مع اشتداد السجال حول دور اللاجئين السوريين في الانتخابات التركية، سواء في دورتها الأولى التي جرت في الـ14 من الجاري أو الثانية المرتقبة في الـ28 منه، جاءت افتتاحية صحيفة «جمهورييات» المعارِضة والقريبة من «حزب الشعب الجمهوري»، قبل أسبوع، لتزعم وجود دور حاسم للمجنّسين من اللاجئين في عدم تعريض الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، للهزيمة في جولة الاقتراع الأولى. وتدّعي الصحيفة، التي تعبّر افتتاحيتها عن مزاج عام في أوساط المعارضة، أن المليونَين ونصف المليون صوت التي تَقدّم بها مرشّح السلطة على منافسه، كمال كيليتشدار أوغلو، إنّما وفّرها له المجنّسون. واستُكمل السجال الذي بدأته المعارضة مبكراً حول هذا الملفّ، بإعلان كيليتشدار أوغلو أن عدد اللاجئين السوريين الموجودين في بلاده يبلغ عشرة ملايين، وليس 3 ملايين و800 ألف، كما تقول الأرقام الرسمية. وفي الإطار نفسه، جاءت تصريحات مسؤولة ملفّ اللاجئين والهجرة في «الحزب الديموقراطي» المعارض، إيلاي آقصوي، التي أنحت باللائمة على حزب «العدالة والتنمية» في «إخفاء» المعلومات الدقيقة عن أعداد هؤلاء، متّهمةً، في حديث إلى «جمهورييات»، السلطة، بـ«التلاعب بهذه المسألة من أجل إخفاء أعداد الذين اقترعوا في الانتخابات النيابية والرئاسية». ولفتت آقصوي إلى أن «الحكومة عدّلت المادة 11 من القانون الرقم 5490 الخاص بالنفوس، بحيث أصبح بإمكان اللاجئ أو أيّ شخص آخر تغيير اسمه في المديريّة العامة للنفوس، ومن دون قرار من المحكمة»، ما يعني، وفقها، أنه «لا تمكن معرفة عدد الأجانب الذين نعيش معهم». وأضافت أن «الوزراء يخرجون دائماً ويقولون إنهم لن يعيدوا اللاجئين. السبب هو أنهم لا يريدون أن يخسروا أصوات اللاجئين، بل يحرّضونهم على التصويت في الانتخابات». وأشارت إلى أن «السوريين في تركيا ينتظمون في ما بينهم بصورة قويّة، ولا يشعرون بالحاجة إلى تعلُّم اللغة التركية التي يَفرض القانون التركي تعلُّمها بدرجة كافية لمَن يحصل على الجنسية، معتبرةً أن تركيا، نتيجة لذلك، «تتعرّض لاعتداء ديموغرافي كبير»، وتواجه «عنصر تهديد لسيادتها الوطنية»، وأن الحلّ يقتضي «تطبيع العلاقات مع سوريا وإعادة اللاجئين إلى أراضيهم».
ومع تحوُّل ملفّ اللاجئين إلى عنوان بارز في حملات الجولة الثانية، كتب كيليتشدار أوغلو، في تغريدة، موجّهاً كلامه إلى الناخبين: «أنا أقبل أن تحبّني أو أن لا تحبّني. لكن إذا كنت تحبّ الوطن، فَلْتتّخذ قرارك. لم يكفِهم عشرة ملايين سوري، بل يريدون أن يَفِد أيضاً 10 إلى 12 مليوناً آخرين... فليأتِ إلى الصندوق مَن يحبّ وطنه». وأثارت هذه التغريدة استياء السلطة؛ إذ دان وزير الخارجية، مولود تشاووش أوغلو، بدوره، النزعة العنصرية التي تُقارَب بها مسألة اللجوء السوري في تركيا، مشدّداً على أنه «من دون التعاون مع دمشق، لا تمكن إعادة اللاجئين»، وأنه يجب العمل مع إدارة الأسد لتطوير البنية التحتية قبل إعادتهم. وأشار الوزير إلى أن محادثات «الرباعية» بين تركيا وسوريا وإيران وروسيا، «تهدف أولاً إلى تنظيف سوريا من الإرهاب، وثانياً إلى إحياء مسار الحلّ سياسي، وثالثاً إلى تحضير البنية التحتية لعودة اللاجئين»، لافتاً أن «جزءاً من اللاجئين يمنعهم حزب العمال الكردستاني من العودة، والقسم الآخر ينتظر العمل مع إدارة الأسد لتجهيز البنية التحتية لذلك». وبحسب تشاووش أوغلو، فإنه «في كلّ اجتماع مع الوفد السوري، يطلبون منّا الانسحاب من سوريا. لو انسحبنا، لانفجر الاشتباك بين الدولة والمعارضة. ومن جديد سيتدفّق اللاجئون»، مضيفاً أنه «لا تمكن إعادة اللاجئين من دون تحضير، كما يطالب كيليتشدار أوغلو، ولا من دون إعادة بناء البنية التحتية والمصالحة الوطنية... ومن دون ضمان الاستقرار لا يمكن لنا الانسحاب لأن الإرهاب سيعود». وفي الاتّجاه نفسه، اتّهم نائب رئيس «حزب العدالة والتنمية»، نعمان قورتولموش، كيليتشدار أوغلو، بـ«التضليل»، واصفاً ما قاله عن وجود عشرة ملايين لاجئ بأنه «سلسلة من الأكاذيب»، لافتاً إلى أنه «في انتظار ما ستسفر عنه المحادثات مع سوريا وروسيا وإيران، فإن تركيا منكبّة على إنشاء مناطق آمنة جديدة لعودة المزيد من اللاجئين».
