طهران | وضعت مصادر مطّلعة تنحّي العميد بحري، علي شمخاني، من منصب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، بعد عشر سنوات من تولّيه إيّاه، وتعيين العميد بحري، علي أكبر أحمديان، خلفاً له، في إطار رغبة إدارة إبراهيم رئيسي في استبداله. ولكنها استبعدت، في الوقت ذاته، إدخال تغييرات على سياستَي إيران الخارجية والأمنية. وبحسب مصدر مطّلع قريب من إدارة رئيسي، تحدّث إلى «الأخبار»، فإن الأخير «تولى منصبه مع تسلُّم إدارة الرئيس السابق، حسن روحاني، مهامّها. وبعدما تولّى رئيسي المنصب قبل نحو عامين، تبلورت الرغبة لدى حكومته في استبدال شمخاني بشخص آخر أكثر تناغماً وانسجاماً مع الإدارة الجديدة». وتابع المصدر أن بعض الأحداث، بما فيها الإعلان عن نبأ اعتقال علي رضا أكبري، مساعد شمخاني إبّان تولّيه وزارة الدفاع، ومستشاره في المجلس الأعلى للأمن القومي، بتهمة التجسُّس لمصلحة بريطانيا، وإعدامه في كانون الثاني الماضي، وكذلك بعض الأخبار السلبية والتشهير الذي طاول الأنشطة الاقتصادية لأبنائه، زادت من ضغوط منتقديه والقريبين من الحكومة عليه ليتنحّى. لكن إدارة بعض الملفّات، بما فيها المحادثات بين إيران والسعودية واضطرابات الخريف الماضي، أخّرت استبداله. ووصف المصدر ذاته أحمديان بأنه «صاحب خبرة وضليع في القضايا الأمنية»، و«ليست لديه قضايا هامشية» أو«توجّهات فئوية وحزبية»، مضيفاً أنه في ضوء الاستبدال الأخير، فإن التنسيق بين الحكومة و»المجلس الأعلى للأمن القومي سيزداد ولن يؤدّي إلى حصول تغيُّر في التوجّهات العامة للسياسة الخارجية والأمنية للبلاد، بما في ذلك الاتفاق الأخير بين طهران والرياض.وزاد الدور الذي اضطلع به شمخاني أخيراً في الاتفاق بين إيران والسعودية بوساطة صينية، واللقاءات التي أجراها مع كبار مسؤولي بلدان المنطقة، من ثقله على مستوى السياسة الخارجية لبلاده، إذ اعتبره البعض شخصيّة تضاهي وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان. وربّما لهذا السبب، أصبح شمخاني، خلال الأشهر الأخيرة، هدفاً لانتقادات وسائل الإعلام القريبة من الحكومة. ومع انسحابه من منصبه كأمين للمجلس الأعلى للأمن القومي، عيّن المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، آية الله علي خامنئي، شمخاني، مستشاراً سياسيّاً له وعضواً في «مجمع تشخيص مصلحة النظام». ويُظهر تعيينه في هذه المؤسسة التي لا تضمّ في الوقت الراهن في عضويّتها حتى روحاني، أن شمخاني ما زال من الوجوه الموثوق بها في الجمهورية الإسلامية، لا سيما من جانب مرشدها. لذلك، فإن انتهاء عمله السابق لا يعني نهاية وجوده في الساحة السياسية الإيرانية. وطيلة العقود الأربعة من عمر الجمهورية الإسلامية، كان لـ«الأدميرال» حضور فاعل ومؤثّر في الميادين السياسية والأمنية والعسكرية، حتى أن البعض يتحدّث عن احتمال ترشّحه للرئاسيات.
