«بات الحصول على الرغيف والغاز والبنزين والأدوية بأسعار معقولة هاجساً يومياً لأفراد الأسرة. كان الناس يهرعون عند سماع أخبار تدهور قيمة الليرة لتأمين هذه الحوائج بالأسعار القديمة قبل أن يلتهم التضخّم والغلاء مدّخراتهم المالية» عبد الرؤوف سنو
(كتاب «حرب لبنان 1975 - 1990، تفكّك الدولة وتصدّع المجتمع»)


يبدو أنّ التاريخ يعيد نفسه. فكما كانت الأزمة الاقتصادية في الثمانينيات انعكاساً للحرب وانهيار الدولة الذي رافقها، فإنّ الانهيار الكبير الذي نعيشه اليوم، ليس إلا انعكاساً «لتفكّك الدولة» وتحلّل مؤسّساتها من قبل نفس المنظومة والميليشيات، تقريباً، التي حكمتنا خلال الحرب قبل أن تقبض على الدولة خلال السلم، مضافاً إليها حيتان المال وعصابة المصارف التي أمعنت نهباً وفساداً وخراباً في الدولة والمجتمع، لا بل أصبحت رأس حربة منظومة الفساد. هكذا طارت أموال المودعين وهُرّب الكثير منها إلى الخارج، وانهارت القوّة الشرائية للناس وتمّ إفقارهم وذلّهم، وانقطع الدواء وحليب الأطفال والبنزين والفيول وغابت الكهرباء.
أنقر على الرسم البياني لتكبيره

السلطة التنفيذية في غيبوبة كاملة وهي تهرب من مسؤولياتها. لا تلتئم الحكومة في أخطر أزمة اقتصادية ومعيشية منذ نهاية الحرب الأهلية. المجلس النيابي لا يحاسب ولا يراقب ولا يشرّع، وإذا شرّع يشرّع لمصلحة رأس المال والأوليغاركية عبر مشروع الـ«كابيتال كونترول» الذي يسهّل، عملياً، المزيد من تحويل الدولارات إلى الخارج بدلاً من العكس، أي يسمح بتحويل إلى حدود الـ50 ألف دولار إلى الخارج! والبعض انشغل بالوراثة السياسية بدلاً من الإصلاح والتغيير. والملياردير المنقذ يمضي معظم أوقاته في الخارج. أما الحاكم المالي الأعلى، فقد أصبح صاحب القرار الأوّل في معيشة اللبنانيين، حتّى لو أدّت قراراته إلى التجويع والحرمان من الدواء وانقطاع الكهرباء والفوضى على محطات البنزين.
لقد قامت الطبقة الحاكمة أو الأوليغاركية المؤلّفة من السلطات السياسية والمالية والنقدية وعصابة المصارف بحملة منظمة ومموّلة جيداً لتشويه الدعم الذي كان يساعد (على علّاته، والذي يمكن إصلاحه لو قامت السلطات بمسؤولياتها) غالبية الشعب اللبناني، وخاصة ذوي الدخل المحدود وما تبقّى من طبقة وسطى. شاركت في هذه الحملة وسائل إعلام «مرموقة» ولا سيما المرئية منها، والكثير من المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني وبعض مجموعات الثورة (من حيث تدري أو لا تدري) من خلال حملة إعلانات مكلفة، بعملية تضليل كبيرة للناس والمودعين. فالمودعون لن يحصلوا على ودائعهم من خلال هذه الإجراءات العشوائية، بينما سيخسر الناس الدعم الذي كان يشكّل فعلياً شبكة الأمان الوحيدة المتبقية.

