ما إن طرقت الثورة أبواب البحرين، حتى تناست الدول الخليجية مشاكلها المزمنة وتلاحمت صفاً واحداً لفرض واقعها بالقوةلم تكن الهيئات السياسية البحرينية بمنأى عن حالة الانقسام، وعكست بتصريحاتها ومواقفها الشرخ المتزايد بين مختلف الأطياف، وتجسّد هذا الوضع مع وصول المشاورات بين أكبر تجمعين إلى طريق مسدود.

في هذا الوقت، أدان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، التدخل الأجنبي في البحرين، محذراً من كربلاء أخرى. وقال: «لا نريد كربلاء أخرى في المنطقة، والأحداث الأخيرة في البحرين قد تؤدي إلى عواقب مشابهة لكربلاء».
واستدعت المنامة السفير الإيراني، احتجاجاً على «التدخل بالشؤون الداخلية»، في مقابل لُحمة خليجية أعلنت أن وحدة البحرين وأمنها خط أحمر، ومتابعة أميركية حثيثة للوضع عن كثب بإدارة جيفري فيلتمان. وكان وزير الخارجية علي أكبر صالحي قد انتقد دخول قوات درع «الجزيرة» إلى البحرين. وقال وكيل وزارة الخارجية للشؤون الإقليمية ومجلس التعاون، السفير حمد العامر، إن «ما جاء في التصريح الإيراني تدخّل سافر في الشأن الداخلي البحريني». وأضاف أن «البحرين تدين بشدة هذا التصريح الإيراني الذي يُعدّ تدخلاً في شؤونها الداخلية وترفضه رفضاً باتاً وقاطعاً باعتباره تهديداً لأمن المنطقة وإخلالاً بالسلم والأمن الدوليين».
خليجياً، رأى الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج، عبد الرحمن بن حمد العطية، أن إرسال قوات درع «الجزيرة» «يأتي في سياق تنفيذ اتفاقيات التعاون الدفاعي». ولفت إلى أن وحدة البحرين الوطنية «خط أحمر لن يسمح لأي طرف بتجاوزه»، مؤكّداً «رفض دول المجلس القاطع لأي تدخل خارجي في شؤون البحرين أو الاستفراد بها».
ويبدو أن الأزمة في البحرين تُدار بتنسيق خليجي متكامل، وهذا ما عبّر عنه اللقاء الذي جمع ملك البحرين حمد بن عيسى مساء أول من أمس مع رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني ووزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، بحضور ولي العهد الأمير سلمان. وأكد حمد بن جاسم وقوف بلاده إلى جانب البحرين في مواجهة أي خطر يهدد أمنها واستقرارها، وهو الموقف نفسه الذي أعلنه الأمير السعودي.
أما على مستوى الاتصالات الداخلية بين الجمعيات السياسية، وتحديداً بين الجمعيات السبع وتجمع الوحدة الوطنية، فإنها سجلت هي الأخرى انتكاسة قوية ووصلت إلى طريق مسدود، بحسب رئيس التجمع عبد اللطيف المحمود، الذي رفع من مستوى التوتر بادعائه أن الأمين العام لجمعية «الوفاق» الشيخ علي سلمان أبلغهم خلال الاجتماع الأخير أنه سيعدّ قوات مجلس التعاون قوات احتلال، وسيطلب الدعم من إيران إذا تعرّضت للشيعة في البحرين.
وقال المحمود، بحسب ما نقلت صحيفة «الأيام» البحرينية، إنه «بات واضحاً وقوف حزب الله اللبناني مع الوفاق، ما يعني أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين هذا الحزب وهذه المعارضة»، مشيراً إلى أن لديه شهوداً على ذلك. وأضاف أن تجمع الوحدة وصل إلى طريق مسدود مع الجمعيات السبع بسبب إصرارها وتعنتها على إنشاء مجلس تأسيسي يقر الإصلاحات.
ادعاءات نفاها سلمان الذي قال إنه يرفض التدخل في الشأن البحريني من أي طرف كان، مشيراً إلى أن «الحديث عن طلب مساعدة من إيران هو وهم وافتراء، وهذا غير وارد في أي خطاب للوفاق».
وذكرت مصادر لـ«الأخبار» أن سيارة دبلوماسية أميركية اصطحبت الشيخ علي من مقرّ الجمعية إلى السفارة الأميركية، حيث بقي لساعات. ويبدو أنه التقى مساعد وزيرة الخارجية جيفري فيلتمان، الموجود في البحرين منذ مساء الاثنين، أي قبل يوم من إعلان حالة السلامة العامة. وقال البيت الأبيض إنه يعمل على المسألة بقوة على الأرض.
هذه المتابعة الأميركية للوضع تجلّت أيضاً في اجتماع القائد العام لقوة الدفاع، المشير الركن الشيخ خليفة بن أحمد آل خليفة، مع قائد الأسطول الخامس الأميركي مارك فوكس، من دون أن يفصح عن فحوى هذه المحادثات باستثناء ما ذكرته وكالة الأنباء الرسمية عن لقاء «لعرض علاقات التعاون والصداقة بين البحرين والولايات المتحدة والتنسيق العسكري والتعاون الدفاعي».
على مستوى المؤسسات السياسية، انعقد مجلس النواب بحضور 22 نائباً، باستثناء نواب «الوفاق» الذين قدموا استقالة جماعية بُعيد انطلاق ثورة «14 فبراير»، قبل أن ينسحب 4 نواب احتجاجاً على اعتذار وزير الداخلية الشيخ راشد بن عبد الله عن عدم الحضور لمناقشة الأوضاع الأمنية، ما أدى إلى تأجيل المناقشة إلى الأسبوع المقبل.
ورحب المجلس بقوات درع «الجزيرة»، مشدّداً على «أهمية فرض القانون واستتباب الأمن وتوقيف الانفلات الأمني قبل البدء في عملية الحوار الوطني». من جهة ثانية، أكّدت مصادر مطلعة لـ«الأخبار» أن خمسة أعضاء من مجلس الشورى قدموا استقالتهم، هم وزيرة الصحة السابقة وعضو مجلس الشورى، ندى الصحاب، ومحمد حسن رضي ورباب العريض ومحمد هادي الحواجي ودكتور ناصر المبارك، احتجاجاً على استباحة الدم البحريني.
من جهة ثانية، أصدر حزب الله بياناً أعرب فيه عن قلقه واستنكاره لدخول قوات خليجية إلى البحرين. وقال: «يرى حزب الله أن التدخل العسكري واستخدام العنف في مقابل حركة شعبية سلمية لا يوصل إلى نتيجة، بل يعقد الأمور ويلغي فرص الحل». ورأى أن «الموقف الأميركي مريب جداً، وهو موقف يعبّر عن السياسة الحقيقية للإدارة الأميركية تجاه حركة الشعوب».
(الأخبار)