طهران | تسير إيران والسعودية خطوة بخطوة في اتّجاه تطبيق بنود الاتفاق الذي أَبرمتاه في العاشر من آذار الماضي، بوساطة صينية، ووضع نهاية لقطيعة دامت سبعة أعوام بينهما. وفيما يتمثّل جوهر «اتفاق بكين» في إحياء العلاقات الديبلوماسية بين البلدَين، فقد أُعلن أن إعادة فتْح السفارتَين ستتمّ بعد شهرين من توقيع الاتفاق. وكان اللقاء الذي جمع وزيرَي خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان، والسعودية فيصل بن فرحان، في العاصمة الصينية، يوم السادس من الجاري، الأول من نوعه منذ القطيعة الديبلوماسية، وأتاح استئناف العلاقات الرسمية بين الجانبَين واتّخاذ الخطوات التنفيذية لإعادة افتتاح البعثات الديبلوماسية والقنصلية في كلا البلدَين. وبعدها بيومين، توجّه وفد فنّي سعودي إلى إيران بهدف دراسة سُبل إعادة فتح سفارة المملكة في طهران وقنصليّتها في مدينة مشهد (شمال شرقي إيران)، فيما سافر وفد فنّي إيراني إلى المملكة، أوّل من أمس، تمهيداً لإعادة فتح السفارة في الرياض، والقنصلية في جدة، ومكتب تمثيل الجمهورية الإسلامية لدى «منظّمة التعاون الإسلامي».وفي هذا المجال، قال الناطق باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، إنه ومن أجل تفعيل البعثات الديبلوماسية، فـ«(إنّنا) بحاجة إلى بعض الإجراءات التنفيذية، وهي قيد الإنجاز، ومع استكمالها، سنشهد تبادل السفراء بين البلدَين، وهذا يحصل في إطار الاتفاق الذي توصّل إليه البلدان»، موضحاً أن «الخطوات الأولية الكفيلة بتعيين السفراء قد اتُّخذت، ويجري تنفيذ المسار الإداري ذي الصلة». وإضافة إلى قرار إعادة افتتاح السفارتَين والقنصليتَين، فقد اتّفق البلدان أيضاً على المضيّ قُدُماً في إجراءات أخرى من قَبيل «استئناف الرحلات الجوية»، و«الزيارات المتبادلة للوفود الرسمية والقطاع الخاص»، و«تسهيل صدور التأشيرات للمواطنين بما فيها تأشيرات العمرة».
وبالتزامن مع إحياء العلاقات الديبلوماسية بين طهران والرياض، تكثّفت الاتصالات واللقاءات بين كبار المسؤولين الأمنيين الأميركيين والمسؤولين السعوديين. وفي هذا الإطار، أجرى مستشار الأمن القومي الأميركي، جايك سولفيان، اتصالاً بوليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، يوم الثلاثاء الماضي، وذلك بعد أيام من سفر مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وليام برنز، إلى السعودية، للغرض نفسه. وأدّى تصاعُد دور الصين بوصفها منافساً للولايات المتحدة في المنطقة، وابتعاد السعودية بوصفها حليفاً رئيساً لأميركا، بعض الشيء عن الأخيرة، إلى أن تتابع السلطات الأميركية التطوّرات الراهنة التي تطرأ في المنطقة بحساسيّة وقلق. وقبل مدّة، وافق مجلس الوزراء السعودي على قرار انضمام المملكة إلى «منظّمة شنغهاي للتعاون»، والتي تُعدّ اتحاداً سياسيّاً وأمنيّاً يضمّ إلى الصين، كلّاً من الهند وروسيا وإيران. ووفق مراقبين، فإن هذه المنظّمة التي تضمّ في عضويتها دول الاتحاد السوفياتي السابق في آسيا الوسطى أيضاً، تشكّل ثقلاً لموازنة النفوذ الغربي في المنطقة. وعلى رغم أن المملكة خطت الخطوة الأولى في اتّجاه الانضمام إلى المنظّمة، غير أن واشنطن قالت إن محاولات بكين لتوسيع النفوذ في أرجاء العالم، لن تغيّر من سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. ويذهب بعض المراقبين إلى أن الدول المطلّة على الخليج تبحث عن شركاء جدد لها في المنطقة، على رغم أن واشنطن تقول إنها ستبقى نشطة هناك.
تكثّفت الاتصالات واللقاءات بين كبار المسؤولين الأمنيين الأميركيين والسعوديين


أما الأوساط السياسية والإعلامية الإيرانية، فقد رأت أن استئناف العلاقات بين طهران والرياض، لا يخدم أميركا والكيان الإسرائيلي. وكتبت صحيفة «إيران» الحكومية، في هذا الإطار، أن «اقتراب طهران والرياض مجدّداً من بعضهما البعض، يجعل جميع مسارات السياسة الخارجية للكيان الصهيوني للتقارب مع الدول العربية بهدف عزل طهران، تواجه الفشل والانهيار. وهذا الأمر، يحول، في الوقت ذاته، دون أن يتشبّث بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الكيان الصهيوني، بالعداء مع الجمهورية الإسلامية كوسيلة للتغلّب على مشكلاته الداخلية». وبحسب الصحيفة، فإن الوجه الآخر لاستئناف العلاقات الإيرانية - السعودية «يتمّ تقييمه في إطار هزيمة السياسة الشرق أوسطية للولايات المتحدة. إن هذا التصوّر الأميركي عن أنه يمكن في سياق النظرة التقليدية للعلاقات مع الحلفاء العرب، بمن فيهم الرياض، تحويل إيران إلى لاعب معزول في الساحة، قد انهار».