واقع ما بعد الانهيار
كان للأزمات المتعاقبة، أي الأزمة الاقتصادية والنقدية، وجائحة «كورونا»، وانفجار مرفأ بيروت، آثارٌ خطيرة وقاسية على الاقتصاد اللبناني. ففيما صُنّفت الأزمة الاقتصادية والمالية ذات الوقع الأكثر سلبية بين أكبر ثلاث أزمات شهدها العالم (البنك الدولي)، أدّى انهيار سعر الصرف إلى ارتفاع حادّ ومطّرد في معدّل التضخم خلال عامي 2020-2021، نظراً إلى اعتماد لبنان على الاستيراد. نسبة استيراد السلع والخدمات وصلت إلى 61% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2019 بحسب بيانات البنك الدوّلي. وارتفع التضخّم من 10% في كانون الثاني 2020، إلى 89.7% في حزيران 2020، ثم %120 في آب 2020، ليبلغ 160% في آذار 2021. التضخّم هو ضريبة تنازلية يتحمّل عبئها الأكبر الشرائح الأضعف في المجتمع: الفقراء، الذين يعيشون على دخل ثابت من ذوي الدخل المحدود والمتقاعدين، الطبقة الوسطى.
كذلك انحدر إجمالي الناتج المحلي من نحو 55 مليار دولار بالأسعار الجارية في عام 2018، إلى نحو 33 مليار دولار في عام 2020. وتراجع إجمالي الناتج المحلي الحقيقي خلال عام 2020 بشكل خطير (-25%) لم يشهده لبنان في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب. ففي عام 1989 شهدنا تراجعاً في الناتج المحلي الحقيقي بنسبة -42%، نتيجة الحروب العسكرية المدمّرة التي دارت خلال تلك السنة، كما تبيّنه بيانات صندوق النقد الدولي. وتراجع متوسّط الدخل الفردي بين عامَي 2018 و2020 بنحو الثلث، فيما ارتفعت معدلات الفقر لتشمل نصف السكان، ونسب البطالة صارت تُقدّر بنحو 40%، بينما تعاني 40% من العائلات من صعوبة في توفير حاجاتها من الطعام بحسب برنامج الأغذية العالمي، علماً بأن معدّل التضخّم في أسعار المأكل بلغ 254% خلال عام 2020.

ومنذ أواخر 2019، بدأت احتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية تشهد انخفاضاً سريعاً يعكس التراجع الكبير في التحويلات المالية من الخارج، وهروب (وتهريب) الرساميل من لبنان، التي نفّذتها المصارف لمصلحة كبار المودعين والنافذين. أدّى ذلك إلى تسارع الأزمة واستنزاف الاحتياطات علماً بأن هذه الأخيرة أصبحت المصدر الوحيد لتمويل عجز الميزان الجاري وميزان المدفوعات في مرحلة ما بعد 17 تشرين 2019 والتوقف الكلّي للتحويلات المالية من الخارج نتيجة الإقفال المفاجئ للمصارف وأثره السلبي على الثقة وما تلاه من إجراءات غير مألوفة.
في النتيجة، انخفض مخزون الاحتياطات من 30.9 مليار دولار في نهاية أيلول 2019 إلى 16.2 مليار دولار في نهاية نيسان 2021، أيّ بنحو 15 مليار دولار خلال مدة 18 شهراً أو سنة ونصف سنة، بحسب بيانات مصرف لبنان.

