أوقف اللبناني علي طعان فياض في العاصمة التشيكية براغ في ٥ أيار ٢٠١٤، بموجب مذكرة اعتقال صادرة عن محكمة أميركية بتاريخ ٢٦ آذار ٢٠١٤، بتهمة «التآمر لقتل ضباط وموظفين في الولايات المتحدة، وحيازة ونقل صواريخ مضادة للطائرات وتقديم دعم مالي لمنظمة إرهابية». وبحسب مذكرة التوقيف التي تحمل الرقم S1 13 Cr. 485، تحدد العقوبة القصوى بأربعة أحكام، ثلاثة منها بالسجن لمدى الحياة والرابع بالسجن ١٥ عاماً. وفي ملخص الوقائع، تزعم المذكرة أن فياض وافق على تزويد أشخاص يعتقد أنّهم من منظمة «فارك» الكولومبية (Fuerzas Armadas Ravolucionarias de Colombia (FARC المصنّفة أميركياً في خانة الإرهاب. وهو التقى بين عامي 2012 و2014، في اجتماعات في غانا وبولندا، المدعو فوزي جابر، وأجرى اتصالات هاتفية لمساعدة أعضاء في المنظمة على تبييض عائدات المخدرات. ونقلت المذكرة أنّه خلال هذه الاجتماعات، وافق كل من جابر وخالد المرعبي على المساعدة في إعادة شحن الكوكايين الخاص بـ«فارك» إلى الولايات المتحدة عبر أفريقيا. وفي تموز 2013، أبلغ جابر عضواً مشتبهاً فيه في «فارك» أن فياض وافق على تأمين أسلحة تتضمن صواريخ أرض ــــ جو وقاذفات قنابل وقنابل يدوية. وفي ١٦ أيلول ٢٠١٥، عمّم الأنتربول بطلب من الولايات المتحدة نشرة للبحث عن فياض وتوقيفه احترازياً بغية استرداده. وذكرت النشرة لبنان وتشيكيا وفرنسا وأوكرانيا من ضمن لائحة البلدان التي يُحتمل أن يزورها.
بعد توقيفه نحو سنة وعشرة أشهر في براغ، قررت وزارة العدل التشيكية، في ما يشبه "صفقة تبادل"، إطلاق سراح فياض بالتزامن مع إطلاق خمسة تشيكيين ومعهم صائب فياض، شقيق علي، كانوا قد خطفوا في لبنان منتصف تموز 2015. ساد الغموض عملية خطف التشيكيين وإطلاقهم، فلم تُعرف الجهة الخاطفة ولا مكان الاحتجاز ولا تفاصيل الصفقة. الأجهزة الأمنية اللبنانية أجرت تحقيقاتها على عجل، وكان جواب المحررين التشيكيين واحداً: «خطفنا مسلّحون ملثّمون لم نرَ وجه أي منهم، ولا يمكننا تحديد لهجة الخاطفين ولا الأماكن المختلفة التي تنقّلنا بينها أثناء احتجازنا»، علماً بأن السلطات التشيكية كانت قد ادّعت وجود علاقة لحزب الله بالخطف، متهمة علي فياض بالارتباط بالحزب.
فياض: الأميركيون استدرجوني عبر عميل لبناني ولن أرضخ لتهديداتهم

ورغم إحاطة ملابسات هذه القضية بجدار سميك من السرية، وتأكيد مصادر أمنية أن هذا الملف الذي تولّى فرع المعلومات التحقيق فيه سيكون واحداً من تلك التي يحرص الفرع على إحاطتها بسرية كاملة، علمت «الأخبار» من مصادر غير أمنية أن لبنانياً يقيم في براغ لعب دور الوسيط بين الجهة الخاطفة وأحد قادة الأجهزة الأمنية. ورجّحت أن التشيكيين الخمسة ومرافقهم اللبناني ربما احتجزوا داخل الأراضي السورية، إذ إن الفرع التقني في "المعلومات" رصد تشغيل هاتف أحد المخطوفين، وبعد توقيف حامله ادّعى بأن شقيقه عثر في سوريا على مجموعة الهواتف وأعطاه أحدها. وأقنع الموقوف شقيقه بجلب الهواتف التي تبيّن أنها تعود للمخطوفين الخمسة.
لدى وصول فياض إلى مطار بيروت الدولي مطلع شباط الجاري، بعد إطلاقه، أوقفته الأجهزة الأمنية بموجب بلاغ من الأنتربول بحقه يحمل الرقم 6153 بجرم الإرهاب، ولكونه «مطلوباً»، بموجب قرار جزائي بتغريمه مئتي ألف ليرة لمخالفته أنظمة السير. وكانت الخطة تقضي بأن يغادر التشيكيون على متن الطائرة نفسها التي حملت فياض إلى بيروت. لكن الأمن العام استبقاهم للاستماع إلى إفاداتهم، ليحالوا على فرع المعلومات بناءً على قرار المدعي العام التمييزي القاضي سمير حمود. إلا أن الفرع رفض تسلّمهم لأسباب غير معروفة. وكشفت المصادر أنّ ضباط الفرع استبْقوا لديهم كمبيوتراً محمولاً وهاتفاً خلوياً يعودان لأحد التشيكيين بذريعة أنّ جرد محتوياته لم ينته بعد.
