مطلع آذار ونهاية أيلول بلغ 55 مليون دولار تضاف فوقها أرباحٌ نظامية منصوص عنها في جدول تركيب الأسعار بقيمة 35 مليون دولار. الشركات المستوردة حقّقت 90 مليون دولار أرباحاً فعلية خلال سبعة أشهر من الدعم المترافق مع ارتفاع متواصل في سعر الصرف ومع تصاعد مستمر في تسعير دولار المحروقات.
لم يخسر كارتيل المحروقات أي معركة بعد. كلّ الجولات السابقة الساعية إلى تعديل في بنية جدول تركيب الأسعار باءت بالفشل. كان يفترض أن يأتي وزير إصلاحي إلى رأس وزارة الطاقة ليُعيد النظر في بنية جدول تركيب الأسعار وبنود احتسابه، ولا سيما تلك البنود التي تؤمّن أرباحاً خَفية. لكن لا يبدو أن الوزير مستعجل من أجل القيام بعمل كهذا. فقد أعاد إصدار الجدول وفق بنود الاحتساب السابقة التي فاقمت أرباح المستوردين على حساب الناس. اليوم هناك فرق بين متوسط آخر أربعة أسابيع من سعر طن البنزين وفق نشرة البلاتس، وبين ثمن البضاعة الوارد في آخر قرار تسعير، بأكثر من 70 دولاراً. هذه المبالغ يحصل عليها المستوردون بالدولار، سواء كان مسعّراً في الداخل بـ1500 ليرة أو بـ3900 ليرة أو بـ12000 ليرة.
يتذرّع المستوردون بأن نسبة الأرباح النظامية المنصوص عنها ضمن بنود تركيب الأسعار بمعدل 5% هي نسبة واقعية تأخذ في الاعتبار أنهم يستثمرون كمية كبيرة من الأموال في استيراد المشتقات النفطية، وهم يحصلون في المقابل على عائد يوازي استثمارها. لكن لنأخذ مثالاً أن تاجر نفط لديه قدرة على استيراد شحنة واحدة شهرياً، وأن تقلبات أسعار النفط ليست كبيرة إلى الدرجة التي تدفعه إلى زيادة قيمة استثماره. وبالتالي، فإن مردوده على رأس المال المستثمر هو كبير جداً. فالمبلغ المستثمر هو واحد طالما أن المستورد يجمع أمواله ليشتري بها شحنة جديدة كل شهر ليربح منها نسبة الـ5% نفسها. استثمار 30 مليون دولار يحقّق 18 مليون دولار سنوياً. هذا لا يُعدّ ربحاً بمقدار ما هو نهش فعلي. سيتذرّع التجّار بأن لديهم مخاطر عالية، وأنهم يخاطرون بكل هذه الأموال التي قد يتضرّرون منها في لحظة واحدة... وسواها من سيمفونية الكارتيلات. في الحقيقة لم نسمع عن تاجر واحد سجّل خسارة في لبنان. ففي السنوات الماضية كانت الأرباح مضمونة بنسبة 100%. السوق مغلقة على عدد محدود من اللاعبين، ومخاطر سعر صرف الليرة مقابل الدولار تساوي صفراً، والتسعير من قبل الدولة يحابي المستوردين. عن أي مخاطر يتحدثون؟
ما جرى في السنة الجارية، وبالتحديد في الفترة التي سبقت آذار 2021، كان تحمّلاً للمخاطر. ففي الفترة السابقة، وعلى مدى بضعة أشهر لم يكن فيها أرباح خَفية، ازدادت المصاريف لتصبح كلفتها أعلى من متوسط سعر البلاتس بنحو 2 دولار لكل طن. هنا بالتحديد أصبح المستوردون يتحمّلون كلفة المخاطر. هذه الكلفة التي كانت مضمونة سابقاً بقوّة كارتيلاتهم وموقعهم في هرمية النظام. التعديل الذي جرى لاحقاً من أجل ضمان أرباحهم يعني أن ميزان القوى لم يتغيّر بعد. المخاطر ارتفعت لكن جرى نقلها على عاتق المستهلك. المستهلكون فقط هم من يدفعون فاتورة التضخّم في الأسعار ومخاطر التقلبات في سعر الصرف. المشكلة أن المستهلكين راضون!