رفع الدعم: كيف ستتأثر الاحتياطات؟
انهيار سعر الصرف ووصوله في السوق الموازية إلى أكثر من 17 ألف ليرة مقابل الدولار وما نجم وسينجم عنه من تضخّم، كل ذلك سيُترجم تراجعاً خطيراً في القدرات الشرائية للناس، فرض على السلطات اعتماد سعر صرف محدّد بـ 1,500 ليرة للدولار، لاستيراد سلع أساسية للمواطنين (قمح، دواء، مستلزمات طبية، بنزين، غاز، فيول، مازوت، سلّة غذائية). واقتضى ذلك أن يقوم مصرف لبنان بتمويل استيراد هذه السلع من الاحتياطات بالعملات الأجنبية ليتيح للمستوردين تغطية فرق سعر الدولار بين السوق الموازية وسعر مصرف لبنان.
يفترض أن يؤدّي رفع دعم مصرف لبنان عن استيراد السلع الأساسية إلى تحسّن ميزان المدفوعات. رفع الدعم يعني رفع الأسعار الداخلية للسلع التي سيتقلص استهلاكها تبعاً لمرونة الطلب والدخل الحقيقي. في حال رفع الدعم، يقدّر البنك الدولي تحقيق وفر في الاحتياطات بقيمة 1.7 مليار دولار تبعاً لسيناريو المرونة المنخفضة للطلب، وبقيمة 3.3 مليارات دولار تبعاً لسيناريو المرونة المرتفعة للطلب. هذان السيناريوهان يستندان إلى المعادلة القائلة بأن التغيّر في موجودات المصرف المركزي الخارجية، وبالتالي التغيّر في احتياط العملات الصعبة، يساويان التغيّر في ميزان المدفوعات. رغم ذلك، فإنه في غياب أي تحويلات مالية من الخارج، قد تكون هذه الاحتياطات هي المصدر الوحيد لتمويل الطلب الإضافي على الدولارات التي سيبحث عنها المستوردون في السوق الموازية بعد وقف الدعم. لذا، إن الوفر المحقق من رفع الدعم (على أهميته) لن يكون بالقدر الذي يُروّج له.
ستؤدي إجراءات رفع الدعم متلازمة مع التعميم 158 العشوائي إلى تدهور مستويات المعيشة وازدياد مستويات الفقر وانتشار الفوضى، والمزيد من ارتفاع سعر صرف الدولار


ناهيك عن أنّ تعميم مصرف لبنان الرقم 158 القاضي بسحب 400 دولار أميركي «فريش» لفئة من المودعين، والذي جاء مقروناً بقرار رفع الدعم وممهداً له، تقدّر كلفته في السنة الأولى بنحو 2.5 مليار دولار. وفي ظلّ غياب مصادر أخرى، ولا سيما من القطاع المصرفي الذي يحاول التنصّل من تطبيق التعميم، يُرجح أن يأتي تمويل القسم الأكبر من هذه الأموال من احتياطات مصرف لبنان. وإذا طرحنا الوفر المقدّر من عملية رفع الدعم بـ 3 مليارات دولار وفقاً لأفضل السيناريوهات من الكلفة المقدّرة للتعميم 158، فإنّ الوفر الحقيقي من رفع الدعم على احتياطات مصرف لبنان بالعملات الصعبة لن يتعدّى نصف مليار دولار، علماً بأنّ الدعم هو شبكة الأمان الوحيدة المتبقية للناس فعلياً. حتى إن المتحدّث باسم صندوق النقد الدولي جيري رايس أشار إلى أن وقف الدعم سيؤجّج التضخّم مستغرباً عن كيفية تمويل عمليات السحب في ظل ندرة العملات الأجنبية والحاجة إلى مواصلة تمويل واردات السلع الأساسية كأولوية.

نحو المزيد من التدهور
يمكن أن يؤدّي رفع الدعم إلى بعض التحسّن في ميزان المدفوعات، وإطالة أمد الاحتياطات المتبقية، لكن سيكون ذلك مؤقتاً، بل سيأتي مع تدهور إضافي في تضخّم أسعار السلع التي تشكّل الجزء الأكبر من سلّة استهلاك ذوي الدخل المحدود والمتوسط، وبالتالي تتآكل أكثر القدرات الشرائية للناس وتتراجع مداخيلهم الحقيقية. ولعلّ أكبر خطر ينتج من رفع الدعم يقع على كلفة الإنتاج. فالبنزين والفيول تُعدّان من المواد الأساسية في تكوين كلفة الإنتاج والنقل. وينتج من ذلك ما يعرف بصدمة العرض أوّ الانكماش التضخمي، أيّ المزيد من ارتفاع الأسعار والتضخّم المترافق مع مزيد من التراجع في إجمالي الناتج المحلي، وهو أسوأ حالة اقتصادية يمكن أن تحصل.


