تُعرّف احتياطات النقد الأجنبي، أو احتياطات العملات الأجنبية، أنها «الأصول الخارجية المُتاحة تحت تصرّف السلطات النقدية والخاضعة لسيطرتها، والتي تلبّي احتياجات تمويل ميزان المدفوعات، أو التدخّل في سوق الصرف للتأثير على سعر صرف العملة، أو المحافظة على الثقة بالعملة المحلّية وتشكيل أساس يُستند إليه في الاقتراض الخارجي» (صندوق النقد الدولي - الاحتياطات الدولية والسيولة بالعملات الأجنبية - 2013).

لا يعني هذا التعريف أن مفهوم الاحتياطات الأجنبية صار واضحاً ومحدّداً. ففي الواقع، توجد اختلافات كبيرة في تفسير عبارتَي «المُتاحة تحت التصرّف» و«الخاضعة للسيطرة». ولذلك تركّز النظرية الشائعة على ضرورة توفّر شرطين أساسيين لاعتبار موجودات بلد ما بالعملات الأجنبية بمثابة «احتياطات أجنبية»، وهما «أن تكون الأصول الخارجية تحت سيطرة السلطات النقدية الفعلية، وأن تكون هناك إمكانية حقيقية لاستخدام هذه الأصول في الوقت المناسب وعلى المدى القصير». وبالتالي، فإن الاحتياطات بالعملات الأجنبية يجب أن تكون «أصولاً سائلة، تتمّ تسويتها بالنقد الأجنبي، وتخضع لتصرّف السلطات النقدية»، أو بمعنى أبسط، الأموال والأصول الأخرى التي يحتفظ بها البنك المركزي، والتي يمكن استعمالها لتسديد التزامات الدولة بالعملات الأجنبية، متى كان ذلك واجباً».


يتوسّع مصرف لبنان بهذا التعريف، وهو لا يلتزم بمنهجية محدّدة للإعلان عن صافي أصوله الأجنبية، ويضمّ في موجوداته بالعملات الأجنبية أصولاً وودائعَ وأوراقاً ومشتقّات مالية وسندات دَيْن طويلة الأجل، بعضها دفتري، ويعتبرها جزءاً من احتياطاته المُعلنة، على الرغم من عدم استيفاء شرطَي «السيطرة الفعلية» و«الإمكانية الحقيقية للاستخدام». فعلى سبيل المثال، يحتسب مصرف لبنان سندات دَيْن الحكومة بالعملات الأجنبية «اليوروبوندز»، التي يكتتب بها، ضمن صافي أصوله الأجنبية، وهو ما يتعارض كلّياً مع المنهجية المُعتمدة في معظم دول العالم.
المعروف أن مصرف لبنان يرفض الكشف عن احتياطاته الصافية بالعملات الأجنبية، أي الأصول الخارجية التي يمتلكها بالفعل بعد حسم التزاماته بالعملات الأجنبية تجاه الغير، إلّا أن المحلِّلين يعلمون أن «الاحتياطي الصافي» بات سلبياً منذ وقت طويل، ويقدّرون «العجز» بمليارات عدّة من الدولارات. ما يعني أن البنك المركزي اللبناني لا يملك أي احتياطات صافية خاصّة به، وبالتالي فإن المطلوبات عليه بالعملات الأجنبية، ولا سيّما إزاء المصارف التجارية المحلّية، هي أعلى بكثير من موجوداته بالعملات الأجنبية. وهذا يعدّ مصدر قلق رئيس من احتمال فقدانه السيطرة على هذه الموجودات وبالتالي فقدانه إمكانية استخدامها في مواجهة تنامي عجز ميزان المدفوعات وتغطية الطلب على العملات الأجنبية، سواء الطلب المحلّي أو لأغراض التجارة الخارجية أو لتسديد الفوائد على الديون الخارجية، ولا سيّما ودائع غير المقيمين.
في ظل سياسة سعر الصرف الثابت، التي ينتهجها لبنان، يتعيّن على البنك المركزي تكوين الاحتياطات الأجنبية الكافية للحفاظ على سعر صرف الليرة ومستوى الثقة بها. ولذلك تحظى المؤشّرات التي تربط هذه الاحتياطات بمتغيّرات القطاع الخارجي باهتمام خاصّ من قِبَل صندوق النقد الدولي والمؤسّسات المالية ووكالات التصنيف الائتماني. يقول البيان الختامي لبعثة صندوق النقد الدولي إلى لبنان إنه «على الرغم من مهارة مصرف لبنان في الحفاظ على الاستقرار النقدي لسنوات عدّة، في ظل ظروف عصيبة، فقد زادت التحدّيات التي يواجهها في قيامه بهذه المهمّة». ووفق سيناريو «خطّ الأساس» (غير منشور)، الذي وضعته البعثة بناءً على المؤشّرات القائمة والآثار المتوقّعة لإجراءات الحكومة المُعلنة، سيبلغ العجز التجاري (الفارق بين صادرات ومستوردات السلع والخدمات) في هذا العام نحو 22.9% من الناتج المحلّي الإجمالي، وسيرتفع عجز الحساب الجاري (صافي التعاملات بين المقيمين وغير المقيمين) إلى 27.2% من الناتج، كما سيرتفع مجموع الدَّيْن الخارجي (بما فيه ودائع غير المقيمين) إلى 195% من الناتج. وتأتي هذه التقديرات في ظلّ نموّ منخفض للصادرات وارتفاع سعر الصرف الفعلي الحقيقي بشكل كبير، وتراجع صافي تحويلات العاملين في الخارج إلى لبنان، وتوقّف تدفّقات الودائع الداخلة فعلياً إلى لبنان، وانخفاض الإقراض المصرفي المقدَّم للقطاع الخاص، وارتفاع القروض المتعثّرة وزيادة دولرة الودائع إلى أكثر من 70%.
ساهمت كلّ هذه العوامل بزيادة الضغوط النقدية. ووفق بيان البعثة الختامي، انخفضت الاحتياطيات الأجنبية لدى مصرف لبنان (ما عدا الذهب والأصول المحمّلة بالتزامات) بنحو 6 مليار دولار منذ أوائل عام 2018، «على الرغم من استمرار العمليات النقدية التي يقوم بها المصرف المركزي»، أو ما يُعرف باسم الهندسات المالية. ووفق توقّعات سيناريو «الخط الأساس» (الذي حصلت «الأخبار» على نسخة منه)، فإن ما يقوم به البنك المركزي وما تقوم به الحكومة لن يكونا كافيين لوقف استنزاف «الأصول الأجنبية» التي تضع السلطة النقدية يدها عليها، وبالتالي ستتهاوى تغطية هذه الموجودات لفاتورة الاستيراد والدَّيْن الخارجي والودائع بالعملات الأجنبية... بمعنى أوضح، يعتبر خبراء صندوق النقد الدولي أن هذا «السيناريو السيئ»، في حال تحقّق، لن يسمح باستمرار سياسة سعر الصرف الثابت، وبالتالي سيضطر البنك المركزي عاجلاً أم آجلاً إلى التخلّي عن سياسة الدفاع عن سعر الصرف، أو ستضطر الحكومة إلى المزيد من التقشّف والسياسات الانكماشية وتخفيض الاستهلاك والقدرات الشرائية لليرة للحدّ من النزف