في خطوة لافتة من حيث توقيتها ومضمونها، ولناحية الجهة التي صدرت عنها، طالب البرلمان الأوروبي بفرض حظر على بيع الأسلحة من الحكومات الاوروبية للرياض «المتهمة باستهداف مدنيين في اليمن». قرار أوروبي غير ملزم قانونياً، ولكنه يحمل قيمة معنوية كبيرة، ويأتي في وقت تتمادى فيه المملكة في "جرائم الحرب" التي ترتكبها في هذا البلد، على مرأى ومسمع العالم اجمع. بل في ظرف تبدو فيه السعودية تضرب خبط عشواء من العراق إلى لبنان مروراً بسوريا وإيران. وهو واضح في مضمونه الذي يطالب فيه حكومات الاتحاد الأوروبي بوقف تصدير السلاح إلى المملكة بحجة أنها تستهدف مدنيين. والأهم أنه يأتي عن سلطة إقليمية تمثل كبريات دول القارة القديمة وتتمتع فيه قراراتها بمشروعية عالمية تستند إلى القيم الغربية.
والمفارقة أنه قرار صوت عليه النواب الأوروبيون بغالبية ساحقة من 449 صوتاً مقابل معارضة 36 وامتناع 78. قرار أثار قبل نحو شهر (عند صدور نصّه) بلبلةً بعد تنديده بالعمليات الجوية السعودية. ودعا البرلمان الأوروبي، في جلسة خاصة عُقدت في العاصمة البلجيكية أمس، الدول الاعضاء في الاتحاد إلى وقف فوري لجميع عمليات نقل الأسلحة أو غيرها من أشكال الدعم العسكري للسعودية وشركائها في التحالف «التي يمكن أن تستخدم لارتكاب أو تسهيل ارتكاب انتهاكات خطيرة للقانون الدولي».
رحبت «أنصار الله» بالقرار الأوروبي وتمنت أن تكون خطوة لخروج أوروبا من «السرب الأميركي»

وكانت لجنة الخبراء في الأمم المتحدة قد نشرت تقريراً أكد مقتل نحو 6000 مدني خلال الحرب، «غالبيتهم قتلتهم السعودية»، ما دفع منظمات ومسؤولين في أوروبا إلى إعلاء الصوت لمساءلة حكوماتهم حول دعمها الرياض في حربها على اليمن. وفي هذا السياق، اتهم مسؤولون بريطانيون حكومتهم بالمشاركة في الحرب السعودية، بناءً على تقارير تؤكد تصاعد مبيعات الأسلحة البريطانية إلى السعودية بشكل غير مسبوق، حيث وصلت قيمة الصادرات إلى مليار جنيه استرليني بارتفاع بنسبة 11%، خلال ثلاثة أشهر فقط في ظلّ الحرب.
الضغوط على لندن جاءت من نواب بريطانيين مثل زعيم حزب «العمال»، جيرمي كوربن الذي سأل رئيس الحكومة ديفيد كاميرون عن حقيقة دعم دولة متهمة بارتكاب جرائم حرب في اليمن، إلى جانب اتهامات منظمة «هيومن راتيس ووتش» المتكررة للرياض بقتل مدنيين في اليمن وباستخدام أسلحة محرمة دولياً.
وتعد بريطانيا وفرنسا موردَيْ الأسلحة الرئيسيين في أوروبا للسعودية، أما ألمانيا فقد أجازت بدورها تصدير أسلحة للمملكة تصل قيمتها إلى 200 مليون دولار خلال النصف الأول من العام الماضي، وفقاً لآخر بيانات متاحة من وزارة الاقتصاد.
ويوم أمس، قال النواب الذين صوتوا على القرار إن بريطانيا «أجازت بيع أسلحة للسعودية بأكثر من ثلاثة مليارات دولار منذ ان بدأ التحالف عملياته في اليمن في آذار الماضي».
وكانت السعودية قد حاولت الضغط في الأيام الأخيرة لمنع أعضاء البرلمان الأوروبي من التصويت على القرار الأخير، حيث كان من المفترض أن تنعقد جلسة التصويت في الرابع من شباط الماضي، إلا أن ضعوطاً سعودية في هذا المجال أدت إلى تأجيلها حتى يوم أمس.
وفي هذا الإطار، عقد مسؤولون سعوديون لقاءات عدة مع أعضاء في البرلمان لإقناعهم بالتمنع عن دعم القرار، على ما أفادت صحيفة "ذا غارديان" البريطانية.
بدوره، وجه السفير السعودي في بلجيكا، عبد الرحمن الأحمد، رسالة إلى البرلمانيين الاوروبيين يوم الأحد الماضي، دعاهم فيها إلى عدم التصويت على القرار، مدافعاً عن التدخل العسكري في اليمن. وقال الأحمد إن التدخل السعودي كان في جزء منه، «للردّ على القلق الغربي من الإرهابيين المقيمين في اليمن، بمن فيهم القاعدة وداعش»، علماً بأن وثائق عدة (آخرها نشرته قناة «بي بي سي») أكدت قتال عناصر التنظيمين إلى جانب قوات التحالف في عدد من الجبهات اليمنية، مشدداً على أن التدخل يهدف أيضاً "لمواجهة الخطر الايراني الرامي لزعزعة الاستقرار في المناطق الشرقية داخل السعودية".
وقال السفير السعودي إنه لو لم تتدخل السعودية عسكرياً في اليمن، «كانت النتائج لتكون أسوأ بكثير». واتهم في الرسالة «الحوثيين» (أنصار الله) بـ»استهداف مدنيين وتجنيد الأطفال واستخدام التجويع سلاحاً»، مقابل السعوديين «الذين ألقوا بالطعام والأدوية لكسر حصار تعز».
في السياق، دعا البرلمان الأوروبي، الأطراف المتحاربة في اليمن، يوم أمس، إلى «الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى الشعب اليمني، والامتناع عن الاستهداف المباشر للبنى التحتية والمدنية والمرافق الطبية وشبكات المياه».
وحث البرلمان في قرار أمس، جميع الأطراف في اليمن على «وقف إطلاق النار، وإيقاف الهجمات ضد المدنيين، وتوفير الظروف لمساعدة العاملين في المجال الطبي والإغاثي».
وأشار القرار إلى أن السعودية وإيران، «تلعبان دوراً أساسياً في حل الأزمة اليمنية»، معرباً عن قلقه العميق «إزاء الغارات الجوية التي تشنها قوات التحالف بقيادة السعودية والحصار البحري الذي فرضته على اليمن، والذي أدى إلى سقوط آلاف القتلى، ما زاد من زعزعة استقرار اليمن»، بحسب القرار.
من جهتها، رحبت حركة «أنصار الله» بإصدار القرار. وعبّر المتحدث الرسمي باسمها، محمد عبد السلام، عن الأمل في أن يكون القرار «خطوة نحو يقظة أوروبية حقيقية تستعيد بها دورها بعيداً عن السرب الاميركي المنهمك في مشروع تفتيت المنطقة»، مضيفاً أن واشنطن «مسؤولاً عن جرائم حلفائها في المنطقة عبر دعم الإجرام والتوحش بما يناقض ما تدعيه من حريات وحقوق إنسان».