دان وزير الخارجية التركي النزعة العنصرية التي تُقارَب بها مسألة اللجوء السوري في بلاده


من جهتها، رأت صحيفة «يني شفق» الموالية أن مرشّح المعارضة «نصّب نفسه محاسِباً وخبيراً في احتساب الأعداد التي لو أن الرئيس السوري نفسه جاء لَما احتسبها بهذا العدد الكبير. حتى لو احتسبنا كلّ اللاجئين الذين فرّوا من سوريا إلى الخارج، فلن يصل العدد إلى هذا الرقم». ووفق ما تنقل الصحيفة عن معطيات وزارة الخارجية السورية، فإن عدد سكّان سوريا يقارب 26 مليوناً و300 ألف نسمة، حوالى تسعة ملايين منهم لاجئون خارج سوريا، و17 مليوناً ونصف مليون داخلها، بينهم 8 ملايين و840 ألفاً في مناطق سيطرة النظام، و4 ملايين في مناطق سيطرة المعارضة، و3 ملايين في مناطق «وحدات حماية الشعب» الكردية. وردّت «يني شفق» على اتّهامات المعارضة للسلطة بأنها تريد بقاء اللاجئين في تركيا، لافتةً إلى أن أكثر من 600 ألف لاجئ عادوا إلى بلدهم حتى الآن، فيما تُنتظر عودة حوالى المليون قريباً. ودافعت بأن «مسار العودة يبدأ من خلال بناء تسعة مراكز (مجمعات) سكنية، خمسة منها في منطقة درع الفرات (مثلث جرابلس إعزاز الباب)، وأربعة في مناطق نبع السلام (بين تل أبيض ورأس العين)»، مضيفة أن «ثلاثة من هذه المجمعات بدأ تشييدها، وسوف تُشيَّد 18 ألفاً و239 وحدة سكنية في منطقة درع الفرات، وعشرة آلاف و402 وحدة في منطقة نبع السلام، أي ما مجموعه 28 ألفاً و681 وحدة سكنية». كذلك، تلفت الصحيفة إلى أن عمليات تشييد بيوت الطوب تتواصل في 338 نقطة من مناطق وجود الجيش التركي، مضيفةً أن المتعهّدين أتمّوا، حتى الآن، بناء 100 ألف و644 وحدة من الطوب من أصل 108 آلاف و747 وحدة. وستستوعب هذه البيوت 87 ألفاً و911 عائلة، على أن يبلغ مجموع ما يُخطَّط لإنشائه على المدى البعيد حوالى 240 ألفاً يسكنها عدد مماثل من العائلات، علماً أن مساحة الوحدات الناشئة تُراوِح بين 60 و80 و100 متر مربع. وأشارت «يني شفق» إلى أن تركيا أنشأت في 12 محافظة من تلك التي يتواجد فيها اللاجئون السوريون بكثافة، مكاتب استقبال لمَن يريد العودة بشكل طوعي إلى سوريا، وأن عدد مَن عادوا من اللاجئين، منذ بدء الحرب، بلغ 553 ألفاً و793.
---
أوغان يسهل فوز إردوغان
رسا المرشّح الحائز على المركز الثالث في الانتخابات التركية، سنان أوغان، على دعم الرئيس رجب طيب إردوغان، بعد أيام قليلة من لقاء جمعهما. وإذا كان ذلك متوقّعاً نظراً إلى الشروط التي وضعها الأوّل على طاولة مرشّح «تحالف الأمّة»، كمال كيليتشدار أوغلو، وفي مقدّمها «تحييد الأكراد» عن المعادلة السياسية، إلّا أنه أيضاً يشطر تحالف أوغان، «الأجداد»، المؤلّف من حزبَي «النصر» و«العدالة»، والذي لم يجتمع على تأييد مرشّح واحد، فيما تزداد التحدّيات التي تواجه مرشّح المعارضة وحظوظه. وقال أوغان، القوميّ المتشدّد الذي كان حاز 5.2% (2.8 ملايين صوت) في الدورة الأولى وحلّ ثالثاً: «أطلب من الناخبين الذين صوّتوا لنا في الجولة الأولى، أن يصوّتوا لإردوغان في الجولة الثانية»، لافتاً إلى أن مفاوضاته مع الرئيس المنتهية ولايته «جرت حول المبادئ التالية: محاربة الإرهاب، ووضع جدول زمني لإعادة اللاجئين، وتعزيز مؤسّسات الدولة التركية». ومن جهته، سارع كيليتشدار أوغلو إلى التعليق مندّداً «بهؤلاء الذين يبيعون هذا الوطن الجميل». وقال: «نحن قادمون لإنقاذ هذا البلد من الإرهاب واللاجئين»، داعياً «الثمانية ملايين مواطن الذين لم يتوجّهوا إلى صناديق الاقتراع (في 14 أيار) وكلّ شبابنا» إلى التصويت.
(الأخبار)