ويُمثل المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران، أهمّ موقع لصنع القرار في السياسة الخارجية والشؤون الدفاعية والأمنية في البلاد، ويضمّ في عضويته كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين والأمنيين الإيرانيين، فيما يتولّى رئاسته رئيس الجمهورية، كما أن جميع قراراته يجب أن تحظى بتأييد المرشد الأعلى قبل أن تدخل حيّز التنفيذ. وتأسيساً على المادة 176 من الدستور الإيراني، تتمثّل واجبات هذا المجلس في وضْع السياسات الدفاعية - الأمنية للبلاد في إطار السياسات العامّة التي يحدّدها المرشد الأعلى، وتنسيق الأنشطة السياسية والاستخبارية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية في ما يخصّ التدابير العامة الدفاعية - الأمنية، والإفادة من الإمكانات المادية والمعنوية للبلاد لمواجهة التهديدات الداخلية والخارجية. ويتمّ تعيين أمين المجلس بمرسوم رئاسي، ليتولّى مسؤولية إدارة أمانته والإشراف على التطبيق الصحيح لقراراته وشؤونه الإدارية والتنفيذية. وعلى الرغم من أن الأمين لا يحقّ له التصويت، بيدَ أنه وتماشياً مع التقليد السائد في معظم الحالات، يعيّنه المرشد الأعلى كممّثل له في المجلس ليتمتّع بحقّ التصويت. وهكذا، أصدر خامنئي، الاثنين، قراراً بتعيين أحمديان واحداً من ممثّلَيه الاثنين (إلى جانب سعيد جليلي) في المجلس، وذلك بعد ساعات من تعيينه الأول أميناً من قِبَل رئيس الجمهورية.
المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران من أهمّ مواقع صنع القرار خارجيا ودفاعيا


ويُعدّ علي أكبر أحمديان (62 سنة) الشخصية العسكرية الثانية بعد شمخاني، التي تتولّى أمانة المجلس الأعلى للأمن القومي. وقبل الأمين السابق، كان الأمناء الثلاثة للمجلس، أي سعيد جليلي وعلي لاريجاني وحسن روحاني، من المدنيين. لذلك، فإن تبوّؤ أحمديان هذا المنصب يُبرز تعاظم موقع العسكريين في وضْع السياسات الخارجية والأمنية لإيران. وقبل أن يتبوّأ أحمديان هذا الموقع، كان يرأس «المركز الاستراتيجي لحرس الثورة الإسلامية» لأكثر من 15 عاماً، كما عُيّن العام الماضي، وبقرار من خامنئي، عضواً في «مجمع تشخيص مصلحة النظام». وأحمديان، طبيب الأسنان الحامل للدكتوراه في الإدارة الاستراتيجية من الجامعة العليا للدفاع الوطني، كان قائداً للقوات البحرية لـ«حرس الثورة» في الفترة من 1997 إلى 2000، ورئيس هيئة الأركان المشتركة لـ«الحرس» من 2000 إلى 2007. وذكرت وكالة أنباء «فارس» القريبة من «الحرس»، أن الأمين الجديد يُعدّ واحداً من «روّاد التحوّل في القوّة البحرية للحرس»، وأحد «أوائل منظّري فكرة الدفاع غير المتكافئ». وكانت وزارة الخزانة الأميركية فرضت، عام 2007، عقوبات على أحمديان بوصفه أحد الشخصيات الرئيسة في «الحرس الثوري»، كما شمله الاتحاد الأوروبي بعقوباته في نيسان من العام نفسه. وفُرضت عليه عقوبات في 24 آذار 2007 بموجب القرار الرقم 1737 الصادر عن مجلس الأمن الدولي بوصفه أحد الأعضاء التابعين لـ«الحرس»، ومن ثمّ شمله مجلس الأمن بعقوباته مجدّداً عام 2015 بموجب القرار 2231 الصادر عنه. ووضعته الولايات المتحدة، العام الماضي، رفقة 42 مسؤولاً إيرانياً آخر، على قائمة تقييد الهجرة، وذلك استناداً إلى القانون المعروف بـ«خفض التهديد الإيراني وحقوق الإنسان في سوريا». ومع هذا، فإن اسمه مدرج في قائمة الـ23 مسؤولاً عسكرياً إيرانيّاً ممّن يخرجون وفقاً للاتفاق النووي وبصورة تلقائية من عقوبة السفر الدولي.
ويأتي تعيين أحمديان في منصب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، في وقت لم يُحسم فيه أهمّ ملفّ في السياسة الخارجية، أي الاتفاق النووي، الذي جعل التصعيد بين إيران والغرب، لا سيما خلال السنة الأخيرة تحت تأثير الحرب الأوكرانية والاضطرابات الداخلية في الجمهورية الإسلامية، احتمال إحيائه بعيداً.