وكشف فياض أثناء استجوابه أمام مكتب مكافحة الإرهاب والجرائم الهامة في قوى الأمن الداخلي أنّه موظف رسمي في الحكومة الأوكرانية بصفة مستشار، ومسؤول عن مفاوضات بيع السلاح بين أوكرانيا ودول الشرق الأوسط وأفريقيا، بموجب أوراق رسمية صادرة عن السلطات الأوكرانية. ونفى فياض ملكيته لشركة خاصة لتجارة السلاح، لافتاً إلى أن توقيفه يتناقض مع الاتفاقية الأميركية ــــ التشيكية لتبادل المطلوبين. وأشار إلى أنه بعد قرار وزير العدل التشيكي إخلاء سبيله «طلبت من السلطات تأمين وصولي إلى مطار براغ، حيث استأجرت طائرة على حسابي الخاص بعدما توافرت لي معلومات بأنّه سيتم خطفي إذا تنقلت في براغ». وعن علاقته بتجارة الأسلحة، أكّد فياض «أنني أعمل في إبرام اتفاقيات لتوريد الأسلحة من أوكرانيا وفقاً للمعايير الدولية، وأتقاضى مقابل ذلك مخصصات كموظف رسمي». وعن الادعاء الأميركي ضده، قال إنه «محض افتراء. طلبت من السلطات التشيكية والأميركية إبراز أي دليل يُثبت ادعاءهم، فلم يفعلوا بحجة أن الأدلة سرية والعملاء سريون». وأضاف: «طلب المدعي العام الأميركي في جنوب نيويورك مقابلتي في السجن، فرفضت استقباله إلا بعد إبراز دليل على ادعائهم. تم تهديدي بإبقائي في السجن مدى الحياة في زنزانة انفرادية، لكنني بقيت مصرّاً على موقفي».
رفض فرع المعلومات، لأسباب مجهولة، تسلّم التشيكيين بعد تحريرهم

وعن الاتهامات الموجهة إليه بالإرهاب والتآمر لقتل ضباط وموظفين أميركيين وتقديم دعم مادي لمنظمة إرهابية، وصف التهم بأنها «سياسية لكوني لبنانياً مسلماً وأشغل منصباً متقدماً في أوكرانيا. طلبت من السلطات التشيكية تزويدي بأي مستند مادي أو معنوي حول أي اتصال لي مع منظمة فارك التي لم أسمع بها من قبل». وأضاف: «هذه تهمة مثيرة للسخرية، فأنا لست من أصحاب السجلات الإجرامية، ولديّ مسؤولية رسمية في دولة منتجة للسلاح. طلب الأميركيون مني، عبر وكيلي في الولايات المتحدة، تقديم استقالتي، وهذا كان شرطهم الأساسي، لكنني رفضت لأن الموضوع ليس من صلاحيتهم. هذا عملي وأنا مستمر فيه ولن أرضخ لتهديداتهم». وعن علاقته بجابر والمرعبي اللذين زعمت المذكرة أنهما مرتبطان بـ«فارك» وتجارة المخدرات، أجاب: «تعرفت إلى جابر عام ٢٠١٣ بعدما اتصل بي هاتفياً وأبلغني أنّه من النبطية ويشغل منصب مستشار رئيس ساحل العاج. طلب اللقاء بي مرات عدة، لكنني لم ألبِّ طلبه، فحضر إلى كييف واتصل بي يعلمني بمكان وجوده. وبالفعل، التقيته من باب اللياقة لكونه ابن بلدي. في اللقاء، أبلغني أنّه يملك شركة مرخصة لتجارة الأسلحة ويريد شراء سلاح من أوكرانيا لمصلحة بلدان عدة. طلبت منه المستندات اللازمة لتقديمها إلى السلطات الأوكرانية، فوعد بذلك، لكنه لم يقدم أي مستند رسمي، ولم يحصل أي بيع أو شراء للسلاح، وبقي الأمر في إطار الكلام فقط، علماً بأنني أعلمت السلطات الأوكرانية بهذا الأمر». واتهم فياض جابر بأنه «عميل أميركي زار إسرائيل مرتين بحسب ما علمت. وهذا يفسّر كتاب الأنتربول للنيل مني وإرغامي على تقديم استقالتي من منصبي. أما المرعبي، فلم ألتقه سابقاً، ولم أره إلا بعد توقيفي. وأؤكد أنني لم أتواصل مع أي شخص من فارك ولم أزر غانا. زرت بولندا مرة واحدة والتقيت فوزي جابر، بناءً على تكليف من السلطات الأوكرانية وعلى نفقتها الخاصة، لإجراء محادثات معه. التقيته مرتين فقط». وأصرّ فياض على الإيحاء بأنّ هناك استدراجاً للإيقاع به، لافتاً الى ما أثير في وسائل إعلام غربية عن انتحال عناصر من FBI صفة أعضاء في "فارك" للقيام بعمليات أمنية أو لاستدراج متعاملين مع هذه المنظمة. أما الاتهامات بتبييض أموال المخدرات «فلا أسمح لأي كان بأن يحدثني عن تبييض الأموال والمخدرات لكوني موظفاً رسمياً وأعرف حدودي. مهما فعلوا فلن أتخلى عن منصبي، ولا يحق للأميركيين فرض شروطهم عليّ».
وأوقف فياض، بعد اعتقاله، في نظارة قصر عدل بيروت لنحو ١٥ يوماً في انتظار رد مكتب الأنتربول الدولي طلب القضاء اللبناني تزويده بملف الاسترداد (التحقيقات التي طُلب توقيفه بموجبها) لبتّ طلب تسليمه الى الولايات المتحدة. وتسلّمت وزارة العدل، أول من أمس، ملف الاسترداد الذي سيطّلع المدعي العام التمييزي القاضي سمير حمود عليه قبل أن يُكلّف قاضياً التحقيق مع الموقوف قبل رفع تقرير إلى وزير العدل. أما قرار تسليمه أو عدمه، فيعود الى السلطة التنفيذية لأن قراراً كهذا يحتاج الى مرسوم يتخذه مجلس الوزراء.