في منزل أهله في الزلقا، ما فتئ الصندوق الصغير يكبر عاماً تلو آخر ببيانات التيار الوطني الحر وصور الجنرال ومختلف الملصقات والتذكارات العونية. صندوق «طاج» يحفظ تاريخ التيار، فيما تحفظ أحاديثه تاريخ التيار الحافل بالأنشطة الإستثنائية. الروايات هنا كثيرة، بعضها يضحكه على نحو هستيري، وبعضها الآخر يبكيه وأصدقاءه على الأيام الغابرة.«طاج» هو الإسم الحركي للناشط في التيار الوطني الحر جورج طاشجيان. الأرمني الأول في التيار لا يزال يحلم بالتفاف اللبنانيين حول قضية وطنهم كما يتضامن الأرمن حول قضية الإبادة الأرمنية.

الناخب البيروتي ودينامو ماكينة التيار في الأشرفية والرميل والصيفي، يسكن في المتن حيث يخفي خبايا التيار، ويزور كسروان على نحو أسبوعي لتفقد نشاط رفاقه في جرودها وساحلها وفتوحها، فيما ينشط في جبيل مع نائبها سيمون أبي رميا، الذي تجمعه به شؤون الرياضة في لبنان والتيار. حتى عكار يلاحق أخبار عونييها بدقة لا يطلع عليها أبناء المنطقة أنفسهم. وهو ينهي جمع المعلومات عن عونييّ الشوف وعاليه وجزين وسائر المناطق لتشريح وضع التيار في جلسات نقاش لا تنتهي يومياً قبل ساعات الفجر الأولى. لا يكتفي بالاطلاع على أوضاع التيار، بل هو دائم البحث عما يمكن فعله. بحثٌ يقود هذا الأربعيني، الأب لولدين، الى كافيتيريا مدرسة أو معهد تقني محاولاً إنشاء مجموعة عونية بعدما اكتشف عدم وجود تيار فيها، أو الى جمع مبلغ من المال لمساعدة عوني في آخر قرى البقاع الغربي يمر بأزمة. منذ أواخر التسعينيات لا يبدأ نشاط عوني قبل وصول طاشجيان الذي يقلّ رفاقه بسيارته إلى التظاهرة، ليُوقفوا هم وينجح هو بالفرار. ورغم مشاركته في كل تظاهرات التيار، ليس في سجله أي حالة توقيف، فهو مشهور بتلفته الدائم في التظاهرات ما يمكّنه من التواري فور كشف العناصر الأمنية عن زنودهم. يروي عن اضطراره مرة واحدة إلى مواجهة مخاوفه حين رأى الفهود ينقضون على ناشطة عونية بعدما لجأت إلى إحدى الصيدليات في الأشرفية. دفعته النخوة الى التدخل لنصرتها، قبل أن تدفع النخوة صاحب الصيدلية الى التدخل ليفرّ هو وينشغل الفهود عنه بصاحب الصيدلية.

الجيل الذي لم
يشارك في الحرب وفي فساد ما بعدها لا بدّ سينتصر


تحفظات «طاج» الكثيرة في المجالس الخاصة وملاحظاته تختفي جميعها في المجالس العامة. يتحدث بالحماسة نفسها مدافعاً عن كل الخيارات العونية من دون استثناء، مبدياً في مختلف المناسبات حرصه الشديد على تقريب وجهات النظر بين الناشطين. المناصب الحزبية أو الرسمية لا تعنيه أبداً. فالمهم هو تفعيل التيار وتحديثه ومواكبته الموضة، سواء في الأنشطة أو في الخطاب السياسي.
في تظاهرة الأمس كان «طاج» في مكانه الطبيعي كأحد أعمدة «جيل عون»، وهي التسمية التي علقت في ذاكرة الشاب العوني حين رددها منسق عام التيار بيار رفول، فأخذ يزرعها حيثما ذهب، مقنعاً نفسه والآخرين بأن هذا الجيل الذي لم يشارك في الحرب ولا في سمسرات وفساد ما بعدها لا بدّ سينتصر.