لا صوت يعلو فوق صوت المعركة داخل نقابة المهندسين في بيروت التي تنتخب غداً 5 أعضاء: ثلاثة للهيئة العامّة (مجلس النقابة) ورئيس للفرع الثاني (المهندسون المعماريّون) ورئيس للفرع السادس (المهندسون موظفو الدولة). لا شيء تغيّر في التحالفات سوى أنّ «النّقابة تنتفض» بدّلت «جلدها»، مستخدمةً تسمية «مصمّمون» التي ضمّت عدداً من مجموعات 17 تشرين وتخوض المعركة بترشيح المهندسين هالة يونس وروي داغر. تغيير التسمية، بحسب البعض، يعود إلى استهلاك اسم «النقابة تنتفض»، فيما يعزو بعض معارضي هذا التكتّل الأمر إلى حال إحباط «نخرت» في المهندسين بسبب سوء الإدارة بعدما راهنوا على تحقيق النقيب عارف ياسين إنجازات.ومع ذلك، نجحت «مصمّمون» في إحياء الائتلاف بين المجموعات رغم الانتقادات المتبادلة بينها. «مواطنون ومواطنات في دولة»، مثلاً، قفزت فوق كلّ الملفّات التي تُكدّسها حول سوء إدارة مجلس النقابة لتدعم مرشحي «مصمّمون»، لأنّ «لا مكان للحركة في ائتلافٍ آخر لا يُشبهها». ما سهّل الأمر أكثر، هو وحدة عناوين المعركة. بالنسبة لـ«مصمّمون»، فإن الخسارة تعني «تسليم مفاتيح النقابة لحزب المصارف والمُهادنة معها».
لذلك، يقف هؤلاء في صفٍ واحد في وجه الأحزاب التي «تُهندس» تحالفاتها بعناية، والتي تحاول استرجاع ما خسرته خلال العامين الماضيين عبر معارك تكتيكيّة، بعد أن حصلت على «القوّة التعطيليّة» العام الماضي مع فوز لائحتي الأحزاب بـ8 مقاعد من أصل 9 بينهم عضوان في الهيئة العامّة. تُحاول الأحزاب الإيحاء بقوةٍ تركن إليها، غير آبهةٍ بأوضاع موظفي الدولة الذين تدور إحدى المعارك على رئاسة فرعهم. وهي تعتبر أنّ مفاعيل 17 تشرين التي أدّت إلى انتخاب ياسين سقطت حينما خارت همّة المهندسين بسبب إخفاق «النقابة تنتفض» في إدارة الملفّات الماليّة الشائكة، بالتالي صارت المعركة أسهل في استرجاع الأحزاب «ملكيّة» المقاعد التي خسرتها سابقاً. هذا ما ينفيه المتحمّسون لـ«مصمّمون» الذين يعدّدون إنجازات ياسين مقارنةً مع المجلس السابق، ومنها عقد الاستشفاء وملف الصيانة وشراء الدولارات، والأهم الشفافيّة في الأداء. وكلّها كانت «نقاطاً سوداء» سُجّلت على المجلس السابق.
يُدرك القياديون في «مصمّمون» أن الوضع ليس «وردياً». ففي مقابل هذه الإنجازات، العديد من المعوّقات، وكذلك من «الافتراءات» التي يسوقها مسؤولو الأحزاب لضرب صورة «النقابة تنتفض» وخفض نسبة الاقتراع لمصلحتها. لذلك، يعمدون إلى الحشد «على الأرض» حتى لا تذهب «المعركة النضاليّة» هباء، وتعود أذرع الأحزاب للتحكّم بمفاصل النقابة، كما لو أنّ شيئاً لم يحصل.
بالتالي، يدرس القياديون في «مصمّمون» كيفيّة خوض المعركة التي تبدو «على المنخار»، خصوصاً أنّ الأحزاب أعادت وصل ما انقطع مع جمهورها وتحالفت في ما بينها، باستثناء حزب القوات اللبنانية والجماعة الإسلاميّة، لتُشكّل لائحة واحدة رغم كلّ الخلافات السياسيّة بينها. وهذه اللائحة لم تُحسم بعد، إذ استمرّت الاتصالات حتى ليل أمس لوضع اللمسات الأخيرة على تحالفٍ بين تيار المستقبل وحزب الله وحركة أمل وجمعيّة المشاريع الخيريّة وبعض المستقلين نتج منه ترشيح: حسن دمج (المستقبل) وسلمان صبح (أمل) وبسّام علي حسن (مستقل مقرّب من المستقبل)، فيما الأرجح أن يكون المرشحان الآخران من المسيحيين من التيّار الوطني الحر والمستقلين، من دون أن يتم حسم هذه الأسماء أو حتّى حسم التحالف مع التيّار الوطني الحر.
