الإحجام عن زراعة القمح انسحب أيضاً على بقية الزراعات التي تتطلب أكلافاً كبيرة بسبب ارتفاع أسعار البذار والكيماويات، كالبطاطا والبصل والثوم، بعد توالي الانتكاسات نتيجة تحكّم التجار وعدم إقفال أبواب التهريب، وعدم حماية الدولة لمنتجاتهم التي تزاحمها البطاطا السورية والمصرية في ذروة الموسم اللبناني. وهذا ما أدّى إلى لجوء كثيرين الى الزراعات البعلية ذات الكلفة المتدنّية والأقل ربحاً، كالحمّص والعدس.
يقول كاظم حيدر إنه توقّف عن زراعة البطاطا بعد اشتراط التجار تسديد ثمن البذار بالدولار نقداً. وأوضح أن طن البذار «يُباع بأكثر من 110% من سعره الحقيقي. في بداية الموسم، كان سعر الطن 1150 دولاراً، وفجأة طار الى 2500 دولار بسبب تهريبه الى سوريا، وهذا ما لا يستطيع أي مزارع تحمّله، فضلاً عن المزاحمة غير المتكافئة وتحكّم تجار البذار والكيماويات بالأسعار وارتفاع سعر مازوت الري وعدم القدرة على تركيب طاقة شمسية، ما يسدّ كل أبواب الربح». ويؤكد المزارع جعفر زعيتر أن كل الزراعات ستتقلّص هذا الموسم لعدم قدرة المزارع على تحمل الأكلاف الباهظة. إذ «تراوح كلفة زراعة الدونم بالبطاطا أو البصل أو الثوم بين 700 و1000 دولار، من دون احتساب أي كلفة للطاقة الشمسية. وإذا باع المزارع الكيلو بأقل من 35 ألف ليرة في الحقل فستكون خسارته كارثية».
ويؤكد مزارعون أن كبار التجار امتنعوا عن تسليم البذار لنهاية الموسم كما كان يجري عادة، مفضّلين التعامل مع المهربين الذين يدفعون بالدولار «كاش». وهؤلاء «المهربون أنفسهم سيأتون لاحقاً بالبطاطا من سوريا ويفرضون مع التجار أنفسهم الأسعار لحرق أسعار المزارعين اللبنانيين».
ارتفاع أسعار البذار والكيماويات دفع كثيرين الى الزراعات البعلية ذات الكلفة المتدنّية والأقل ربحاً كالحمّص والعدس
تداعيات التهريب وتحكم كبار التجار يعاني منها أيضاً مزارعو مشاريع القاع حيث «تأتي من خلف الحدود مئات الشاحنات الكبيرة والصغيرة المحمّلة بكل أنواع الخضر والفواكه، على مرأى من الأجهزة الأمنية»، بحسب المزارع طوني مطر، لافتاً الى مشكلة أخرى تواجه مزارعي مشاريع القاع تتمثل في «قدرة كبار المزارعين على استقطاب العمال وعائلاتهم للعمل في مشاريعهم بتقديم إغراءات مالية كبيرة لهم، فيتخلّون عنّا في عزّ الموسم ما يتسبّب لنا بخسائر كبيرة».
رئيس تجمّع مزارعي وفلاحي البقاع، إبراهيم الترشيشي، لفت إلى أن «الزراعات ذات الرأسمال الكبير تقلصت نتيجة عوامل عدة، في مقدمها عدم وجود مصارف تسليف، في وقت سرقت فيه ودائع المزارعين في المصارف، وأصبح كل مزارع يزرع على قدر مصرياته، فيما الشركات الزراعية لا تبيع بالدَّين للمزارعين». لذلك، «ذهب معظم المزارعين إلى زراعات بعلية بسيطة غير مكلفة، وهي ذات أرباح متدنّية، وستشهد مزيداً من التدنّي بعد الإقبال عليها».