عندها نكون قد دخلنا في حلقة مفرغة من التضخّم والانكماش الاقتصادي، مع ما لذلك من تأثير سلبي على الطاقة الإنتاجية للاقتصاد ومعدلات النمو الطويلة الأمد. بمعنى آخر، يجري تصحيح ميزان المدفوعات عبر انكماش الناتج المحلي والمداخيل وإفقار الناس لتقليص الطلب على الاستيراد كما يحصل منذ بداية الأزمة. وذلك يأتي في ظل غياب أيّ خطة اقتصادية حقيقية (لا يمكن أن تقتصر على مجرّد خطة مالية تحدد الخسائر كما فعلت الحكومة المستقيلة)، وبدلاً من أن يأتي التصحيح عبر زيادة معدلات النمو الاقتصادي من خلال استنهاض القطاعات القادرة على إنتاج سلع قابلة للتبادل التجاري والتصدير، وتخفيف الإدمان على الاستيراد عبر استبداله بالإنتاج المحلي، ولا سيما قطاعات التصنيع وتكرير النفط والزراعة والتكنولوجيا كما فعلت دول شرقي آسيا. هكذا فقط يأتي التصحيح في ميزان المدفوعات وفي العجز المرتفع والبنيوي في الميزان الجاري، تصحيحاً مستداماً.
ستؤدي إجراءات رفع الدعم، متلازمة مع التعميم 158 العشوائي، إلى تدهور مستويات المعيشة وازدياد مستويات الفقر وانتشار الفوضى، والمزيد من ارتفاع سعر صرف الدولار الذي ارتفع من حدود الـ12 ألف ليرة متجاوزاً الـ17 ألف ليرة بعد قرار رفع الدعم. سيرتفع معدّل التضخّم من خلال التأثير المباشر لارتفاع أسعار السلع الأساسية، وهذا بدوره يزيد الطلب على الدولار في السوق الموازية ويرفع سعره. الأخطر هنا، يكمن في تأثير العوامل النفسية والتوقعات السلبية على سعر الصرف. الناس سيفقدون الثقة بالعملة الوطنية، تماماً كما حدث في الثمانينيات. في تلك الفترة، كان أصحاب الدخل المحدود والأجور الأكثر تضرراً كالعادة، إذ انخفض الحدّ الأدنى للأجور من نحو 242 دولاراً في عام 1983 إلى 19 دولاراً في عام 1987 (داغر، 2006، ص. 105-106). وتراجعت القوّة الشرائية لهذه الفئة بنحو 50% في عام 1985 و76% في عام 1986 (سنو،2015، ص.1022).
في المحصّلة، عدنا بشكل من الأشكال إلى الحالة الاقتصادية أيام الحرب اثر إنهيار الدولة ومؤسّساتها، لمصلحة نفس القوى والميليشيات! ثمة مقطع من كتاب «حرب لبنان 1975-1990 تفكّك الدولة وتصدع المجتمع» يصف الوضع السابق وينطبق على الحالي: «تحولت مدينة بيروت إلى مسرح لصفوف طويلة من الفقراء وأصحاب المداخيل المتوسطة، تمتد مئات الأمتار في انتظار الحصول على الرغيف والبنزين وقارورة الغاز قبل غيره من المنتظرين في الصفوف الطويلة. أما المواطن العادي الصامت والصابر على الذلّ، فكان عليه الانتظار تحت أشعة الشمس المحرقة أو تحت المطر المنهمر، بالنسبة إلى الأثرياء، فكانوا يرسلون خدمهم وسائقيهم للوقوف في الصف، أو يدفعون الأسعار الرائجة في السوق السوداء كي تُرسل حاجاتهم مباشرة إلى منازلهم» (سنو، ص. 1097 و1100).