في المقابل، تبدو المعركة أصعب في حال لم ينضو فيها الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يُرشّح محمّد السيّد إلى الهيئة العامة، متقصّداً عدم ترشيح درزي لوجود 3 أعضاء دروز في مجلس النقابة بدلاً من واحد، على حساب حصّة السنّة الذين لم يتمكّن أي منهم من الخرق في الجولتين الماضيتين. «الاشتراكي» أشبه ببيضة قبّان في الأرقام الحاليّة، خصوصاً أنّ البعض يتخوّف من عدم إمكانيّة وصول عدد المقترعين إلى 4 آلاف صوت بسبب عدم حماسة المهندسين وغلاء كلفة النقل، إضافة إلى تزامن الانتخابات مع شهر رمضان وبدء عطلة الأعياد.
حزب الله والاشتراكي: معركة بلا مرشحين
ويؤكّد «اشتراكيون» أنّهم لم يحسموا خياراتهم بعد في انتظار انتهاء الاتصالات اليوم، وإن كان المُرجّح المشاركة في الاقتراع حتّى ولو تم سحب ترشيح السيّد. إلا أن ما يقلقهم هو الأجواء الطائفيّة التي تسود داخل النقابة وتصوير التحالفات وكأنّها تحالف المسلمين في وجه المسيحيين. فيما يشير حزبيون آخرون إلى أنّ الخيار المرجّح هو انضواء «الاشتراكي» في لائحة الأحزاب (الثنائي والمستقبل)، معتبرين أنّ تأخر الرد مردّه أنّ «الجنبلاطيين» يريدون رفع السقف للحصول على مكتسبات أكبر ولو في الدورة التالية حينما تنتهي ولاية العضو الدرزي الحالي. وفي حال نجحت الأحزاب في إقناع «الاشتراكي» بدعمها، فإنّها تنتظر منه حشد ناخبيه من دون مرشّح ليصب أكثر من 350 صوتاً لمصلحتها.
التخوّف من «تبريد» جبهة «الاشتراكي» تقابله أيضاً خشية من عدم استنفار ناخبي حزب الله لعدم وجود مرشّح محسوب على الحزب في اللائحة، خصوصاً أنّ كتلة الحزب التي يفترض أن تُشارك في الاستحقاق تصل إلى أكثر من 650 صوتاً. هذا ما ينفيه بعض المقربين من حزب الله الذين يلفتون إلى أنّهم سيُشاركون في المعركة وسيحشدون لإنجاح هذا التحالف.
حزب الله يحشد بلا مرشحين و«المستقبل» يختبر حجم تمثيله بعد غياب القيادة السياسيّة


أما حركة أمل فيُمكن القول إنّها أكثر المرتاحين لفوز مرشّحها سلمان صبح في «حصنها الحصين» - الفرع السادس، باعتبار أنّ الكثير من موظفي الدولة من المهندسين محسوبون عليها وعلى الأحزاب. بالتالي من المرجّح مشاركة أكثر من 700 من المحسوبين على «أمل». هذا الارتياح يكاد يكون مفقوداً لدى تيار المستقبل بسبب غيابه عن الساحة السياسية وعدم معرفته بحجم تمثيله الحقيقي داخل النقابة بعد 17 تشرين. ولذلك، يكاد «المستقبليون» يحصرون معركتهم لإيصال حسن دمج في التجييش الطائفي وأحقيّة عدم تغييب الأعضاء السنّة عن مجلس النقابة.
في المقابل، يعتبر حزبيون أن هذا العنوان قد لا يكون «ربيحاً» خصوصاً أنّ للجماعة الإسلاميّة مرشحاً عن المقعد نفسه. ويتردّد أنّ الاتصالات مفتوحة بين الجماعة والقوات التي تُرشّح سامر واكيم وإيلي حاوي. ورغم ما تردّد عن إمكانيّة سحب القوات لحاوي لتبادل الأصوات مع «مصمّمون»، إلا أنّ قيادة «مصممون» تنفي ذلك مؤكدةً أن معركتها هي ضدّ كل أحزاب السلطة و«مغتصبي قرار النقابة».
أمّا مفاجأة التحالفات فهي «كسر الجرة» بين القوات وحزب الوطنين الأحرار بعدما خرجت خلافاتهما إلى العلن إثر دعم الأحرار لمرشح أمل والمرشح المستقل على لائحة الأحزاب بسام علي حسن، إضافة إلى المرشح المستقل والأمين المالي الحالي شارل فاخوري. وهذا ما رأته القوات تمرداً من الأحرار، إذ لم ينتظر الأخير حتّى إعلان أسماء المرشحين من حزب جعجع.
في المحصلة، تبدو المعركة صعبة بين من يشير إلى إمكانية أن تربح أحزاب السلطة المعركة، وبين آخرين يستبعدون هذا الأمر وإن كانوا يرجّحون أنّ تفوز أحزاب السلطة بمرشحَين على الأقل. كل ذلك، مربوط بقدرة الأحزاب على الحشد في ظل الظروف الحاليّة وإمكانية التحالف مع الاشتراكي وقدرة حزب الله على حشد ناخبيه من دون أن يكون له لا ناقة ولا جمل ضمن المرشحين.