انكماش وهجرة
سيكون لوقف الدعم آثارٌ سلبية خطيرة على الصعد الاقتصادية والاجتماعية وحتّى الأمنية، بدأنا نلمسها بشكل قوي بانقطاع الدواء والبنزين والكهرباء والمزيد من تدهور الليرة مقابل الدولار. ارتفع سعر الدولار من نحو 12 ألف ليرة متجاوزاً 17 ألف ليرة بعد قرار رفع الدعم. الأخطر أن يصبح سعر الصرف خاضعاً للعوامل النفسية وللتوقعات السلبية. كذلك سترتفع معدّلات التضخّم، وينعكس ذلك تراجعاً أكبر في القدرات الشرائية للناس وزيادة في معدلات الفقر. وستؤدي هذه العوامل إلى تراجع الطلب وارتفاع كلفة الإنتاج، ما يعني مزيداً من الانكماش الاقتصادي وتسارع هجرة الشباب وأصحاب الاختصاص والكفاءات العلمية. ينسحب الأمر أيضاً على التوقعات الاقتصادية السلبية التي ستشكّل بيئة طاردة للاستثمار، وخصوصاً المباشرة منها التي من شأنها خفض العجز في ميزان المدفوعات وإدخال العملة الصعبة، والاستثمار في القطاعات المنتجة بحيث تسهم في إعادة النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل وزيادة الصادرات.
في المحصلة، ستكون كلفة رفع الدعم الاقتصادية الاجتماعية أكبر بكثير من كلفة إبقائه بعد ترشيده وضبطه ووقف التهريب لضمان فترة أطول في استعمال الاحتياطات بالعملات الأجنبية. فالدعم يوفّر الحاجات الأساسية للناس بأسعار معقولة، ولعوامل الإنتاج الضرورية للنشاط الاقتصادي ومن أهمها البنزين والكهرباء، علماً بأنّه شبكة الأمان الوحيدة المتبقية للناس. ولكن كيف تقنع من يأتي من بيئة الأسواق المالية الضّيقة بالمنطق الاقتصادي والاجتماعي للأمور؟

* كاتب وباحث في الاقتصاد السياسي


بعض التوصيات
قيام الأجهزة الأمنية والقضائية بدورها بشكل حازم لإيقاف التهريب، ولا سيما البنزين والمشتقات النفطية التي يسهل ضبطها عبر الحدود البرية وهي تشكّل الجزء الأكبر من قيمة الدعم.
العودة عن قرار رفع الدعم، وإعادة النظر في التعميم 158 العشوائي الذي سيبدّد جزءاً غير صغير من احتياطي العملات الصعبة من دون أن يتمكّن المودع من الاستفادة منها، إذا كان الدواء والبنزين والكهرباء مقطوعة، بينما سيأكل التضخّم الجزء الذي سيتقاضاه المودع بالليرة اللبنانية. مع ما لذلك من تأثير سلبي على سلامة النقد كما يظهر بوضوح من خلال ارتفاع سعر صرف الدولار. علماً بأنّ البطاقة التمويلية لن تكون حلاً ناجعاً في ظلّ التعقيدات الإدارية واللوجيستية والمحسوبيات والزبائنية السياسية التي ستخضع لها.
أن يتم تخصيص مبلغ معقول لإعادة تشغيل مصافي النفط في طرابلس والزهراني، ولدعم التصنيع الوطني كالدواء والسلع القابلة للتصدير، حتى لو اقتضى الأمر استدانة الدولة من مصرف لبنان وفق المادة 91 من قانون النقد والتسليف. هذا الأمر سيتيح خفض استيراد النفط ومشتقاته بشكل سريع، وزيادة الصادرات، وبالتالي، خفض عجز ميزان المدفوعات وتحقيق وفر في احتياط العملات الصعبة وربما إعادة تكوينه بعد فترة.
في النهاية الحلّ الحقيقي لن يأتي إلا عبر خطة اقتصادية تنموية حقيقية قادرة على تحقيق معدلات مرتفعة من النمو الاقتصادي وزيادة الإنتاج الوطني وزيادة التصنيع والصادرات، على غرار نموذج دول شرقي آسيا (كوريا الجنوبية، ماليزيا، تايوان...). ولا تقتصر على خطط مالية تحدد الخسائر وتبدأ بتسديدها قبل إطلاق عجلة النمو وزيادة المداخيل، فتكون النتيجة أشبه بعملية تصفية وإعلان إفلاس يؤدي إلى مزيد من الانكماش والانهيار الاقتصادي والاجتماعي. لكن المعضلة، أن لا أحد يملك لدى هذه السلطات الفاشلة عقلاً تنموياً على طريقة الشهابية.